تركت ابتكارات التكنولوجيا الحديثة بصمتها الإيجابية على الديمقراطية: من المذياع إلى الأنترنت مروراً بالتلفاز. غير أن ندوة عقدت في "مؤتمر ميونيخ للأمن" حذرت من المخاطر التي تحملها شبكات التواصل الاجتماعي على الديموقراطية.
إعلان
ساعدت الإنترنت على نقل آليات عمل الديمقراطية الحديثة إلى الجمهور. قبل عقد من اليوم لم يكن بوسع المقترعين توقع أن يعلن الساسة عن سياساتهم على شبكات التواصل الاجتماعي كتوتير أو الفيسبوك ومنحهم فرصة للإطلاع على بواطن اتخاذ القرار من خلال تلك الشبكات. غير أنه وككل شيء بمقدوره تحويل المجتمع فإن الانترنت والتكنولوجيا المرتبطة به تحمل معها مخاطر.
في "مؤتمر ميونيخ للأمن" هذا العام عقدت ندوة شارك فيها الأمين العام الأسبق للأم المتحدة كوفي عنان وقادة من شركات الفيسبوك وغوغل وميكروسوفت لمناقشة المخاطر الناجمة عن اختراعاتهم.
وقد أشار عنان، الحاصل على جائزة نوبل للسلام لدوره في خلق "عالم أكثر سلاماً"، إلى "ثورة شبكات التواصل الاجتماعي" في مصر. ومن المعلوم أن شبكات التواصل لعبت دوراً حاسماً في الحشد للثورة المصرية التي أطاحت بالدكتاتور حسني مبارك. "غير أن غياب القيادة أدى لفشل الثورة. وعاد العسكر إلى الحكم. وهاهم اليوم يفعلون أشياء لم يكن مبارك يجرؤ على مجرد التفكير بها"، يقول عنان. الخطر الأعظم على الديمقراطيات الواعدة هو قدرة السلطات على التلاعب ومنع الدخول إلى شبكات التواصل للحيلولة دون نشوء نقاش سياسي أو التأثير فيه.
"اتخذت السلطات قراراً لتعقيد استعمال تلك الشبكات، ووصل الأمر ببعض الجهلات ليس إلى مجرد حظرها، بل واستخدمتها للتحكم بالناس. ومن هنا يطرح السؤال نفسه: هل تلك الشبكات أدوات اجتماعية؟ هل هي أدوات للتمكين والاستقلالية أم للتحكم؟"، يتساءل الأمين العام الأسبق عنان.
"التشكيك في الديمقراطيات الغربية"
منذ ثورة يناير 2011 في مصر أضحت شبكات التواصل الاجتماعي حاضرة في كل مفاصل حياتنا. ولا تشكل تلك التكنلوجيا تهديداً للنظم القمعية فحسب، بل وحتى للديمقراطيات الغربية. وقد اتضح ذلك جلياً في مزاعم التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016.
"إذا تمعنا الأنشطة التي اكتشفناها فيما يخص التأثير الروسي على الفيسبوك، يتبين أن معظمها سابق في التاريخ على الانتخابات الرئاسية"، يقول المسؤول الكبير في شؤون الأمن في الفيسبوك، ألكس ستاموس، مضيفاً أن "من يحاولون التأثير في النقاش السياسي يفعلون ذلك على مدى أبعد من مجرد دعم طرف سياسي دون غيره؛ إنهم يحاولون خلق شعور بالعدمية في الغرب فيما يتعلق بمؤسساتنا".
وبدوره نوّه مدير ميكروسوفت براد سميث إلى أن حلّ المعضلة ليس بالأمر السهل. وحسب رأيه يتعين على الشركات والحكومات الاعتراف بأن كل وسيلة تحتاج لحل خاص بها دون غيرها: "إذا طبقنا معايير إدارة الشبكات الاجتماعية على محركات البحث سينتهي المطاف بنا إلى تقييد حرية المستخدمين في العثور على المعلومة على شبكة الانترنت".
هل الذكاء الصناعيالتحدي القادم؟
كما أشار المشاركون بالندوة إلى التحديات التي يشكلها الذكاء الصناعي على الديمقراطية والاستقرار. "أعتقد أنه من الخطأ أن نعتقد أنه بمقدورنا بناء ذكاء صناعي خال من التحيز. هذه فكرة خيالية"، حسب رأي ستاموس.، متابعاً أن الآلات ستحمل معها نفس تحيزات الأشخاص الذي ساهموا بصنعها وبرمجتها. وساق هنا مثال تقريراً لـProPublica اتهم برنامج في أحد المحاكم بالتحيز ضد ذوي البشر السوداء من الأمريكيين في الأحكام.
وفي المقابل، يرى المستشار في غوغل، إيرك شميت، أن منافع الذكاء الصناعي تفوق مضاره: "شركتنا في طور الدخول في تحولات كبيرة، والفضل يعود للذكاء الصناعي". ويعدد المنافع: تخفيض الأسعار وتحسين الخدمات الصحية ولإطالة العمر وتقصير المسافات وغيرها. وفيما يخص القلق من آثارها السلبية قال شميت إنه يتوجب علينا تقليلها. وختم قال: أرجوكم لا تنسوا هناك فائدة جمة في أن نصبح أكثر ذكاء في كل الميادين سالفة الذكر.
لويس ساندرز/خ.س
مؤتمر ميونيخ للأمن.. حقائق ومعلومات
يعقد مؤتمر ميونيخ للأمن في شهر شباط/ فبراير من كل عام، ويعد منصة فريدة من نوعها لطرح النقاش حول قضايا الأمن الدولي. في ما يلي معلومات أساسية حول المؤتمر: تاريخه، ومكان انعقاده، وموضوعاته، وأهميته، وتمويله.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
56 عاماً على الولادة
انعقد مؤتمر ميونيخ للأمن للمرة الأولى في عام 1963. آنذاك كان يُسمى بـ" اللقاء الدولي لعلوم الدفاع". وكان الآباء المؤسسون هما الناشر الألماني إيفالد فون كلايست، وهو أحد مؤيدي المقاومة ضد النازية وهتلر في "الرايخ الثالث" - والفيزيائي إدوارد تيلر. بيّد أن المؤتمر غير اسمه لاحقاً إلى "المؤتمر الدولي لعلوم الدفاع"، ومن ثم أصبح اسمه "مؤتمر ميونيخ للأمن".
صورة من: dapd
الأهم من نوعه عالمياً
تكمن أهمية مؤتمر ميونيخ للأمن في كونه منصة فريدة من نوعها على مستوى العالم يتم من خلالها بحث القضايا الأمنية. كما أنه يمنح الفاعلين السياسيين فرصة التواصل بشكل غير رسمي على مدار ثلاثة أيام. وخلال تصنيفها الجديد وضعت جامعة بنسيلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية مؤتمر ميونيخ للأمن في مرتبة أهم مؤتمر من نوعه في العالم.
مشاركة رفيعة المستوى
يتوقع أن يشارك في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي يفتتح هذا العام يوم الجمعة (17 شباط/ فبراير 2018) ويستمر ثلاثة أيام أكثر من 500 شخصية رفيعة المستوى من جميع أنحاء العالم. ويتكون الحضور من زعماء دول وحكومات ووزراء خارجية ودفاع، من بينهم نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس والمستشارة أنغيلا ميركل ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Schrader
أمير قطر في المؤتمر
أمير قطر تميم بن حمد سيحضر هذا العام أيضا في مؤتمر ميونيخ للأمن وسيشارك في جلسة مخصصة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير المالية الألماني أولاف شولتس.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Gebert
السيسي في مؤتمر ميونيخ
من الشخصيات الرفيعة المشاركة في دورة هذا العام لمؤتمر ميونيخ للأمن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وسيشارك في جلسة مخصصة مع أمير قطر تميم بن حمد ووزير المالية الألماني أولاف شولتس. ومن المتوقع أن يتناول الوضع في مصر والأمن في المنطقة بالإضافة إلى العلاقات مع ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/Zumapress/President Office
ليبيا حاضرة في المؤتمر
الأزمة الليبية ستكون حاضرة في مؤتمر ميونيخ للأمن من خلال مشاركة رئيس الحكومة الليبية فايز السراج. الذي من المتوقع أن يستغل حضوره لبحث أزمة بلاده وآفاق حلها مع المسؤولين والشخصيات السياسية والأمنية المشاركة في المؤتمر.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Solaro
عادل الجبير
من الشخصيات العربية الرفيعة المشاركة في المؤتمر وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، الذي شارك في مؤتمر العام الماضي أيضا. ومن المتوقع أن يواجه الجبير أسئلة محرجة تتعلق بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي والحرب في اليمن ناهيك عن توتر علاقة بلاده مع قطر.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Hoppe
"التقرير السنوي لمؤتمر ميونيخ للأمن"
قدم فولفغانغ إيشنغر التقرير السنوي لمؤتمر ميونيخ للأمن في مؤتمر صحفي عقده في برلين. ويركز تقرير هذا العام 2019 على احتدام الخلاف بين روسيا وأمريكا حول التسليح والحرب التجارية المستعرة بين الولايات المتحدة والصين. وحذر إيشنغر من تزايد انعدام الأمن على مستوى العالم. وقال "إن النظام العالمي يتفكك".
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Nietfeld
مكان الانعقاد.. العراقة والفخامة
يعقد المؤتمر وسط مدينة ميونيخ، في الفندق الفاخر "بايريشر هوف" (Bayerischer Hof). وبالرغم من توفر الفندق على 340 غرفة - بما في ذلك 65 جناحاً - و 40 قاعة للمؤتمرات، إلا أن كثافة الحضور الدولي، تشكل تحدياً للفندق. ولهذا شُغل حوالي 250 موظفاً إضافياً خلال المؤتمر، إضافة إلى عدد موظفيه الأصليين البالغ حوالي 700. ويثمن المشاركون جودة الفندق وموقعه المركزي، كما يشكل المؤتمر دعاية مجانية هائلة للفندق.
صورة من: imago/Eibner
إجراءات أمنية مشددة
يتم تأمين المنطقة حول فندق المؤتمر. ولا يسمح بالدخول لهذه المنطقة سوى للأشخاص الذين يمتلكون تصريحا بالدخول. ويذكر أنه تم نشر حوالى 4 آلاف شرطي العام الماضي حول المنطقة من أجل حماية المؤتمر. وبحسب معطيات الشرطة، يتوقع أن يتم الحفاظ على نفس العدد من أفراد الأمن هذا العام.
صورة من: Reuters
احتجاجات مواكبة مناهضة للمؤتمر
وكما يحدث في كل عام، من المتوقع أن يشهد هذا العام أيضاً مظاهرات مناهضة للمؤتمر. وفي العام الماضي، حشد "التحالف ضد مؤتمر أمن الناتو" آلاف المحتجين الذي شاركوا في المظاهرات التي رافقت المؤتمر.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Hörhager
التمويل
يقدم مؤتمر ميونيخ للأمن نفسه كهيئة مستقلة. غير أن المؤسسة المنظمة للمؤتمر، والمسماة بـ"مؤسسة مؤتمر ميونيخ للأمن" تستفيد بشكل كبير من الإعانات الحكومية. ووفقاً للحكومة الألمانية حصل المؤتمر عام 2015 على تمويل بنحو نصف مليون يورو، فضلاً عن مبلغ 700 ألف يورو مصاريف لموظفين من الجيش الألماني. إضافة للرعاية من شركات ألمانية ودولية كبرى، وتصل ميزانية المؤتمر إلى 2 مليون يورو.