هل هو مؤتمر مناهض لإيران؟ أم يتعلق الأمر بإحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط؟ مؤتمر وزاري في وارسو يقسم الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ويتسبب في خصام داخل الاتحاد الأوروبي.
إعلان
هل من أحد يعارض السلام والاستقرار، لاسيما في منطقة تمزقها النزاعات مثل الشرق الأوسط؟ وبالرغم من غياب المعارضين فإن "مؤتمر دعم السلام والاستقرار" المقرر هذا الأسبوع في العاصمة البولندية وارسو يتسبب في توترات جديدة قبل أن تنطلق أعماله. والخلاف بدأ أولا حول قائمة الضيوف، فمن بين الدول السبعين المدعوة إلى وارسو تنقص إيران، البلد الذي سيقع في صلب اهتمام هذه التظاهرة. واتهمت طهران بولندا بتنظيم لقاء مناهض لها. وقد تبع ذلك توترات دبلوماسية وراجت تكهنات حول إلغاء المؤتمر.
روبرت تشولدا، خبير شؤون إيران في جامعة لودز قال في حديث مع دويتشه فيله:" إذا تعلق الأمر فعلا بالسلام في الشرق الأوسط، فمن الواجب استدعاء كل الأطراف ومن ضمنها إيران بالطبع، لكن هنا لا يتعلق الأمر في المقام الأول بالسلام، بل بتكوين تحالف". ويخشى وزير الخارجية البولندي السابق، راديك سيكورسكي أن يلحق المؤتمر الضرر ببولندا، لاسيما في أوروبا مضيفا: " أولا نحن ننسق في بروكسيل الموقف تجاه إيران ثم نوضح بأننا غير متفقين مع ذلك.. وهذا يخلق الانطباع بعد الولاء".
إيران نقطة خلاف الأطلسي
أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تتبعان مبدئيا نهجا مختلفا في التعامل مع إيران. وهذا يظهر جليا في الاتفاقية النووية مع طهران. فالولايات المتحدة الأمريكية تخلت من جانب واحد في مايو/ ايار 2018 عن الاتفاقية وأطلقت من خلال عقوبات اقتصادية حملة "الضغط الأقوى" ضد طهران. فيما تريد برلين ولندن وباريس كدول موقعة على الاتفاقية النووية الحفاظ عليها وتراهن على الحوار. ووقد أثرت العقوبات الأمريكية بقوة على التبادل الاقتصادي الأوروبي مع إيران، لكن الأوروبيين يحاولون بعيدا عن الولايات المتحدة الأمريكية تقديم تحفيزات لإيران للوفاء ببنود الصفقة.
وفي الحقيقة تفي طهران إلى حد الآن بقواعد الاتفاقية النووية، وقد أكدت منظمة الطاقة النووية الدولية هذا الأمر من خلال 13 تقريرا كان آخرها في نوفمبر/ كانون الثاني 2018. وحتى دان كوتس، مدير جهاز الاستخبارات الأمريكي أكد أن إيران لا "تتبع حاليا أنشطة محورية تؤدي إلى صنع القنبلة النووية" وتلتزم بالاتفاقية معها. ورغم الضغوط القوية الأمريكية، فإن دول الاتحاد الأوروبي متضامنة حتى الآن في دفاعها عن الاتفاقية النووية مع طهران، ويدل على ذلك أيضا بيان المفوضية الأوروبية في 4 فبراير شباط الجاري 2019.
بولندا تتبع أهدافا خاصة بها
وبالتالي كانت الدهشة كبيرة في أوروبا عندما تم اختيار وارسو كمكان لاحتضان مؤتمر الشرق الأوسط. والعجب ربما أصاب أيضا البولنديين نفسهم. فكما نقلت وسائل إعلام بولندية، فإن وارسو علمت بشكل مفاجئ بالمؤتمر من خلال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو في منتصف يناير/ كانون الثاني 2019. صحيح أن الحديث كان عن وجود هذا النوع من المخططات، لكن بدون تاريخ ملموس.
"بالنسبة إلى بولندا ليس الشرق الأوسط بهذه الأهمية، قلما نحن ننشط سياسيا هناك"، يعلق خبير شؤون إيران، روبرت تشولدا. هذا الخبير في الشؤون السياسية يعتقد بأن بولندا قبلت احتضان المؤتمر المثير للجدل لأسباب أخرى: "نحن نريد قوات أمريكية متمركزة بشكل متواصل في بولندا"، فالبلاد تتطلع إلى قاعدة عسكرية أمريكية دائمة، وتريد وارسو صرف مليارين من أجل ذلك. ومن أجل إضفاء جاذبية أكثر على المشروع، اقترح الرئيس البولندي في سبتمبر/ أيلول الماضي في واشنطن إطلاق اسم حصن ترامب/ „Fort Trump" على القاعدة.
الولايات المتحدة الأمريكية تقسم أوروبا
يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تستخدم الاهتمام البولندي بها كأداة للسلطة. ويقول خبير الشؤون السياسية، توماس ييغر: "جميع الدول التي ترى نفسها مُهددة تعرف في النهاية عنوانا واحدا يمكن لها توفير الأمن عن طريقه هو واشنطن، وهناك يتم استغلال هذا الشيء لتفكيك لحمة دول الاتحاد ألأوروبي في قضايا أخرى. والسياسة تجاه إيران هي قضية من هذا النوع".
وعلى هذا الأساس كان حماس الأوروبيين ضعيفا. وبعد خلاف دبلوماسي حول مضامين المؤتمر تم على الأقل إضعاف الطابع المناهض لإيران من خلال توسيع برنامج المؤتمر. وعلى الرغم من ذلك فإن مندوبة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن، فديريكا موغيريني ألغت مشاركتها. أما وزير الخارجية البريطاني فقد أكد مشاركته بعدما تم وضع حرب اليمن على جدول الأعمال. وعلى هذا النحو تم توسيع موضوعات المؤتمر حول الأمن في الشرق الأوسط، لكن نية واشنطن لتشكيل تحالف مناهض ضد إيران تبقى قائمة. .
الولايات المتحدة الأمريكية ترفع مستوى المشاركة
ومن أجل حث وزراء خارجية أوروبا على المشاركة في المؤتمر، فإن واشنطن قررت إيفاد وزير الخارجية مايك بومبيو ونائب الرئيس مايك بينس وجاريد كوشنير إلى المؤتمر. كما سيشارك في اللقاء رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتانياهو. في المقابل يبقى الروس بعيدين عن هذه التظاهرة. وتزامنا مع هذه الأخيرة يلتقي رؤساء روسيا وتركيا وإيران في منتجع سوتشي الروسي للتشاور حول سوريا. كما أن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس لن يذهب إلى المؤتمر، إذ سيشارك بدلا من ذلك في اليوم التالي له في مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي الذي يحتل أمن الشرق ألأوسط تقليديا مكانة عالية في جدول أعماله.
روزاليا رومانيك/ ماتياس فون هاين/ م.أ.م
البرنامج النووي- محطات من الشد الإيراني والجذب الغربي
لعبة القط والفأر مع الغرب. بداية البرنامج النووي الإيراني في نهاية خمسينات القرن الماضي كانت واعدة. ثم جاءت القطيعة مع وصول الخميني للحكم لتتوالى فصول الترغيب والترهيب: اتفاق عام 2015، ثم انسحاب أمريكي وعقوبات قاسية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Iranian Presidency Office/M. Berno
البداية النووية
كان العام 1957، بداية البرنامج النووي الأيراني حين وقع شاه إيران اتفاق برنامج نووي مع أمريكا، ليتم الإعلان عن "الاتفاق المقترح للتعاون في مجال البحوث ومجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية" تحت رعاية برنامج أيزنهاور "الذرة من أجل السلام". وفي1967، أسس مركز طهران للبحوث النووية. لكن توقيع إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في 1968، جعلها تخضع للتفتيش والتحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة.
صورة من: gemeinfrei
إنهاء التدخل الغربي في البرنامج النووي
الإطاحة بحكم الشاه وقيام جمهورية إسلامية في إيران سنة 1979، جعلت أواصر العلاقات بين إيران والدول الغربية موسومة بقطيعة، فدخل البرنامج النووي في مرحلة سبات بعد انسحاب الشركات الغربية من العمل في المشاريع النووية وإمدادات اليورانيوم عالي التخصيب؛ فتوقف لفترة برنامج إيران النووي .
صورة من: Getty Images/Afp/Gabriel Duval
البحث عن حلول
سمح خميني عام 1981 بإجراء بحوث في الطاقة النووية. وفي 1983، تعاونت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لمساعدة طهران على الصعيد الكيميائي وتصميم المحطات التجريبية لتحويل اليورانيوم، خاصة في موقع أصفهان للتكنولوجيا النووية، لكن الموقف الغربي عموما كان رافضا لمثل هذا التعاون. ومع اندلاع الحرب بين إيران والعراق تضرر مفاعل محطة بوشهر النووية فتوقفت عن العمل.
صورة من: akairan.com
روسيا تدخل على الخط، والصين تنسحب!
في التسعينات تم تزويد إيران بخبراء في الطاقة النووية من طرف روسيا. وفي 1992، انتشرت مزاعم في الإعلام الدولي بوجود أنشطة نووية إيرانية غير معلنة، مما جعل إيران تستدعي مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة المنشآت النووية، وخلصت التفتيشات حينها إلى أن الأنشطة سلمية. في 1995، وقعت إيران مع روسيا عقدا لتشغيل محطة بوشهر بالكامل، في حين انسحبت الصين من مشروع بناء محطة لتحويل اليورانيوم.
صورة من: AP
إعلان طهران وزيارة البرادعي لإيران
طلبت الوكالة الدولية، في 2002، زيارة موقعين نوويين قيل أنهما غير معلنين، لكن إيران لم تسمح بذلك حتى مرور ستة أشهر على شيوع الخبر. وفي 2003، زار محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إيران للحصول على إيضاحات في ما يخص استئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم، واصدرت الوكالة تقريرا سلبيا تجاه تعاون إيران.
صورة من: AP
شد وجذب
أصدرت الوكالة الدولية، في 2004، قرارا يطالب إيران بالإجابة عن جميع الأسئلة العالقة، وبتسهيل إمكانية الوصول الفوري إلى كل المواقع التي تريد الوكالة زيارتها، وبتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بمستوى يتيح إنتاج الوقود النووي والشحنة الانشطارية. لكن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وبعد انتخابه، عمل على تفعيل البرنامج النووي ولم يكترث للتهديدات الغربية، كما أسس مفاعل "أراك" للماء الثقيل.
صورة من: AP
فصل جديد
في 2006، صوت أعضاء الوكالة الدولية على إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، الذي فرض حظرا على تزويد إيران بالمعدات اللازمة لتخصيب اليورانيوم وإنتاج صواريخ بالستية. وردت إيران على هذا الإجراء بتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي وجميع أشكال التعاون الطوعي. وفي نفس السنة، أعلن الرئيس الإيراني؛ أحمدي نجاد، عن نجاح بلده في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3,5 بالمائة. الصورة لوفد قطر أثناء التصويت على القرار.
صورة من: AP
مفاعلات نووية سرية
في عام2009 ، تحدث بعض المسؤولين الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين، عبر وسائل الاعلام، عن قيام إيران ببناء مفاعل نووي في ضواحي مدينة قم، كما قال هؤلاء بأنه تحت الأرض ويبنى بكل سرية، دون أن تخبر به إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين نفت طهران ذلك واعتبرته مجرد ادعاءات.
صورة من: AP
على مشارف حل
في عام 2014، تم الاتفاق على وقف تجميد الولايات المتحدة لأموال إيرانية قدرت بمليارات الدولارات، مقابل توقف إيران عن تحويل اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة إلى وقود. وفي نفس السنة، قامت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية باجراء تعديلات على منشأة "أراك" لضمان إنتاج حجم أقل من البلوتونيوم.
صورة من: ISNA
الاتفاق التاريخي
في عام 2015، وبعد سلسلة من الاجتماعات، في فيينا، أعلن عن التوصل لاتفاق نهائي؛ سمي اتفاق إطار، بخصوص برنامج إيران النووي. الاتفاق جمع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا بإيران. وكان من المرجح أن ينهي هذا الاتفاق التهديدات والمواجهة بين إيران والغرب.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Wilking
طموحات حدها الاتفاق!
كان باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق، واحدا من رؤساء الدول المتفقة مع إيران، فيما يخص البرنامج النووي، من الذين رأوا في الخطوة ضمانا لأمن العالم، بالمقابل قال نظيره الإيراني؛ حسن روحاني، إن بلاده حققت كل أهدافها من خلال الاتفاق. لكن الأمور لم تعرف استقرارا، خاصة مع رغبة إيران في تطوير برنامجها نووي، دون أن تلفت اليها الأنظار.
صورة من: Getty Images/A. Burton/M. Wilson
أمريكا تنسحب
آخر التطورات في الاتفاق النووي، كانت يوم الثلاثاء 8 أيار/مايو 2018، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، متعهداً بأن تفرض بلاده "أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني". وفي هذا الصدد، عبرت طهران عن عدم رغبتها في الدخول في جولات جديدة من المفاوضات الشاقة مع أمريكا.
صورة من: Imago/Zumapress/C. May
شروط أي "اتفاق جديد"
بعد الانسحاب الأميركي، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو 12 شرطاً أميركياً للتوصل إلى "اتفاق جديد". وتضمنت هذه الشروط مطالب شديدة الصرامة بخصوص البرنامج النووي وبرامج طهران البالستية ودور إيران في الشرق الأوسط. وهدّد بومبيو إيران بالعقوبات "الأقوى في التاريخ" إذا لم تلتزم بالشروط الأميركية.
صورة من: Getty Images/L. Balogh
واشنطن تشدد الخناق
فرضت إدارة ترامب أول حزمة عقوبات في آب/أغسطس ثم أعقبتها بأخرى في تشرين الثاني/نوفمبر. وشملت هذه العقوبات تعطيل معاملات مالية وواردات المواد الأولية إضافة إلى إجراءات عقابية في مجالي صناعة السيارات والطيران المدني. وفي نيسان/أبريل من عام 2019، أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على لائحتها السوداء لـ"المنظمات الإرهابية الأجنبية"، وكذلك فيلق القدس المكلف بالعمليات الخارجية للحرس الثوري.
صورة من: picture-alliance/U. Baumgarten
أوروبا تغرد خارج السرب
في 31 كانون الثاني/يناير 2019، أعلنت باريس وبرلين ولندن إنشاء آلية مقايضة عرفت باسم "إنستكس" من أجل السماح لشركات الاتحاد الأوروبي بمواصلة المبادلات التجارية مع إيران رغم العقوبات الأميركية. ولم تفعل الآلية بعد، كما رفضتها القيادة العليا في إيران. وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أكدت على "مواصلة دعمنا الكامل للاتفاق النووي مع إيران، وتطبيقه كاملاً"، داعية إيران إلى التمسك به.
صورة من: Reuters/S. Nenov
طهران ترد
في أيار/مايو الماضي، قررت طهران تعليق بعض تعهداتها في الاتفاق النووي التاريخي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى بعد عام على القرار الأميركي الانسحاب من الاتفاق. وحذرت الجمهورية الإسلامية من أنها ستستأنف تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من المسموح بها في الاتفاق خلال 60 يوماً، إذا لم يوفر لها الأوروبيون الحماية من العقوبات الأمريكية. مريم مرغيش/خالد سلامة