مؤشر التنمية البشرية: انتهت الجائحة واتسعت الفجوة بين الدول
٢١ مارس ٢٠٢٤من برلين زف أخيم شتاينر، رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الخبر المفرح: لقد عادت مستويات المعيشية في العالم إلى المستوى الذي كانت عليه قبل جائحة كورونا. ولكن أخيم شتاينر يستدرك محدداً الثمن الذي تم به تحقيق ذلك: فالفجوة بين البلدان الفقيرة والغنية تتسع أكثر فأكثر.
وأطلقت الأمم المتحدة "مؤشر التنمية البشرية" قبل 30 عاماً. ويأخذ المؤشر السنوي عدة عوامل في الاعتبار كنصيب الفرد من الدخل، ومتوسط العمر المتوقع، ومستوى التعليم، والظروف البيئية. بمعنى آخر، هل يعيش الناس في العالم حياة جيدة؟ هل هم في وضع جيد مالياً؟ وما هي المخاوف التي تساورهم؟.
وعبر الخبير الأممي عن قلقه؛ حتى لو بدا أن الوباء قد انتهى: "بعد صدمة فيروس كورونا، التي هزت التوازن في الاقتصاد والمجتمع، عدنا لإحراز تقدماً بشكل عام. لكن أكثر من نصف البلدان الأكثر فقراً في العالم لا تتعافى؛ إذ أنها عالقة في مستويات ما قبل الأزمة، وبعضها لا يزال يشهد المزيد من التراجع. وهذا يزيد من خصوبة التربة التي تنمو وتترعرع بها الشعبوية والتطرف".
نعم للديمقراطية، ولكن أيضاً للشعبوية!
يتناول التقرير المعنون "الخروج من المأزق: إعادة تصور التعاون في عالم يشوبه الاستقطاب"، أوجه القصور في التعاون الدولي ويسلط الضوء على "مفارقة في النظام الديموقراطي".
ووضح أخيم شتاينر: "في استطلاع عالمي، يعبر 90 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع بأن الديمقراطية هي النظام الذي يودون العيش ف ظله. ولكن في الوقت نفسه، فإن نسبة أولئك الذين هم على استعداد للتصويت لصالح الأحزاب الشعبوية لقد زادت بنسبة تزيد عن 50 بالمائة."
وأيدت وزيرة التنمية والتعاون الدولي الألمانية سفنيا شولتسه، التي قدمت التقرير مع الخبير الأممي: "في العديد من البلدان، بما في ذلك هنا في ألمانيا، لوحظ منذ ظهور الوباء 'الانسحاب إلى المستوى الوطني' والتشكك بجدوى التعاون الدولي". وهذه النتيجة "مقلقة للغاية" بعد "20 عاماً تقاربت خلالها البلدان من حيث الدخل ومتوسط العمر المتوقع والتعليم"، وفق أخيم شتاينر.
متصدرون ومتذيلون
ومن غير المستغرب أن تتصدر سويسرا والنرويج وأيسلندا قائمة تقرير الأمم المتحدة وتتذيل القائمة الصومال وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى. وأوضح الخبراء أن الصراعات في دول مثل السودان وأفغانستان وميانمار وأوكرانيا زادت الوضع سوءاً. فأفغانستان، على سبيل المثال، تأخرت عشر سنوات في مجال التنمية البشرية. وصلت درجة أوكرانيا إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2004.
وبشكل عام، ساد في التقرير مسحة من التشاؤم حيال المستقبل: "يقول نصف الأشخاص في جميع أنحاء العالم أنهم لا يستطيعون السيطرة على حياتهم".
شركات تكنولوجيا أغنى من معظم دول العالم
وقال أخيم شتاينر "إننا نعيش في عالم أغنى من أي وقت مضى في تاريخ البشرية، على الأقل من الناحية المالية (...) ولكن هناك المزيد من الناس الذين يعانون من الجوع، وأكثر فقرا مما كانوا عليه قبل عشر سنوات. بالإضافة إلى الحروب المتزايدة في جميع أنحاء العالم، مع عشرات ملايين اللاجئين". ويوضح مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "إننا ننفق مبالغ مفرطة في ميزانيات الدفاع" من دون تمويل مكافحة "عوامل الخطر الرئيسية في القرن الحادي والعشرين: عدم المساواة، وتغير المناخ، والجرائم الإلكترونية، والوباء المقبل".
ويرى كل من الخبير الأممي والوزيرة الألمانية أن أولويات سياسة التنمية يتعين أن يكون الاستثمار في التنمية الرقمية. ولكن في هذا المجال بالتحديد تتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء إلى أقصى حد. ويقتبس أخيم شتاينر من تقريره: "حققت كل من أكبر ثلاث شركات تكنولوجية في العالم في عام 2021 مبيعات أكبر من الناتج المحلي الإجمالي لـ 90 في المائة من دول العالم".
المساعدات التنموية الألمانية
وتتعرض سياسة التنمية لضغوط كبيرة في ألمانيا؛ إذ اضطرت الوزيرة سفينيا شولتسه إلى تحمل التخفيضات الكبيرة في ميزانيتها من 12.2 مليار يورو في عام 2023 إلى 11.5 مليار يورو هذا العام. لكنها تريد التصدي لأي تخفيضات جديدة في العام المقبل: "ألمانيا هي واحدة من أغنى الدول في العالم، ونحن لا نتحمل مسؤولية أخلاقية تجاه الأشخاص الذين يعانون من الجوع فحسب، بل إن المزيد من التعاون هو أيضاً في مصلحتنا. نحن بلد فقير في المواد الخام، وبنينا ازدهارنا على الانفتاح على العالم وانفتاح العالم علينا".
وقدمت الوزيرة انطباعاتها النهائية عن رحلتها الأخيرة إلى أفريقيا وبوركينا فاسو وبنين: "تعمل روسيا على إثارة الاستياء ضد الغرب في القارة". وحذرت وزيرة التنمية الألمانية من أن انسحاب ألمانيا من المنطقة سيفسح المجال لروسيا لفرض "مصالحها الجيوسياسية". ومن هنا ترى الوزيرة أن المزيد من التخفيضات على ميزانية وزارتها سيكون قراراً غير مسؤول.
أعده للعربية: خالد سلامة