مؤشر خطير.. الديمقراطية تتراجع في كل أنحاء العالم!
٢٣ فبراير ٢٠٢٢الدول ذات نظم الحكم الاستبدادية مثل روسيا والصين من جهة، والديمقراطية مثل الولايات المتحدة وألمانيا من جهة أخرى. هل هذا هو أكبر صراع في الوقت الحالي؟ "إنه صراع مرير"، قال المستشار أولاف شولتس خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الأميركية واشنطن يوم السابع من شباط/ فبراير الجاري، في إشارة منه إلى الوضع السياسي على الساحة العالمية.
خلال لقاء أجرته معه قناة CNN الأميركية ظهر المستشار شولتس متفائلا، متأكدا أن الديمقراطية ستنتصر في النهاية. فالديمقراطية ليست فكرة غربية فقط بل لها صدى وجذور إنسانية. "أنا متأكد، أن كثيرا من الناس حول العالم يحترمون طبيعة حياتنا، المرتبطة بالديمقراطية وضمان الحقوق والحريات الشخصية واقتصاد السوق".
تقييد الحريات وإلغاء تقسيم السلطات
على كل حال، لا يمكن الحديث منذ فترة طويلة عن نصر كامل للديمقراطية في كل أنحاء العالم. في عام 2004 أوضح مؤشر التحولات التابع لمؤسسة بيرتيلسمان BTI أن عدد الدول التي تحكمها أنظمة مستبدة أكثر من عدد الدول الديمقراطية. من بين 137 دولة تعيش تحولات أو من الدول النامية، هناك 67 ديمقراطية بينما بلغ عدد الدول بأنظمة مستبدة 70 دولة.
"هذا أسوأ نتيجة تحولات سياسية لاحظناها منذ بداية عملنا قبل 15 عاما"، يقول هاوكه هارتمان مدير مشروع المؤشر BTI. عالميا هناك عدد قليل من الانتخابات الحرة الديمقراطية، وعدد قليل أيضا من التظاهرات والتجمعات الحرة وبالتأكيد تقاسم ديمقراطي للسلطات.
على سبيل المثال، تونس، البلد الذي اعتبر شعلة أمل للحراك الديمقراطي بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وأول دولة شهدت حراكا في "الربيع العربي"، يحكم الآن الرئيس قيس سعيّد عن طريق مراسيم منذ تجميده عمل البرلمان في شهر يوليو/ تموز 2021، وإيقاف العمل في بعض سلطات الدستور. وأخيرا حل سعيّد مجلس القضاء الأعلى الذي يضمن استقلالية القضاء والعدالة.
ويضيف هارتمان مثالا آخر في حوار مع DW بالقول: "أكثر من خسر خلال 10 أعوام مضت هي تركيا، في عهد الرئيس (رجب طيب) أردوغان، الذي بدأ كحامل لشعلة أمل". ويضيف: "فرضت القيود على تقاسم السلطات والتعددية، حتى أننا قبل عامين وضعنا تركيا ضمن تصنيف الدول ذات الحكم المستبد، ومنذ ذلك الوقت لم يتغير شيء".
الاقتصاد والتسلط
المثير للقلق أيضا هو انزلاق دول ديمقراطية إلى تصنيف "ديمقراطيات بعيوب". مثال على ذلك النهج القومي الذي يتبعه رئيس الوزراء الهندي ناريدندرا مودي أو في البرازيل بقيادة حكومة يمينية شعبوية يقودها الرئيس بولسونارو، أو في الفلبين تحت حكم الرئيس رودريغو دوتيرته.
ويوضح هارتمان: "هذه الديمقراطيات بالنسبة لي كانت ديمقراطيات رصينة صنفت قبل أعوام مستقرة وثم دخلت إليها العيوب في عملياتها السياسية. في أوروبا هناك أمثلة أخرى، مثل بولندا وهنغاريا التي يفترض أنها تقع ضمن مظلة مبادئ سيادة القانون في الاتحاد الأوروبي".
لكن ما الذي يدفع مثل هذه الدول إلى الانزلاق لمثل هذا التطور السلبي وإلى فقدان القيم الديمقراطية؟ يحمل هارتمان مسؤولية ذلك إلى النخب السياسية والاقتصادية التي تريد حماية أنظمتها السوقية والسياسية الفاسدة. ويوضح "أغلب هذه الأنظمة التي درسناها من بين 137 دولة تملك أنظمة سياسية، تقوم على مشاركة زائفة غير حقيقية. ومع أنظمة اقتصادية تحرف المنافسة وتمنع المشاركة الاقتصادية والاجتماعية".
وهذا واضح جدا في أميركا الوسطى، حيث تقوضت السياسة من قبل المافيات. وكذلك في دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، حيث تمكن البعض من بلوغ مناصب سياسية جعلتهم قادرين على استغلال المؤسسات السياسية الضعيفة.
موجة الشعبويين
ومن يهددهم الفقر والجوع والاستبعاد المجتمعي ولا يلحظون أي تحسن في حياتهم من خلال العمليات الديمقراطية يقعون غالبا فريسة سهلة لبدائل شعبوية. ولا يشمل هذا في الدول التي تم دراستها فقط، بل أيضا في ديمقراطيات رصينة مثلما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم يأخذها مؤشر BTI في الاعتبار.
كما لم يدرس المؤشر الوضع أيضا في دول أعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كانت عضوة قبل عام 1989، والتي يفترض اعتبارها دائما ديمقراطية وفيها اقتصاديات السوق. ويوضح هارتمان أكثر بالقول "منذ انتخاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وبالإضافة إلى عدم مسؤولية النخبة السياسية الإنكليزية، أصبح كثيرون يشعرون بالإحباط ومتشككين بقوة ديمقراطيتنا".
ويرى هارتمان مشكلة في تهميش مجموعات سكانية، كما يرى أن التصويت بالأغلبية البسيطة مشكلة، ما تؤدي في الغالب إلى منافسة بين حزبين فقط، ويوضح قائلا: "يبدو لي كفتيل للاستقطاب، يمكننا ملاحظته في الولايات المتحدة الأمريكية".
قمع في ظل الجائحة
تسببت جائحة كورونا في فرض قيود على الحقوق المدنية والممارسات الديمقراطية في بلدان كثيرة. في العديد منها كانت هذه الإجراءات معتدلة ومحدودة الوقت، وبالنسبة للدول الديمقراطية فقد أضيفت الشرعية على هذه الإجراءات من خلال تصديق البرلمانات، يقول هارتمان.
ويضيف : "لكننا نجد استثناءات في الأنظمة الشعبوية ذات السمات الاستبدادية مثل الفلبين أو هنغاريا، أو في الأنظمة الاستبدادية مثل أذربيجان أو كمبوديا أو فنزويلا، دول استخدمت الوباء كذريعة للقمع وتقييد الحريات بشكل أكبر". أما في الأنظمة الاستبدادية المتقدمة مثل الصين، فقد زاد نطاق المراقبة الرقمية بشكل كبير.
ورغم التوجه نحو المزيد من الأنظمة الاستبدادية عالميا، إلا أن هارتمان يعتقد أن أغلب الناس يتوقون إلى المزيد من الحرية. الأمر الجيد، أن هناك رغبة متزايدة في المشاركات على المستوى المدني.
وعلى سبيل المثال يقول هارتمان: "خذ الخطوة الشجاعة من أجل انتخابات حرة في بيلاروسيا، أو تضامن المجتمع المدني في لبنان، أو الكفاح ضد الهيمنة العسكرية في السودان أو الاحتجاج على الانقلاب في ميانمار. هؤلاء الناس لا يتظاهرون فقط، بل يخاطرون بحياتهم من أجل مجتمع أفضل". إنهم أبطال - آخر وأقوى معقل في النضال العالمي ضد الاستبداد.
بيتر هيلا/ ع.خ