ماذا يعني الثامن من أيار/ مايو 1945 بالنسبة إلى روسيا؟
لا يزال الروس يقيمون احتفالاتهم التقليدية بذكرى إعلان استسلام الجيش الألماني في عام 1945 وبتاريخ التاسع من أيار/مايو حسب التوقيت في موسكو. ولم تطرأ تغييرات كبيرة على مراسيم الاحتفالات منذ أيام ستالين: في يوم النصر يقيم الجيش والجنود السابقون استعراضاً عسكرياً في الساحة الحمراء في موسكو. ويلقي كبار رجال الدولة كلماتهم بهذه الذكرى من منصة على ضريح لينين. لا ينحصر إحياء ذكرى معاناة الروس في الحرب العالمية الثانية على العاصمة موسكو بل يشمل ذلك روسيا كلها حيث تقام مهرجانات بهذه الذكرى وتوضع الورود على النصب التذكارية.
يوم العطلة المفضل
لم يكن العرض العسكري الضخم في أيام الاتحاد السوفييتي دعاية شيوعية فقط الهدف منها إظهار تفوق النظام السوفييتي، فقد كانت كذلك رغبة طبيعية للمواطنين لأنه في كل أسرة تقريباً كان هناك جندي قديم أو شخص عانى من قسوة الحرب، ولذا كان لهذا اليوم أبعاد شخصية بالنسبة لجيل الحرب. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع قيمة يوم النصر كعطلة رسمية بشكل غير عادي لدى الناس، وتقول الاستفتاءات إن التاسع من أيار يعد يوم العطلة الثاني الأكثر تقديراً عند الروس بعد عيد رأس السنة. وهناك 70 % من المواطنين الذين يعتبرون يوم النصر أهم يوم وطني ويريدون الاحتفاظ به كعطلة رسمية، وخلافاً لهذا استطاع الرئيس بوتين إلغاء العطلة الرسمية في السابع من نوفمبر / تشرين الثاني كذكرى تسلم الشيوعيين للسلطة عام 1917 دون احتجاجات تذكر.
صورة تاريخية محدودة
إن القوة الرمزية ليوم النصر والاحتفالات الرسمية لا تفسح المجال أمام إلقاء نظرة ناقدة على الماضي لمناقشة أحداثه واستخلاص العبر منه. كتب على النصب التذكاري "بوكلونايا غورا" الذي دشن عام 1995 في موسكو بمناسبة الذكرى الخمسين ليوم النصر "الحرب الوطنية الكبرى 1941-1945" ولم تذكر الحرب العالمية الثانية باسمها والنتيجة هي أنه لا تزال هناك معرفة قليلة لدى قسم كبير من السكان بأحداث الحرب العالمية الثانية والتاريخ مليء بتصورات سوفييتية نمطية. ينطبق ذلك على دعم ستالين لهتلر في هجومه على بولندا تطبيقاً لاتفاق هتلر – ستالين وأيضاً الاحتلال الوحشي لدول البلطيق ولبولندا وبيساربيا من عام 1939 حتى عام 1941 وكذلك الأمر خطأ القيادة السوفييتية في ذلك الحين في تقديراتها حول الهجوم الألماني على الاتحاد السوفييتي والذي أدى إلى خسائر مادية وبشرية فادحة وأسر مئات الآلاف من الأسرى. هذا بالإضافة إلى ما عاناه المدنيون الألمان والبولنديون والأوكرانيون وغيرهم أثناء زحف الجيش الأحمر نحو برلين. صحيح أن الجيش الأحمر السوفييتي حرر بلاده من الاحتلال الألماني لكنه في الوقت ذاته احتل دول شرق أوروبا وعين أنظمة ستالينية مؤيدة للنظام السوفييتي.
الانتصار السوفيتي كأداة سياسية
ساهم كلا الرئيسين الروسيين يلتسين وبوتين من خلال سياستهما في إبقاء الذاكرة غير الموضوعية لدى الروس وذلك لعدم إفساحهما المجال أمام نقاش وتحليل ناقد في خطاباتهما واستخدامهما للعواطف الوطنية الهياجة للكثير من المواطنين الروس في يوم النصر ليدعوا إلى وحدة الشعب الروسي.
إن التمزق الإثني والإجتماعي للمجتمع الروسي الحالي والحسرة المؤلمة على خسارة الامبراطورية السوفييتية وكذلك خطر الإرهاب، كل ذلك يجعل من يوم النصر أداة ناجحة يمكن استخدامها في السياسة ولذا لم يعد يشارك الكثير من جنود الحرب العالمية الثانية في الاستعراضات الرسمية، وعوض ذلك يشارك الكثير من الجنود السابقين في الحرب الأفغانية والشيشانية وكذلك وحدات وزارة الحماية من الكوارث.
انغو مانتويفل/ ترجمة سمير مطر