ماذا ينتظر سوريا بعد تعليق ترامب للعقوبات المفروضة عليها؟
١٤ مايو ٢٠٢٥
"استجابة إلى نداء" ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وكذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء (13 مايو/ أيار 2025) رفع العقوبات المفروضة على سوريا لإعطاء دمشق "فرصة" بعد سقوط نظام بشار الأسد، طارحا نفسه "صانع سلام" في الشرق الأوسط. وقال ترامب "سأصدر الأوامر برفع العقوبات عن سوريا من أجل توفير فرصة لهم" للنمو، وتابع "كانت العقوبات قاسية وتسببت بشلل. لكن الآن حان وقتهم للتألق".
رحّبت وزارة الخارجية والمغتربين السورية بهذه الخطوة، معتبرةً أنه من شأنها إنهاء معاناة الشعب السوري، المتضرر الأول والرئيسي من هذه العقوبات، التي عرقلت تعافي الاقتصاد وإعادة إعمار البلاد وفق وكالة الأنباء الألمانية.
ومع ذلك ما زال شكل وكيفية رفع العقوبات عن سوريا مبهماً، فيقول الدكتور زياد أيوب عربش أكاديمي ومستشار سوري وأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق في مقابلة مع DW عربية إنه لا بدّ من صدور قرار من وزارة الخزانة لنعرف نطاق التعليق وتفاصيله، أي هل سيقتصر على قطاعات محددة وعلى عمل المنظمات الإنسانية، أم سيتضمن رفع القيود على التحويلات المالية والسويفت بما يُمّكن البنك المركزي من التعامل مع المصارف العالمية.
مكاسب عديدة تجنيها سوريا بعد رفع العقوبات الأمريكية
توقعت دراسة تحليلية أجراها مركز جسور للدراسات أن الاقتصاد السوري سينهض بقوة في حال رفع العقوبات الأمريكية، وتوقعت الدراسة انخراط النظام المصرفي السوري في النظام الدولي، مما يتيح له فرصة التعامل مع المؤسسات الدولية، وتنشيط القطاع التجاري السوري، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وتوقعت الدراسة أيضاً زيادة فرص تنشيط قطاعات النفط والغاز، والاتصالات، والتقنيات، مما يزيد من فرص التطور التقني في البلاد التي دمرتها الحرب.
كما يعتقد عربش أن الاقتصاد السوري ككل سيتجه نحو الاندماج في الاقتصاد العالمي، خاصة إذا لحق الاتحاد الأوروبي (كما هو متوقع) بالمسار، وأقدم على رفع العقوبات عن قطاعات أخرى مقارنة بالرفع الحالي الممتد لعام واحد ويشمل قطاعات محددة.
وهو ما وعد به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس الحكومة السورية الانتقالية أحمد الشرع خلال زيارة الأخير إلى باريس الأسبوع الفائت.
فقال ماكرون لوكالة رويترز: "أبلغت الرئيس (أحمد الشرع) أنه إذا استمر على نهجه، فسنفعل الشيء نفسه، أي أولاً رفع العقوبات الأوروبية تدريجياً، ثم سنضغط على شركائنا الأمريكيين ليتبعوا نهجا مماثلاً"، وأضاف أنه سيحثّ الاتحاد الأوروبي على إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا عندما يحين موعد تجديدها في يونيو/ حزيران المقبل.
"الاقتصاد السوري يحتاج لمعجزة"
من جانبه يرى أنور القاسم محلل اقتصادي في الفايننشال تايمز أن الاقتصاد السوري بحاجة إلى معجزة ليتعافى، ما يتطلب رفع كامل للعقوبات المفروضة على البلاد، وأهمها العقوبات الأمريكية على التحويلات المالية والحصار الاقتصادي الدولي والمقاطعة من قبل الدول الغنية.
ويضيف القاسم في مقابلة مع DW عربية: "لن نبالغ إذا قلنا إن اقتصاد سوريا الذي فقد 85 بالمئة من قيمته يحتاج على الأرجح ما بين 20 إلى 25 سنة كي يعود إلى نصف مستواه ما قبل الحرب، هذا إذا اعتمدنا السيناريو الأكثر تفاؤلاً، وتحقق النمو بنسبة 5 بالمئة سنوياً".
ومع ذلك يرى القاسم أنه لا بدّ لرفع العقوبات أن يعود بمنافع على سوريا، أولها تحسّن في قطاع الخدمات، ويقول إن رفع العقوبات يعني بداية معالجة سلم طويل من الفقر، وخلق وظائف جديدة، وبداية تدفق الاستثمارات، سواء العربية والإقليمية والدولية أو استثمارات المهاجرين السوريين، ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع قيمة الليرة السورية، ما يعني انخفاض أسعار المواد الأولية وزيادة القوة الشرائية للمواطنين.
إعادة إعمار سوريا.. بناء دولة من الصفر
قد تكون إعادة إعمار سوريا من أهم القضايا المطروحة عند الحديث عن رفع العقوبات والنهوض بالبلاد، فبحسب تقديرات البنك الدولي تكلّف إعادة إعمار سوريا 250 مليار دولار أمريكي، وفق وكالة رويترز.
وبالفعل أبدت دول عدّة استعدادها لدعم سوريا في إعادة الإعمار ودعم اقتصاد البلاد، على رأسها السعودية وقطر وتركيا، وعند رفع العقوبات عن سوريا ستتمكن هذه الدول من اتخاذ خطوات فعلية في هذا المجال.
فسيصبح بالإمكان زيادة أوجه التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، وإعادة اقتصاد سوريا إلى الاندماج الإقليمي والولوج إلى الأسواق العالمية، وفق عربش.
ولكن إعادة الإعمار لا تتم دون وضع خطط واضحة يمكن تنفيذها على أرض الواقع، فقال عربش لـ DW عربية: "مهما كان نطاق الرفع ومجالاته فإن سوريا لن تستفيد منه إذا لم توضع خطة لإعادة الإعمار".
مشيراً إلى ضرورة اتخاذ الحكومة الجديدة خطوات واضحة من شأنها تطوير مؤسسات الدولة، وأضاف: "لغاية الآن لم تُصغ هذه الخطة، ولم يعد مقبولاً تعليل ذلك بوجود العقوبات، حيث إن تطوير المؤسسات والتشريعات والحفاظ على الكوادر في غاية الأهمية مع أو بدون رفع العقوبات".
في حين يرى القاسم أن الفساد وضعف المؤسسات من أكبر التحديات التي تواجه جهود مشاريع إعادة الإعمار بعد رفع العقوبات عن سوريا.
بالإضافة إلى تعقيدات لوجستية تتمثل بتسهيل عودة أكثر من ستة ملايين سوري من دول الجوار، إلى جانب إزالة مئات آلاف الأطنان من ركام المدن والقرى المهدّمة وإعادة تعبيد الطرق، وهو ما يحتاج إلى وقت طويل وتوفير خبراء في كافة المجالات بحسب القاسم.
ويقول القاسم إن البلاد بحاجة ماسة لإعادة تجهيز موانئها لفتح الطريق للاستيراد، تماماً كما هي بحاجة قصوى للحصول على عوائد الطاقة بكافة أشكالها من نفط وغاز وفوسفات ومواد أولية، والتي قد تسهل حوالي 35 بالمئة من عملية إعادة الإعمار، التي وصفها بأنها إعادة إعمار بلد من الصفر، ولن تتم إلا بضوء أخضر من الولايات المتحدة وأوروبا.
وأضاف القاسم: "إعادة الاعمار مسألة معقدة جداً وتحتاج أولاً وأخيراً إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي قبل أن يتحقق الاستقرار الاقتصادي".
ويرى القاسم أنه من الحكمة الاعتماد على المغتربين السوريين والشباب في داخل البلاد وخارجها، وأن بإمكانهم لعب دورا محوري في بناء سوريا الجديدة، في حال تم تمكينهم من ذلك من خلال التعليم والتدريب.
مراجعة: عادل الشروعات