مافيا المخدرات العربية في برلين والاستغلال البشع للأطفال
٢٦ يوليو ٢٠١٠لمدينة برلين ألف وجه ووجه، ومن وجوهها القاتمة التي لا يعرفها الجميع نشاط مافيا المخدرات الذي تحتضنه بعض أحياء المدينة وأحياناً زوايا مترو الأنفاق المعتمة حيث يتجول أطفال يحملون في جيوبهم بل وفي وأفواههم أحيانا سلعاً محظورة وخفيفة الوزن للكبار، يضطرون لابتلاعها إذا ما داهمتهم الشرطة، إنهم أطفال مافيا المخدرات التي تسيطر عليها عائلات مهاجرة من أصول العربية.
كيرستن هايزغ، قاضية الأحداث البرلينية الشهيرة، كانت واحدة من القلائل الذين اقتربوا من أوساط المهاجرين ومشاكلهم وعاينوها عن قرب، واليوم صدر كتاب لها بعنوان "نهاية الصبر" تعرض فيه خلاصة تجربتها، وللأسف فلن تشهد الكاتبة الضجة التي سيحدثها كتابها لأنها وجدت قبل بضعة أسابيع جثة هامدة في غابة في شمال برلين إثر إقدامها على الانتحار.
"غيتوهات" غريبة موازية للمجتمع الألماني
ترسم هايزغ صورة نمطية لعائلات المهاجرين من أصل عربي وخاصة في حي نويكولن في برلين، أسر قد يصل عدد أطفالها إلى عشرة، تعيش على المساعدات الحكومية وتترك أطفالها يكبرون في الشارع، وصفت هايزغ هذه العائلات بالانغلاق، حيث كتبت بهذا الصدد "هناك عائلات في ألمانيا لم تنو يوماً الاندماج، وبالعكس، فهي تعيش في مجتمعات موازية، غالباً ما تتصف بالإجرام".
فادي سعد نموذج من الشباب المنحدرين من الأسر المهاجرة في برلين، وهو واحد من ثمانية أبناء لأبوين من أصل فلسطيني، وعندما كان يافعاً تورط فادي في أعمال شغب دخل على أثرها إلى السجن، حيث أمضى ثلاثة أيام أصبحت فيما بعد منعطفاً في حياته، ووجهته إلى مجال الإرشاد الاجتماعي، وألف كتاباً فيما بعد استعرض فيه تجربته.
وفي حديث لدويتشه فيله انتقد فادي وجهة نظر هايزغ بقوله: "هذه الصورة التي قدمتها السيدة هايزغ تنطبق على العائلات الكبيرة بغض النظر عن جنسيتها، فعجز الأسر عن تلبية الحاجيات المالية للأطفال تقود هؤلاء إلى الشارع، أما الانغلاق فغالباً مايحصل نتيجة سد المجتمع المضيف أبوابه في وجه المهاجرين بسبب الاختلافات الدينية واللغوية والثقافية". غير أن هايزغ كانت قد ربطت في مقال سابق بين الثقافة المتوارثة والاستعداد للعنف الملاحظ عند المهاجرين العرب والأتراك، فثقافتهم برأيها مطبوعة بتسلط القوي على الضعيف والذكر على الأنثى.
هل للجريمة بعد عرقي؟
تكشف مختلف الإحصائيات عن أعداد كبيرة من المهاجرين ذوي الأصول العربية المتورطين في أعمال عنف وجريمة في ألمانيا، غير أن السيدة رينيه أبو العلا من مركز الدار لرعاية العائلات العربية المهاجرة في برلين تحاول البحث عن خلفيات هذه الظاهرة بعيداً عن بلد الأصل الذي لم يره كثير من أفراد الأجيال الجديدة من المهاجرين حيث قالت في حوار مع دويتشه فيله: "إن غالبية هذه العائلات لا تملك حق الإقامة في ألمانيا، وعندما بدأت المشاكل، أصبح الحصول على الإقامة أصعب، وبالتالي فإن الأطفال يولدون هنا ويكبرون وليس لهم أي مستقبل، إنهم ضائعون منذ لحظة الولادة"، وأضافت "مع مرور الزمن وتكرار هذه الحالات تتولد هناك ثقافة عنف، ولكن لا يمكن القول إن هذه الثقافة قادمة من البلدان العربية، وإنما هي تمثل وضعاً اجتماعياً للإنسان في البيئة التي يعيش فيها".
أطفال على طريق العبودية من لبنان إلى ألمانيا
توكد هايزغ في كتابها أن مافيات المخدرات في برلين، والتي تسيطر على أغلبها عناصر من أصول عربية، تقوم باستقدام أطفال من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى ألمانيا، وتدربهم وترسلهم بعد ذلك إلى شوارع المدينة ومحطات مترو الأنفاق محملين بالكوكايين والهيروين لبيعها، وذلك لأن الأطفال تحت سن الرابعة عشرة لا يشملهم قانون العقوبات، وتدعو إلى التعامل بحزم أشد مع هذه الظاهرة.
غير أن رينيه أبو العلا ترد على ذلك بقولها: "لا أعتقد أن هذا الأمر صحيح، لأن تقارير الشرطة تقول بأن الأطفال الذين يتم القبض عليهم هم أطفال عائلات مقيمة في ألمانيا وليسوا أطفالاً قادمين من لبنان". وأضافت قائلة "إن الوضع الاجتماعي ومشكلة الإقامة يلعبان دوراً أساسياً في هذا الوضع، وليس مجرد الزعم بأن هناك ثقافة عنف موجودة لدى المهاجرين".
وترى كيرستن هايزغ الحل في أحد أمرين، إما أن تنظم وتراقب هجرة الأطفال واللاجئين بشكل أكثر حزماً، أو أن تتعهد الدولة بتقديم المساعدة لهؤلاء الأطفال ونزعهم من العائلات الإجرامية التي تستغلهم لإنقاذهم من الجحيم الذي يعيشون فيه، وهو الحل الذي يتوافق مع رؤية فادي سعد الذي أكد أن "هؤلاء الأطفال ضحايا ويجب مساعدتهم بدلاً من منعهم من القدوم، فالحياة في مخيم اللاجئين لا تقل سوءاً عن العمل لصالح أحد المافيات". ومع مرور الوقت تكبر المشاكل وتتعقد ويصبح حلها أصعب، ويبقى الأطفال المتورطون الخاسر الأول والأخير في هذه الدوامة.
ميسون ملحم
مراجعة: حسن زنيند