ماكرون وليبيا ـ البحث عن زعامة أم خارطة طريق لأزمة مستعصية؟
٢٩ مايو ٢٠١٨
اتفقت الأطراف الليبية الممثلة في مؤتمر باريس على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في نهاية العام الجاري. الاتفاق اعتبر نجاحا لجهود الرئيس الفرنسي ماكرون في دفع الأطراف الليبية لتبني خارطة طريق للأزمة. لكن هل هذا هو كل شيء؟
إعلان
مسائيةDW : اتفاق باريس الجديد حول ليبيا.. ما فرص نجاحه؟
36:29
يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحلحلة الوضع في ليبيا بجمع أطراف النزاع الأربعة الرئيسية بهدف لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية تخرج البلد من أزمته المستمرة لسبع سنوات. قبيل الاجتماع، غرد الرئيس الفرنسي قائلاً:
"لدينا كل مصلحة، من أجل أمننا، للعمل من أجل استقرار ليبيا. لهذا السبب جمعت اليوم في الاليزيه كافة الأطراف المعنية بالأمر".
وقبل انتهاء الاجتماع صدر بيان للإليزيه قال إن المشاركين "سيعملون على نص سياسي بهدف التوصل إلى التزام جماعي ببذل كل ما في الإمكان لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية بحلول نهاية السنة، والعمل على توحيد قوات الأمن، وتوحيد المؤسسات لقيام برلمان واحد وبنك مركزي واحد.
ويبدو أن مساعي ماكرون تكللت بالنجاح حيث غرد عقب الاجتماع:
"هذه لحظة تاريخية لليبيين، ثمرة عمل طويل الأمد للوصول إلى طريق للخروج من الأزمة في ليبيا".
وصدر إعلان جاء فيه أن "القادة الليبيين يلتزمون العمل بشكل بناء مع الأمم المتحدة لتنظيم انتخابات سليمة وذات مصداقية". لكن منتقدين تساءلوا عن مدى الحاجة لهذا الاجتماع في ظل وجود "خطة عمل" أطلقها العام الماضي غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا بهدف تمهيد الطريق أمام إجراء الانتخابات.
إقصاء لأطراف ليبية
"مجموعة الأزمات الدولية" حذرت من "نتائج عكسية" لمؤتمر باريس، إذا لم يكن هناك توافق أوسع يشمل أطرافاً سياسية وعسكرية أخرى. وأوضح المركز البحثي أن هذا المؤتمر تغيب عنه بالخصوص مدينة مصراتة، التي تعتبر فصائلها المسلحة من بين الأقوى في غرب ليبيا ويعتبر ساستها من الأكثر نفوذاً. وقاطع وفد مصراتة الاجتماع عندما أبلغ بأنه لن يُعامل كبقية الوفود الأربعة.
رشيد خشانة، مدير المركز المغاربي للدّراسات حول ليبيا (مقره تونس) قال في مقابلة مع DW عربية،إن ماكرون أقصى أطرافاً هامة من مؤتمر باريس. وبالرغم من أن الأطراف الأربعة المدعوة لمؤتمر باريس تعتبر "مفاتيح حل الأزمة، إلا أنها لا تلخص المشهد الليبي اليوم". لذلك فإن الأطراف الأخرى المغيبة "قد تشكل عقبة أمام تنفيذ أي اتفاق"، حسب خشانة.
ودلل على ذلك بوفد مدينة مصراتة، الذي قاطع المؤتمر لأنه علم بأنه لن يعامل على قدم المساواة مع باقي الأطراف المدعوة، رغم أهمية المدينة وثقلها السياسي وقيامها بتمويل وتسليح الكثير من الكيانات حتى إن بعضها يحمي المجلس الرئاسي والحكومة المنبثقة عنه. وأشار خشانة كذلك إلى الجنوب الليبي الذي لا يوجد ممثل له "مع أنه ذو أهمية كبرى في ليبيا وهو الآن تتنازعه ميليشيات مختلفة بعضها آت حتى من بلدان الجوار مثل تشاد والسودان".
ورأى خشانة أنه كان من المفروض وضع خطة مرحلية للخروج من الأزمة "تركز بالدرجة الأولى على جمع السلاح من ليبيا لأن هذا هو أصل الداء وثانياً إبعاد الميليشيات والكيانات المسلحة عن المدن مسافات معقولة لتعود مناطق مدنية يسودها القانون وليس قانون الغاب الذي تطبقه الجماعات المسلحة".
تعزيزٌ لدور الجنرال "المريض"
ويخشى الكثيرون من دور الميليشيات المتقاتلة والفوضى السائدة ومعارضة الليبيين لكل ما يعتبرونه تدخلا أجنبياً، فيما أثارت جماعات في غرب ليبيا الشكوك بشأن نجاح المحادثات معبرة عن مخاوف من أن تأتي نتائجها في صالح غريمها خليفة حفتر في شرق ليبيا.
وفي الوقت الذي عين فيه اللواء المتقاعد خليفة حفتر حكاماً عسكريين محل عمداء البلديات المنتخبين في معظم أنحاء شرق ليبيا ما رآه البعض تكرسياً للحكم العسكري في البلاد، طالب المجلس الأعلى للدولة في ليبيا بضرورة إخضاع المؤسسات العسكرية لسلطة مدنية ووقف إطلاق النار فوراً في مدينة درنة في شرق ليبيا ورفع الحصار الذي تفرضه قوات حفتر عليها.
ويقول المحلل السياسي رشيد خشانة إن الإصرار على وجود حفتر في الاجتماع آت من فرنسا بالدرجة الأولى والتي ساوته برئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، كما أنها اختارت الفرقاء الأربعة الذين سيشاركون في هذا الحل، وهي خيارات تتناسب مع المصالح الفرنسية.
ليبيا.. ساحة صراع إقليمية
ولا يخفى على أحد الدور الهام الذي تلعبه الدول الإقليمية خصوصاً دول الجوار كمصر والجزائر وتونس بجانب دول الخليج وأهمها قطر والإمارات. وتدعم هذه الدول أطرافاً وتيارات مختلفة في الداخل الليبي وهذا ما يرى رشيد خشانة مدير المركز المغاربي للدراسات حول ليبيا أنه يعقد المشهد.
ويشير محللون إلى وجود دعم مصري هائل لخليفة حفتر وللحكم العسكري في ليبيا وأن هناك قلقا من نشوء ديمقراطية في ليبيا تضاف لديمقراطية تونس ما يمثل هاجساً للنظام المصري.
ويقول خشانة في مقابلته معDW عربية إن الدول الإقليمية تلعب دوراً أحياناً أهم من دور الدول الكبرى. إذ تمول كل من قطر والإمارات بالسلاح والمال طرفاً ليبياً طمعاً في أن تصبح ليبيا منطقة نفوذ على البحر الأبيض المتوسط. وهذا هو الهدف الاستراتيجي البعيد للدول الخليجية الصغيرة؛الأمر الذي أدى لإذكاء الحرب وإطالة أمدها في ليبيا. كما أن "الموقف المصري يلتزم تمام الالتزام بدعم حفتر وجعله يسيطر على الأقل على المنطقة الشرقية من ليبيا وأيضا على الجنوب الليبي".
ويضيف خشانة: "نحن نعلم بوجود مدربين عسكريين مصريين في ليبيا وأن الموقف السياسي والدبلوماسي المصري هو تماماً في خدمة حفتر والفريق الذي يمثله في مواجهة المنطقة الغربية التي تسيطر عليها الجماعات الأصولية المدعومة من قطر، ما يعني وجود صراع إقليمي فيما يجري الآن في ليبيا. ويختم حديثه بالقول إن القضايا الملحة اليوم في ليبيا هي جمع السلاح من الميلشيات وتوحيد جهات الأمن والجيش وتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد.
ع.ع.س
المهاجرون غير النظاميين بإيطاليا- من أين جاؤوا وإلى أين يذهبون؟
يقصد الآف اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين إيطاليا. بعضهم يراها منفذا نحو دول أوروبا وآخرون يفضلون البقاء فيها بشكل غير نظامي لإنهاء رحلة معاناة بدأت في بلدانهم وتستمر في غياب وضع قانوني يسمح لهم بالإقامة في إيطاليا.
صورة من: Reuters
من كل حدب وصوب
المهاجرون غير القانونيين الى إيطاليا لا تقتصر أصولهم على جنسية واحدة، إذ يتدفقون إليها من كل من دول أفريقيا. من نيجيريا وبنغلاديش وغينيا، ومن ساحل العاج وغامبيا والسنغال. كما يهاجر إليها كثيرون من المغرب ومالي وإريتريا، فضلا عن السودان والصومال ومصر وتونس وليبيا... وفي السنين الأخيرة أضيف السوريون إلى قائمة القاصدين لهذا البلد، سواء من ليبيا أو عن طريق تركيا.
صورة من: Getty Images/M. Di Lauro
أفواج كبيرة
عام 2006، بلغ عدد المهاجرين غير القانونيين الآتين عبر البحر 22 ألفا. وفي 2014، وصلوا إلى 220 ألفا؛ أي بزيادة 296 في المائة. عام2017، قالت وزارة الداخلية الإيطاليّة، إن أعداد المهاجرين غير القانونيين تجاوزت الـ94 ألفًا منذ بداية 2017، وهو ما يعني التزايد المهول في عدد المهاجرين غير النظاميين القاصدين للبلد، إذ يشكلون ما يقارب 8.3 في المائة من السكان هنالك. آلاف من هؤلاء يعيشون في مخيمات مؤقتة.
صورة من: Gaia Anderson
أرقام مهولة
أشارت بيانات أصدرها المعهد القومي للإحصاء في روما، عام 2015، إلى أن عدد المهاجرين غير القانونيين القادمين إلى إيطاليا لا يقل عن ألف من كل وجهة. فمن المغرب، هاجر 449 ألف شخص. في حين تم استقبال حوالي 104 آلاف شخص من مصر. ومن رومانيا، دخل إلى البلد 2.1 مليون مهاجر. أما بالنسبة للفلبين وتونس وبنغلاديش وباكستان فيناهز عدد القادمين منها 90 ألف. وأوضحت البيانات، أن معظمهم يسكنون روما، ميلانو وتورينو.
صورة من: picture-alliance/dpa/Italian Navy/Handout
مجرد معبر
ليس كل المهاجرين إلى إيطاليا ينوون الاستقرار فيها أو الإقامة على أراضيها. جزء مهم منهم يريد الوصول إلى مدن أوروبية أخرى كفرنسا والسويد وألمانيا التي يرونها أكثر ترحيبا باللاجئين. وتعتبر منطقة فانتيمي الحدودية إحدى الوجهات التي يعقد عليها هؤلاء أملا في العبور إلى فرنسا. كما أن القطارات التي تسمح بالتنقل داخل الإتحاد الأوروبي، تمثل حلا لبعض هؤلاء المهاجرين الذين يركبونها للوصول إلى وجهاتهم.
صورة من: picture alliance/AA/Tacca
طريق الفردوس والموت واحد!
رحلة قدوم المهاجرين غير القانونيين إلى إيطاليا، لا يمكن وصفها سوى بالقاتلة والخطيرة. فكثير من المهاجرين يركبون البحر، وهو ما يعرضهم لمتاعب قد تصل حد الموت. وإلى جانب انقلاب قواربهم الصغيرة والمتهالكة نتيجة رداءة الطقس أحيانا، يتعرض كثير منهم للابتزاز والنهب من طرف المهربين. الرحلة لا تقتصر على جنس معين ولا تقف عند سن، لذلك تتضرر النساء غالبا، وخاصة الحوامل الواتي يصعب عليهن إكمال الرحلة.
صورة من: Reuters/E. Gaillard
دوافع اقتصادية وسياسية
يشكل الفقر والمجاعة والبطالة أسباباً رئيسية للهجرة غير القانونية، وحتى لو اختلفت جنسيات المهاجرين فإن أسبابهم تبقى واحدة. في السنين الأخيرة، أضيف إلى هذا الجانب ما هو أمني وسياسي. فقد هرب البعض خوفا من الإرهاب والحرب والدمار في بلدانهم الأصلية، أو بهدف البحث عن سبل تحسين ظروفهم الاقتصادية الصعبة وضمان العيش الكريم لعائلاتهم.
صورة من: REUTERS
ظروف مؤسفة وتحديات كثيرة
يضطر المهاجرون إلى إيطاليا في غالب الأحيان إلى العيش في ظروف مؤسفة، تصفها بعض الجهات بـ"غير الإنسانية". بعضهم يتوسد الطرقات ويأكل من بقايا النفايات. في حين يقصد آخرون مخيمات تنعدم فيها إمكانية الحصول على أكل وشرب ولباس. وفي مرات عديدة خرج هؤلاء للتنديد بوضعهم المزري، كما تحدثوا عن غياب مرافق مهمة بهذه المخيمات كالمدارس والدورات المهنية المدفوعة، وفرص العمل التي قدموا من أجلها.
صورة من: picture alliance / landov
طلبات اللجوء في تزايد
بعد الوصول إلى إيطاليا يسعى مهاجرون كثر إلى البحث عن طرق تعفيهم من وصف "غير قانوني"، فيعتمدون تقديم طلبات اللجوء. ووفق تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإن السلطات الإيطالية توصلت بـ130 ألف طلب لجوء في 2017 . وحصل 40 بالمئة منهم في العام الجاري على الحماية منذ الفترة الأولى. إلا أن عدد المهاجرين الذين يستقبلهم المركز من يوم لآخر يتغير بين الفينة والأخرى.
صورة من: D. Cupolo
آليات العمل تعيق طلبات اللجوء
يواجه طالبو اللجوء في إيطاليا عراقيل بيروقراطية، سبق لمنظمات عديدة أن أدانتها ونددت بالتعقيدات الإدارية التي تشمل طالبي اللجوء والحاصلين على الحماية الدولية. وأشارت هذه المنظمات إلى عامل اشتراط توفر المسكن من أجل إصدار أو تجديد تصريح الإقامة، مثلا، وهو ما لا يتوافر للعديد ممن يعيشون خارج نظام الاستقبال، على عكس ما ينص عليه القانون الإيطالي، الذي يضمن التسجيل السكاني كحق للشخص الأجنبي.
صورة من: Reuters/A. Bianchi
جرائم وعنف ترافق المشهد
تعتبر بعض التقارير فتح إيطاليا الباب أمام المهاجرين غير القانونيين، يضعها وجها لوجه أمام مشاكل يتسبب فيها بعضهم. فقد قدرت بعض التقارير نسبة المسؤولين عن الجرائم في البلد، والذين ينتمون إلى شريحة المهاجرين غير الشرعيين بـ50 بالمائة من الجرائم، و40 بالمائة من حوادث السرقة. كما يتسببون في 37 بالمائة من العنف الجنسي، فضلا عن 25 بالمائة من جرائم القتل، و50 بالمائة من الجرائم الأخرى كالبغاء.
صورة من: ANSA/A. Carconi
وجود دائم رغم تناقص أعداد الوافدين
سجلت إيطاليا في الربع الأول من 2018 وصول 6161 مهاجرا غير قانوني إلى جبال الأبينيني، بينما في الربع الأول من العام الماضي بلغ عددهم أكثر من 24 ألف مهاجر، حسب تقرير الداخلية الإيطالية. كما سجلت السلطات الإيطالية انخفاضا حادا في تدفق المهاجرين إليها من ليبيا، فقد وصل في الربع الأول من العام الجاري 4.4 آلاف مهاجر، أي أقل بنسبة 81٪ مقارنة بالربع الأول من عام 2017. لكن ذلك لا ينفي استمرارية توافدهم.
صورة من: Getty Images/AFP/V. Hache
وصول اليمين ومخاوف من المستقبل
تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات بإيطاليا، زاد مخاوف دول أوروبية فيما يخص مستقبل اللاجئين والمهاجرين غير القانونيين في إيطاليا وبقية أوروبا. ويخشى البعض من أن يشكل صعود اليمين المتطرف في إيطاليا عائقا كبيرا أمام المشروع الفرنسي الألماني لإصلاح الاتحاد الأوروبي وقضية اللاجئين، خاصة مع رواج خبر طرد اللاجئين المرفوضة طلباتهم للبقاء، وترحيل 500 ألف مهاجر غير قانوني. إعداد: مريم مرغيش.