لا وجود لطائفية بالمغرب بل المخزن خبير في صناعة الأبطال
٢ يونيو ٢٠١٦سمح المغرب لعدد من المواطنين الشيعة بإنشاء "مؤسسة الخط الرسالي" ليمارسوا أنشطتهم الفكرية، ثم حاول منحهم مساحة لممارسة السياسة عبر الحزب اليساري "الاشتراكي الموحد" باءت بالفشل، محاولات جاءت كمسايرة من طرف المغرب لمن كان يعتبرهم حلفاء ـ أمريكا خاصة ـ على إثر الاتفاق النووي "الأمريكو- إيراني" وإلغاء الحظر الاقتصادي عن إيران قبل عام.
ورغم التحالف المغربي السعودي المبني على روابط أمتن، منها النظام الملكي والمرجعية السنية واللغة، ثم الدعم السعودي المادي الذي ترسخ مع اندلاع رياح ما يسمى بالربيع العربي حيث خصت السعودية للملكيتين السنيتين الأضعف ماديا في المنطقة: الأردن والمغرب، مبالغ من 4 إلى 1 مليار دولار ممتدة على خمسة أعوام لتثبيت النظامين في مقاومة الثورات، وذلك باعتبارهما حليفين دائمين لها (السعودية) ضد المدن الإيراني بالمنطقة.. رغم كل هذا، كان المغرب يحاول شدَّ العصا من الوسط وتنويع حلفائه السياسيين والاقتصاديين بغاية تأمين مواقفهم جميعا في قضيته الأولى الصحراء المغربية.
محاولة شد العصا من الوسط هذه أرهقت المغرب، خاصة أنها كانت تفقده بعضا من الدعم المالي السعودي كل مرة يحاول فيها مسايرة أمريكا في انفتاحها على إيران (الشيعة)، آخرها كان منع السعودية للدعم المالي السنوي حين رخص المغرب "مؤسسة الخط الرسالي" عام 2015، ثم إعادة الدعم هذا العام 2016 بما سمي هبة لا تسترد، وذلك عندما أعلن المغرب حزب الله اللبناني كمنظمة إجرامية على إثر قطع السعودية معوناتها على لبنان بسبب اعتراف حزب الله التام بالولاء للمرشد الإيراني الأعلى خامنئي. هكذا استمر المغرب في سياسة المرونة في التعامل مع الشيعة بين حلفائه السعوديين والأمريكيين.
عندما تنقلب الموازين
لكن الموازين انقلبت هذا العام حين مُسّ المغرب في قضيته الحساسة التي يختار على أساسها الحلفاء ويحترم مواثيقه معهم، وهي قضية الصحراء، حين أظهرت أمريكا تعدد وجوهها بين أعضاء الكونغرس واللوبيات التي يدفع لها المغرب الملايين بالدولار سنويا لتدافع عن مغربية الصحراء ومقترح الحكم الذاتي الذي يحاول تطبيقه كحل عبر الجهوية الموسعة، هذا الوجه الأمريكي الباسم الذي يطمئن المغرب ويدعي دعمه، ووجوهها الأخرى بين البنتاغون والخارجية الأمريكية التي ترفع التقارير السيئة عن المغرب للأمم المتحدة، وهذه الأخيرة تؤثر على مجلس الأمن ليعرقل مقترح الحكم الذاتي ويعطل حل الملف إلى آجال غير مسماة.
اكتشف المغرب هذه الوجوه قبل عام حيث سمع عن مخطط ما يسمى بالكونفدرالية الصحراوية الذي يقترح على المغرب حكومة صحراوية من أعضاء البوليساريو (الموجودين في تيندوف جنوب غرب الجزائر) تحت السيادة المغربية، وهو ليس إلا حلا ترقيعيا أو توهيميا يستدرج المغرب نحو قبول الانفضال التام للصحراء.
حينها فقط استيقظ النظام المغربي من حلم وجود أمريكا كحليف له، وتبنى الخطاب الملكي(خطاب الملك محمد السادس) إلى جانب خطابات وزراء الخارجية( في المغرب هنالك وزير خارجية ووزيرين منتدبين في الخارجية) منها الوزيرة مباركة بوعيدة التي ظهرت على القناة المغربية الثانية في برنامج مباشرة معكم فور تصريح الأمين العام لمجلس الأمن بان كي مون يصف المغرب بالبلد المحتل للصحراء، ظهرت تتحدث عن "نظرية المؤامرة"، والتي فصلها الملك محمد السادس في خطابه بالمؤتمر المغربي الخليجي في الرياض شهر أبريل الماضي حيث يصف أمريكا بالبلد المتآمر على المغرب والبلد الذي يحاول تقسيم دول المنطقة إلى دويلات فيما سماه مخطط الشرق الأوسط الجديد، عبر ما يطلق عليه "الفوضى الخلاقة" التي ربطها بالثورات وسماها "رياح الخريف الكارثي".
منذ ذاك الخطاب أصبحت العلاقات المغربية الأمريكية متوترة جدا، خاصة بعد التقرير الأخير الذي رفعه السفير الأمريكي بالمغرب والذي يدين المغرب حقوقيا بالتعذيب ومتابعة الصحفيين على حرية التعبير. في هذا السياق، استغل البعض فرصة هذا التوتر الذي بدأ منذ شهور، وكان من بينهم عبدو الشكراني، وهو ناشط شيعي، حيث خرج يطالب بإنشاء مؤسسة أخرى غير "الخط الرسالي" تحت اسم "الرساليون التقدميون"، بدعوى أنه يحمل فكرا مغايرا للمؤسسة الأولى. وبعد بضع عقبات بيروقراطية لتسليمه ترخيص المؤسسة حمل السيد الشكراني نفسه وذهب غاضبا يشتكي الظلم وما سماه بـ"المعاناة" لدى السفارة الأمريكية. والقاعدة المخزنية(المخزن مصطلح في القاموس السياسي المغربي يطلق على البنيات التقليدية للسلطة المنبثقة من نفوذ الملك) تقول: "كن معارضا كما شئت لكن لا تلجأ أبدا إلى الخارج ولا تطلب منهم دعما ولا مواساة وإلا صرت في قائمتنا السوداء".
وبذلك ـ لا لأنه شيعي، ولا لأنه طالب بفتح مؤسسة فكرية، لكن لأنه لجأ للسفارة الأمريكية ـ تم اعتقال الشكراني بتهمة اختلالات مالية في عمله. هذه الاختلالات المالية المتهم بها غالبا لن تكون ملفات مفبركة، لأن المغرب الآن مراقب عن كثب من طرف السفارة الأمريكية، وأعينُ الجمعيات الحقوقية والمنظمات الإعلامية جاحظة عليه ولن يتجرأ النظام على ارتكاب هذه الزلة الحقوقية، إنما غالبا ستكون ملفات اختلالات مالية حقيقية قام بها الشكراني إذ أن القاعدة المخزنية الثانية تقول: "(إذا كنت معارض كون قد فمك قد ذراعك) إن كنت معارضا فليكن طول لسانك مناسبا لقوة ذراعك، لأننا سنكون لك بالمرصاد وننتظر أبسط زلة لنسحلك بها وجل من لا يخطئ."
صناعة الأبطال
طبعا كلنا كما ندين لجوء ناشط مغربي للتظلم عند سفارة يعتبرها اليوم المغرب مستفزة لاستقراره، ندين أيضا هذا السلوك من طرف النظام الذي يظن عبره أنه يستطيع احتواء المعارضة وإسكاتها بينما لا يفعل سوى خلق أبطال من لاشيء. فاليوم بهكذا فعل أعطى النظام لعائلة الشكراني الحق بطلب مزيد من الدعم وخصوصا الدعم الخارجي إعلاميا وحقوقيا للإفراج عنه، وذلك بعد أن كان لا يعرفه أحد وكان يستطيع الاستمرار في المطالبة بمنحه ترخيصا لمؤسسته كما هو الأمر بالنسبة لعدد كبير من المغاربة الراغبين في إنشاء مؤسسات تتماطل الدولة بسبب البيروقراطية واعتبارات سياسية في الترخيص لهم، سيتحول من مواطن كالبقية إلى مناضل وبطل شيعي تم قمعه ومن ملف عادي إلى ملف حقوقي سيتهم المغرب خلاله بقمع الشيعة، وهو أمر لا وجود له حقيقة في المغرب، وبعد أعوام وسنين من التعايش مسلمون ويهود وأقليات أخرى ستجد خطط التقسيم الطائفية والعرقية منفذها إلى المغرب بسبب غباء المخزن في احتواء "المزعجين"!!!
للمغرب اليوم قضية الصحراء التي امتصت خزائن الدولة وأموالها لأعوام واغتنى منها كل مرتزق يمينا وشمالا، ولازال.. يقاوم لأجلها خطط التقسيم بردهات البيت الأبيض والأمم المتحدة ومجلس الأمن، يحاول تلميع واقعه وصورته الحقوقية والاجتماعية لضمان دعم مزيد من الدول، فهل نحن بحاجة إلى حروب أخرى وهمية تدخل ديارنا لأجل ترخيص أو للا شيء.