هل يملك المغرب قوة مواجهة خطر التنين الصيني؟
٢٦ مايو ٢٠١٦بروباغندا جلب الاستثمارات وتقديمها كفرص شغل لساكنة متأزمة من آفة البطالة دائما تؤتي أكلها، لكن ليس هذه المرة، ونحن أمام العملاق الصيني الذي تسبقه في المغرب سمعة غزو الأسواق باليد العاملة قبل السلعة الكاسدة.. وعلى قدر ما قد يفرح المغاربة بخبر دخول شركة هايتي الصينية في مشاريع لإنشاء مشروع لوجيستيكي وسكني ضخم بجهة طنجة تطوان الحسيمة.. ولربما لاحقا تكتسح ميدان العقار بباقي جهات المغرب وتصيب لوبيات العقار بالسكتة القلبية بعدما جرعوا المغاربة سم الأثمنة المرتفعة المضخمة المضروبة أربع إلى 10 مرات السعر الحقيقي للشقة، عبر إمكانية بناء شقق منخفضة التكلفة وتسليمها للزبناء بـ 140 ألف درهم مغربي فقط (اليورو يعادل تقريبا 11 درهم مغربي)، على قدر ما نتوجس من شيئين عند دخول كل مستثمر: طريقة معاملته لليد العاملة المغربية، مع تماطل الحكومة في شد الخناق على الشركات لإحقاق حق الشغيلة بضبط الحد الأدنى للأجور وتأمينهم صحيا وتسجيلهم في صندوق التقاعد وتوفير العطل وظروف العمل الكريمة بدل الاستعباد، ثم التسهيلات الممنوحة لهذه الشركات من مجانية الأرض (العقارات) إلى طرق استغلال الثروات إلى عدم مراقبة الجودة والمنافسة مع المنتج المحلي، إلى السماح بالتهربات الضريبية، آخرها كان خروج مالك شركة لاسامير النفطية من المغرب دون أداء مليارات ضرائب وأجور العمال، مع غياب ممثلين للشعب أحقاق داخل قبة البرلمان، تبقى مصلحة الوطن والمواطن مع دخول هذه الاستثمارات على كف عفريت!
وقد تناقلت الألسن مؤخرا بعد زيارة الملك محمد السادس للصين بداية الشهر الجاري مايو/أيار 2016 خبر استدراج هذه الأخيرة المغرب لتوقيع اتفاقيات التبادل الحر بما لها وما عليها.. علما أن المغرب هو أول بلد في الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط يتفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة التي يفرضها وبشكل قوي الاتحاد الأوروبي على بلدان الجنوب، حسب كتاب (أكوغ دو ليبغ إيشونج ـ لمجموعة باحثين مغاربة وأجانب).
هذه المبادلات قد تظهر على أنها إيجابية في قالب انفتاح على الاتحاد الأوروبي، لكن الحقيقة أنها تفعل العكس، إذ هي حل لأزمة الدول الأوروبية عبر منحها سوقا استهلاكيا لتفريغ بضائعها ونشر شركاتها المفلسة، لكنها لا تقدم في المقابل للدول الجنوبية غير عروض لقروض بنكية لخطط تنمية بشرية غالبا تستنزف القروض في جيوب المسؤولين بسبب تفشي الفساد، ولا تنفذ في المقابل أي خطط تنمية، ما يزيد إغراق البلد في التبعية الغربية. ثم أنها تزيد الهوة بين الطبقات في المغرب، لأن استهلاك الطبقات الفقيرة مثل المتوسطة مثل الغنية لا يعني استقرار وضع الطبقات الاجتماعية، إنما يعني إغراق الفقراء والطبقة المتوسطة في التسول والقروض.
اتفاقيات مثيرة للغضب!
هذه الاتفاقيات (أليكا) وقعت سابقا في أوكرانيا، وفي الملديڤ.. اليوم ينتظر الاتحاد الأوروبي توقيعها في المغرب، قبل المرور إلى الأردن ثم مصر. هي تقريبا نفس اتفاقيات التبادل الحر التي بدأ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2013 التفاوض عليها، وهي تحدث رجة وغضبا عارما عند الجمعيات والنقابات حامية، الفرق أننا في المغرب لا نسمع عنها ولا نعلم عنها شيئا.
وفي نفس السياق، لم يسمع المواطن عن اتفاقية التبادل الحر مع الصين، والتي يقال أن لجنة متخصصة قد انكبت على دراسة الموضوع غير ما جاء على لسان وزير الاقتصاد مولاي حفيظ العلمي في إحدى الندوات. وحسب محمد حنيفي، وهو باحث في الملف، فان الاتفاقية هذه المرة لا تستهدف السوق المغربي إذ أنه لا يتعدى سوقا واحدا في إحدى المقاطعات الصينية، بل ستتخذ المغرب فقط طريقا عابرا نحو أسواق القارتين الأوروبية والإفريقية وحتى أمريكا والدول والتكتلات التي ترتبط بالمغرب اقتصاديا عبر اتفاقيات التبادل الحر ما سيورطه وقد يعرض بضائعه إلى المنع.
الصين ستلجأ إلى التلاعب في منشأ السلع، بمعنى أنها تحاول إنشاء شركات بالمغرب وبمجرد الحصول على السجل التجاري المغربي ستبدأ بتصدير منتجاتها تحت اسمه والتي غالبا ماتكون بضائع جاهزة لم يشملها أي تحويل صناعي داخل المغرب، فتستفيد من تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية التي يستفيد منها المغرب عبر اتفاقيات التبادل الحر وتتمكن من اختراق أسواق عالمية عبر المغرب دون إذنها ونخر اقتصاداتها رغم كل الاحتياطات التي تتخدها تلك البلدان من الخطر الأصفر. وإضافة إلى أنها ستصيب المقاولات المغربية في مقتل ـ يقول حنيفي، إنها ستقضي على سمعته، وإن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن نتدارك عبرها هذا الخطر قبل توقيع الاتفاقيات مع الصين هو أن نلزمها بشروط تفرض استقبال فقط الرساميل واليد العاملة الصينية وخاصة الأطر والمواد الأولية الخام ليتم التصنيع والتحويل داخل المغرب، وبالتالي يكون الاقتصاد الوطني قد استفاد وحافظ على شروط شراكته مع باقي الدول واقتسم المنفعة مع الصين.
ما يحيلنا هنا على السؤال الأول، كيف سيفرض المغرب شروطه مع حكومة مغيبة لم تفلح حتى في فرض شروطها على مجموع الشركات المغربية كرفع الحد الأدنى للأجور، وفشلت في أول اختبار حين استسلمت بعد أن هددتها الشركات بالإفلاس وتسريح العمال. أي برلمان سيستطيع مناقشة شروط اتفاقيات التبادل الحر مع الصين وهو لم يستطع حتى مناقشة وإيجاد حل لمشكل تقاعد الموظفين العموميين ويتقاذفه مع النقابات لشهور. أمام ضعف من يُفترض أنهم يمثلون الشغيلة(العمال) والمقاولات الصغرى والسلع المحلية كيف سنضمن عبر هذه الاتفاقيات أي حقوق أو مصلحة للوطن والمواطنين! يبقى السؤال معلقا إلى حين....
* مايسة سلامة الناجي، مدونة وكاتبة رأي مغربية شابة.