الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها أنقرة لقيت اهتماماً بالغاً على المستوى الشعبي في العالم العربي، ولكن السؤال المطروح: بعيداً عن أي اعتبارات عاطفية، كيف تتفاعل الدول العربية مع ما يعصف بتركيا ومعجزتها الاقتصادية؟
إعلان
خصوم أردوغان العرب يتحينون لحظة سقوط "السلطان"
02:12
انتشرت في الساعات الأخيرة على الفيسبوك فيديوهات كثيرة لنساء ورجال عرب يعلنون تضامنهم مع تركيا في الأزمة الاقتصادية التي تعصف بها حالياً، والتي أعزاها أغلبهم إلى مؤامرة غربية على هذا البلد الإسلامي. واختلفت أشكال التضامن ما بين ما قام به رجل عراقي من حرق ورقة من فئة الـ100 دولار "دعماً لتركيا" وشعبها وللطيب إردوغان حسب قوله، وبين قيام شابة سورية مقيمة في السويد بتحويل مدخراتها التي بلغت 5000 كرون سويدي إلى الليرة دعماً للعملة التركية حسب قولها. من الواضح إذاً أن انهيار قيمة الليرة والصعوبات الاقتصادية التي تمر بها تركيا في الوقت الراهن تركت أثراً واضحاً في نفوس كثير من العرب، ولكن ماذا عن أثر هذه الأزمة على الاقتصادات العربية؟
خوف في الأسواق المالية وفي سوق العقارات
ردة الفعل الأولى على التأزم الأخير في وضع الاقتصاد التركي كان هبوط أسواق الأسهم الخليجية بسبب إحجام المستثمرين عن الأصول التي يرونها معرضة للمخاطر بسبب الأزمة بين أنقرة وواشنطن. بشكل أساسي تأثر مؤشر السوق السعودية، لتسجل أدنى مستوى لها منذ عشرة أسابيع ومؤشر قطر الذي أغلق الأحد على انخفاض بنسبة 2.6%.
عبد العزيز المخلافي، الأمين العام لغرفة التجارة العربية الألمانية في برلين أبدى تخوفه من التطورات الأخيرة في مقابلة مع DWعربية، وقال "أي اهتزازات في تركيا سيكون لها أبعادها الاقتصادية والسياسية".
رأي شاطره جزئياً الدكتور مصطفى اللباد، رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية في القاهرة. وأشار اللباد في حوار مع DW عربية إلى أن انخراط بعض الدول العربية في سوق العقارات تحديداً في تركيا، سيجعلها عرضة للتأثر بشكل سلبي بالأزمة الاقتصادية وانهيار قيمة العملة. "فقطاع العقارات قطاع غير منتج والدول المستثمرة في هذا القطاع ستتأثر إذا ما انفجرت الفقاعة التي تشكلت هنا عبر السنوات"، يوضح رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية.
فرصة في داخل كل أزمة
يقول المثل الإنكليزي، هناك في كل غيمة سوداء خط مضيء. ربما يصلح هذا المثل لوصف الوضع الحالي في تركيا وتأثيره على الدول العربية، فالكثير من الدول العربية تستورد المواد الغذائية والزراعية والسلع الصناعية البسيطة من تركيا. في مقدمة هذه الدول قطر، التي وجدت في الواردات التركية إليها مخرجاً من الحصار الذي تفرضه عليها الدول الخليجية منذ العام الماضي. الدكتور اللباد رأى في انخفاض قيمة الليرة فرصة بالنسبة للدول المستوردة من تركيا. فالإقبال على السلع التركية المستوردة "سيشهد انتعاشاً بسبب انخفاض قيمة الليرة أمام الدولار." حسب قوله. ويرى اللباد أيضا أن قطاع السياحة سينتعش في تركيا "بسبب انخفاض قيمة الليرة وإقبال السياح على تركيا من دول مختلفة ومن بينها دول عربية".
دول خليج أخرى كالسعودية تركز في علاقاتها وشراكاتها الاقتصادية على الغرب بشكل أساسي، ومن غير المتوقع أن تهتز بسبب ما يواجهه الاقتصاد التركي، وبحسب تحليل الدكتور اللباد فإن السعودية دأبت على وضع أموال لها في تركيا وسحبها بسرعة بعد ذلك، لتستخدم هذه الاستراتيجية كعامل ضغط سياسي على أنقرة، حسب قوله. وتابع اللباد: "وإذا نظرنا إلى الميزان التجاري بين السعودية وتركيا نجد أنه لا يرقى إلى مستوى علاقات السعودية بأي بلد أوروبي كبير أو الولايات المتحدة".
وضع الاقتصادات العربية حتى الآن يبدو في منأى عما يعصف "بوريث" الدولة العثمانية، والأيام القادمة ستبين فيما إذا كانت هذه الدول ستتحرك لدعم تركيا في أزمتها تماشيا مع التضامن الشعبي الذي بدأ ينتشر في الفيسبوك.
ميسون ملحم
التقارب التركي مع إيران وروسيا - أطراف لا تراه بعين الود
تحقيق تقارب بين تركيا وروسيا وإيران رغم اختلاف وجهات النظر حيال الوضع السوري، يوحي بولادة تحالف جديد في المنطقة. هذا الثالوث لن يروق لجهات كثيرة؛ نظراً لتوتر علاقتها مع دوله الثلاث أو إحداها على الأقل.
صورة من: Reuters/U. Bektas
الغرب في المقدمة
قد يكون الاتحاد الأوربي أول الأطراف غير الراغبة في تشكيل المثلث الروسي التركي الإيراني. فبعد أن كان ينتظر من تركيا أن تلعب دوراً؛ بصفتها عضواً في الناتو، وساعية للانضمام للاتحاد الأوروبي، فتضيق على الجار الروسي اقتصادياً وسياسياً، اختارت أنقرة التحالف مع ذلك الجار. وقد ساهمت محاولة الإنقلاب الفاشلة بتركيا عام 2016 في بداية تشنجات واضحة في العلاقات بين أنقرة والغرب.
صورة من: Reuters/Bulgarian Government Press Office
السعودية من المتضررين
تشهد العلاقات بين الرياض وأنقرة بروداً شديداً منذ فترة، خاصةً بعد أن صارت السعودية ترى في تركيا منافساً على زعامة العالم الإسلامي، مثلما ترى في إيران منافسا أيضاً لها في دول الجوار، ولذلك صارت السعودية تتجه نحو التعاون مع إسرائيل، ولن تروق لها فكرة "الحلف المحتمل" بين إيران وتركيا، وهو ما جعل مراقبين، يذهبون نحو فرضية إعداد السعودية لخطة استباقية بهدف تشكيل حلف مقابل "الحلف الجديد".
صورة من: Getty Images/AFP/B. Ozkan
الرياض وطهران
لا يقف مسلسل العداء بين الرياض وطهران عن التنامي يومياً. وفي ظل التحالف الجديد ستكون السعودية في مواجهة مع أعداء اتهمتهم مراراً بالرغبة في السيطرة على العالم الإسلامي. وكان تصريح محمد بن سلمان لمجلة "أتلانتيك" الأميركية (3 أبريل/ نيسان2018) أقوى دليل على استمرار المواجهة العلنية بين بلده وإيران، إذ أشار إلى أن النظام الإيراني يريد نشر فكرة "ولاية الفقيه" المتطرفة، ويعتقدون أن فكرهم سيحكم العالم".
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/Office of the Iranian Supreme Leader/R. Jensen
العداء الإسرائيلي الإيراني
التقاء روسيا بتركيا وإيران من الخطوات التي لن تعجب إسرائيل. ويرى مراقبون في تقارب إسرائيل والسعودية خطوة لمواجهة المد الإيراني الشيعي. وتشهد العلاقات بين طهران وتل أبيب توتراً شديداً خصوصاً بسبب البرنامج النووي الإيراني، وقد اعترف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بأن "إسرائيل تقف إلى الجانب نفسه مع السعودية بخصوص معاداة إيران".
صورة من: DAN BALILTY/AFP/Getty Images
الأمل الضائع
عقدت تركيا آمالا عريضة على ترامب، الدي رأت في ولايته بداية عصر جديد للعلاقة بين البلدين. لكن الأمر لم يستمر طويلاً، إذ اختلفت أنقرة وواشنطن بخصوص تحديد الجماعة الأكثر تهديداً في سوريا. وفي الوقت الذي ضاعفت واشنطن دعمها العسكري لوحدات حماية الشعب الكردية؛ رأت أنقرة في هذه الوحدات تهديداً وجودياً لمستقبل الجمهورية التركية. لهده الأسباب اتجهت تركيا للبحث عن متعاونين آخرين، شكلت روسيا وإيران أهمهما.
صورة من: Reuters/K. Lemarque
انهيار العلاقة الروسية الأمريكية
انهارت العلاقة بين واشنطن وموسكو بشكل غير مسبوق بعد حادث تسميم العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال في بريطانيا. حيث ردت واشنطن بطرد 60 موظفاً في البعثات الروسية في أرجاء البلاد وفي بعثة روسيا في الأمم المتحدة، كما قررت إغلاق القنصلية الروسية في سياتل. وفي المقابل أعلن وزير الخارجية الروسي أن بلاده ستطرد 60 دبلوماسياً أميركياً وستغلق قنصلية الولايات المتحدة في سان بطرسبورغ.
الناتو منزعج!
أكدت تركيا في أكثر من مرة على أن تحالفها مع روسيا لا يعني خروجها من حلف شمال الأطلسي (الناتو). وبالرغم من أن الناتو قد عبر في أكثر من مرة عن قلقه إزاء الصفقات التي تعقدها أنقرة وموسكو، إلا أن هذا لم يمنع تركيا من الإقدام على ربط علاقات مع حليفتها روسيا. ويمكن لهذا القلق أن يتزايد في حالة تشكيل تحالف بين تركيا وروسيا وإيران.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Suna
توترات مستمرة
شهدت علاقة الإمارات بتركيا توتراً شديداً في الآونة الأخيرة، وخصوصاً بسبب دعم أنقرة لقطر. وطالبت الإمارات تركيا، في وقت سابق، باحترام سيادة الدول العربية، وقالت إن دعم الجماعات الإسلامية الساعية إلى تغيير الأنظمة بالعنف لا يمثل توجها عقلانياً نحو دول الجوار. بينما هاجم أردوغان وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد بسبب إعادته نشر "تغريدة" تسيئ لقائد عثماني كان مسؤولاً عن حماية المدينة المنورة.
صورة من: picture-alliance/AP/Y. Bulbul
الإمارات وإيران.. عداء وتعاون
تعتبر الإمارات إيران من التحديات التي يلزمها مواجهتها إلى جانب تركيا. وتشهد العلاقة بين الإمارات وإيران، توتراً بسبب جزر أبو موسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى بمضيق هرمز، والتي تتهم الإمارت إيران باحتلالها. وبالرغم مما تعلنه أبوظبي بوسائل إعلامها من عداء لإيران، إلا أنها تصدرت قائمة الدول العربية من حيث حجم التبادل التجاري مع طهران. إعداد: مريم مرغيش.