يفتتح في قلب مدينة ميونخ، "عاصمة الحركة النازية" فيما مضى، المقر الدائم الجديد لـ "المؤتمر الحاخامي الأوروبي"، الذي سيعمل على تعزيز الحياة اليهودية وإثراء مؤسسات التعليم اليهودية.
رئيس وزراء بافاريا ماركوس زودر والحاخام بنحاس غولدشميت ورئيسة الجالية اليهودية في بافاريا شارلوته كنوبلاوخصورة من: Marc Müller/CER
إعلان
خطوات افتتاح مقر "المؤتمر الحاخامي الأوروبي" (CER) في موقع مركزي في مدينة ميونخ تتم بشكل متسارع. ومنذ تأسيسها عام 1956 ضمت الجمعية حوالي ألف حاخام من مختلف أنحاء أوروبا: من مدينة دبلن وحتى مدينة فلاديفوستوك الروسية.
واليوم الثلاثاء (19 سبتمبر/ أيلول 2023) وبعد 67 عاماً على التأسيس، تقوم الجمعية بنقل مقرها الرئيسي من لندن إلى ميونخ. وسيفتتح هناك "مركز الحياة اليهودية" الذي سيوفر العديد من الفرص التعليمية للحاخامات وقاعات للمؤتمرات العامة.
المدينة التي انطلق منها هتلر
القرار هو تتويج لقصة بدأت في نهاية أيار/مايو 2022. في ذلك الوقت، جاء حوالي 500 حاخام من أعضاء المؤتمر من أكثر من 40 دولة لحضور اجتماع الجمعية عامة للمنظمة في المدينة التي بدأ فيها أدولف هتلر صعوده السياسي في عشرينيات القرن الماضي. المدينة التي احتفل بها النازيون فيما بعد باعتبارها "عاصمة الحركة النازية". وإلى جانب ما سبق ذكره، فإن ميونخ هي المدينة التي قتل بها إرهابيون فلسطينيون 11 رياضياً إسرائيلياً في دورة الألعاب الأولمبية عام 1972.
زار رئيس وزراء بافاريا، ماركوس زودر، اجتماع الجمعية العامة للحاخامات في نهاية أيار/مايو 2022. عقدت اجتماعات الجمعية العامة في فندق يخضع لحراسة الشرطة الدقيقة، وحضر زودر مرتدياً قبعة يهودية على رأسه وب"شالوم" (التحية باللغة العبرية) قوية على شفتيه. وقال زودر إنه يمكن ملاحظة حالة عدم اليقين والعاطفة، ولكن أيضاً الامتنان والفرح في هذا الاجتماع، الذي توافد إليه فيه عدد أكبر من الحاخامات إلى ألمانيا أكثر من أي وقت مضى. ودعا زودر الضيوف إلى جعل مقر اجتماعات جمعيتهم العمومية، التي تنقلت في السابق بين العواصم الأوروبية، في ميونخ.
بالنسبة لبعض الحاخامات، كانت فكرة نقل المقر إلى العاصمة البافارية متداولة منذ فترة. يقول رئيس الجمعية بنحاس غولدشميت إنه عندما سمع لأول مرة عن هذه الفكرة، كانت "ساحرة حقاً" بالنسبة له بالرغم من أنها قد تبدوا مجنونة. فمدينة ميونخ تشتهر أنها "المدينة التي تم التخطيط فيها لليلة الكريستال"، حيث تم مهاجمة وتدنيس مئات أماكن العبادة اليهودية وقتل العشرات من اليهود، في الحقبة النازية.
الآن يتحدث غولدشميت عن " بداية جديدة شجاعة"، واصفاً ميونخ بأنها "تضم واحدة من أكبر وأهم الجاليات اليهودية في ألمانيا". يشيد غولدشميت أيضاً بجهود شارلوته كنوبلاوخ رئيسة الجالية اليهودية في ميونخ لخدمتها الطويلة أبناء طائفتها.
أعرب العديد من الألمان عن تضامنهم مع اليهود بعد الهجوم على الكنيس في هالة.صورة من: Hendrik Schmidt/dpa/picture alliance
صدمة بعد الهجوم في هاله
وكانت شارولته كنوبلاوخ قد أشارت في الاجتماع الماضي للجمعية إلى الهجوم الإرهابي اليميني على الكنيس اليهودي في مدينة هاله في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، في عطلة يوم الغفران اليهودية. في ذلك الوقت، فشل المهاجم في اقتحام المعبد، بيد أنه أطلق النار على شخصين في مكان قريب. ووضحت كنوبلاوخ خوف وصدمة اليهود في ألمانيا في تلك الساعات، وذكرت كيف كان التضامن من زودر سريعاً ووعدها بتقديم كل المساعدة من أجل تعزيز حماية اليهود في المدينة، وأكد لها: "مخاوفكم هي مخاوفنا".
ويذكر الحاخام غولدشميت أن الأمن هو الفيصل. فعندما سئل عن أسباب النقل قال: "الأمن مهم جداً". وبحسب الحاخام، فإنه يشعر شخصياً بالانفتاح بشكل عام والانفتاح على الحياة اليهودية بشكل خاص في المدينة.
ويأتي قرار النقل إلى ميونخ في وقت أصبحت فيه الحياة اليهودية في ألمانيا أكثر حضوراً في المجال العام وأكثر تنوعاً بشكل ملحوظ، على الرغم من العديد من الحوادث المعادية للسامية. وتساهم الجمعية في الوقت الحاضر في تعزيز التواصل بين الحاخامات الليبراليين والمحافظين والأرثوذكس في ألمانيا والعديد من البلدان الأوروبية وفي تدريبهم.
بالإضافة إلى نقل مقر "المؤتمر الحاخامي الأوروبي" (CER) إلى مدينة ميونخ، هناك مشاريع بناء يهودية مذهلة في عدة مدن. ففي برلين، تم افتتاح "الحرم اليهودي" التابع لطائفة حباد، والذي تم بناؤه بتكلفة 40 مليون يورو، في نهاية شهر يونيو/حزيران. وهو مبنى جذاب مكون من سبعة طوابق يخاطب المجتمع البرليني ككل، وليس فقط أعضاء الجاليات اليهودية.
وفي فرانكفورت، تجري أعمال بناء "الأكاديمية اليهودية" على مسافة ليست بعيدة عن أرض مدينة المعارض. وبحسب مدير الأكاديمية، دورون كيزل، من المقرر أن تكتمل في نهاية عام 2024 وأن يتم افتتاحها في بداية عام 2025.
كما تنتظر مدينة كولونيا منذ سنوات استكمال بناء المتحف اليهودي في البلدة القديمة. ولا يزال هناك عدد من مشاريع البناء الأخرى معلقة، بما في ذلك إعادة بناء كنيس فراينكلوفر في حي كرويتسبيرغ البرليني والذي تم تدميره إلى حد كبير في الحرب العالمية الثانية.
زيارة أعضاء الجمعية العامة في أيار/مايو 2022 لمعسكر الإبادة النازي في داخو صورة من: Christoph Strack/DW
البعد الجديد للحياة اليهودية
في ضوء هذه المشاريع، يتحدث المؤرخ والحاخام البرليني أندرياس نحاما عن بُعد جديد للحياة اليهودية في جمهورية ألمانيا الاتحادية. وقال لـ DW: "تغير الحال اليوم عما كان عليه قبل 70 عاماً؛ إذ تتم اليوم تشييد المباني والمؤسسات اليهودية بشكل ممنهج لتكون دائمة: انتهى عهد المقار المؤقتة. لم نعد نبني على الرمال بل على أسس متينة".
بالنسبة له، فإن الحضور الجديد للمؤتمر الحاخامي الأوروبي في ميونخ يتناسب أيضاً مع المرحلة الجديدة. وبحسب أندرياس نحاما، فإن هذا يمثل التنوع الملحوظ في الدين والثقافة والحياة اليهودية. ويقول: "في الماضي كانت تتمحمور المناقشات حول بناء الأكاديمية أو المدارس الحاخامية. لكن المسرح اليهودي والنوادي الرياضية والمطاعم اليهودية لا تقل أهمية عن ذلك، فهي أماكن للحوار أيضاً".
سيكون أحد مجالات تركيز المركز في ميونخ هو العروض التعليمية لزوجات الحاخامات. وكان المؤتمر قد أطلق بالفعل برنامجاً في أيلول/سبتمبر 2022 يركز بشكل خاص على زوجات الحاخامات ومساهمتهن في الحياة اليهودية ويهدف إلى تأهيلهن للقيادة والتواصل. وقضية قلة أجور النساء ودورهن المجتمعي هي محل نقاش أيضاً.
ويؤكد ماركوس زودر أن الحياة اليهودية يجب أن تكون قادرة على التطور بحرية في بافاريا دون خوف. وبحسب رئيس وزراء بافاريا: "يجب على أي شخص يهدد حياة اليهود وحريتهم أن يتوقع مقاومتنا: لا تسامح مع التعصب بالمطلق".
كريستوف ستراك/ ع.أ.ج
مؤلفة كتب الأطفال يوديث كير ومغامرة الهروب من النازيين
تحتضن رفوف الكتب على مستوى العالم القصص التي دونتها يوديث كير. روت يوديث كير في كتبها قصة هروبها كطفلة مع والديها اليهوديين من المانيا النازية. إليكم في هذه الجولة المصورة أبرز محطات ذلك الهروب.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Stache
طفولة سعيدة
يوديث كير (يمين) ترعرعت في أحضان عائلتها في برلين، وشقيقها ميشاييل أكبر منها بعامين. وأطفال الكاتب المسرحي المعروف ألفريد كير كانوا يتمتعون بحريات كثيرة. ووالدتها يوليا كانت تعزف على البيانو في البيت. وفي طريقها إلى المدرسة كانت يوديث تشتري في الغالب أقلاما ملونة وترسم قصصا عايشتها مع صديقاتها. ولم تكن تحب كثيرا الحساب والقراءة.
صورة من: picture-alliance/akg-images
الأب كير يتحدث عبر الراديو
ألفريد كير كان مناهضا قويا للنازيين. وابتداء من ربيع 1932 كان له برنامج إذاعي في كل يوم اثنين. وخوفا من تهديد النازيين حافظ عليه الأبوان في مكان سري بعيدا عن الأطفال. وفي عيد الميلاد عام 1932 أمكن ليوديث وشقيقها لأول مرة الذهاب إلى السينما. وهذان الطفلان لم يكونا يدركان أنهما مهددان كعائلة يهودية.
صورة من: picture-alliance / akg-images
أدولف هتلر والنازيون يستولون على السلطة
في 30 يناير/ كانون الثاني 1933 تم تنصيب أدولف هتلر، زعيم الحزب النازي كمستشار. بعدها بدأت التحولات السياسية تتبلور بسرعة كبيرة. كانت عائلة كير تعيش في برلين غرونيفالد، والأطفال لا يتعرفون بصفة مباشرة على تلك التحولات السياسية، لكنهم يشعرون بقلق الوالدين. وروايتها المخصصة للشباب سمتها يوديث كير :" عندما سرق هتلر الأرنب الوردي".
صورة من: picture alliance/Mary Evans Picture Library
الأيام الأخيرة في عاصمة الرايخ
في فبراير 1933 لزم الأب المصاب بزكام حاد السرير. والنازيون استولوا على السلطة، وفي كل مكان ببرلين تُنظم مواكب استعراضية. والنقابيون ومعارضو النظام تعرضوا للاضطهاد، وبدأت موجات الاعتقال الأولى. وألفريد كير تلقى لحسن الحظ إنذارا بأن جواز سفره سيصادر. وفي 15 فبراير/ شباط فر ليلا في آخر لحظة عبر الحدود إلى براغ.
صورة من: picture-alliance/AP Images
مغامرة الهروب إلى سويسرا
يوديث وشقيقها لم يفشيان شيئا عن هرب الأب. والأم بدأت في جمع الحقائب وحتى رسوم الأطفال بريشة يوديث أخذتها معها. وفي يوم الانتخابات البرلمانية في 5 مارس/ آذار 1933 صعدت العائلة في قطار باتجاه سويسرا، وهناك التقوا مجددا بالأب. والأطفال الصغار أدركوا السفر إلى المنفى كمغامرة كبيرة.
صورة من: Judith Kerr/Seven Stories
حرق الكتب 1933
ككاتب يهودي ظل ألفريد كير مهددا من طرف النازيين. وفي 10 مايو/ أيار 1933 تم إحراق الكتب أمام جامعة هومبولد ببرلين. أما كتب ألفريد كير فقد ألقت بها الجماهير المهللة وسط النيران على غرار كتب مهاجرين آخرين مثل توماس وهاينريش مان وإريش كيستنر وفرانتس فيرفيل.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
محطات الهروب: لوغانو وزوريخ ثم باريس
يوديث كانت في التاسعة من عمرها عندما انتهت طفولتها الهادئة بسبب الهرب إلى الخارج. والأخوان يُعتبران الآن أطفالا مهاجرين، والعائلة لا حيلة لها، إذ تركت خلفها كل ما تملكه "البيانو لم يعد موجودا ولا الألعاب وحتى الأرنب الوردي" كما كتبت لاحقا. وفي باريس سكنت عائلة كير بعد سفر طويل شقة مجهزة بالأثاث.
صورة من: DW/K.Schlusen
المعاناة من الفقر
كغيرهم من اليهود قام النازيون بمصادرة ملكية عائلة كير. عانت الأسرة في المنفى من فقر مدقع. غير أن يوديث كانت معجبة بالغربة واللجوء. "كانت باريس رائعة" كما قالت يوديث مضيفة، أن الأب كير كان بالكاد يستطيع إعالة الأسرة بالكتابة. وبسبب نقص المال غادروا باريس وانتهى بهم الأمر عام 1936 في فندق رث للمهاجرين في لندن.
صورة من: Archiv der Akademie der Künste
أوقات صعبة في لندن
في الأول من سبتمبر/ أيلول 1939 تسبب النازيون في انطلاق شرارة الحرب العالمية الثانية. والعائلة اليهودية النازحة تلقت الكثير من التضامن من طرف الانجليز. " الناس كانوا ظريفين معنا للغاية وتحلوا بالشجاعة. وفي نهاية المطاف كنا نُنعت بأننا المان، كما جاء في مذكرات يوديث التي بدأت تطور مشاعر وطنية تجاه مدينتها الجديدة.
صورة من: picture-alliance/United Archives/WHA
بريطانيا الوطن الجديد
بفضل منحة بدأت يوديث (يمين) الدراسة في مدرسة خاصة. وقد منحتها بعض الأعمال كمدرسة رسم ومحررة لدى مؤسسة بي بي سي بعض الاستقلالية عن الأبوين. أما والدتها فاشتغلت من حين لآخر كمترجمة لدى الأمريكيين حتى في محاكمات نورنبيرغ. وفي 1947 تمسك يوديث فخورة جواز سفر في يديها ـ كمواطنة بريطانية.
صورة من: picture-alliance/TopFoto/United Archives
نجاح كتب الأطفال
يوديث كير تدون كتبا للأطفال: وفي عام 1968 صدر كتاب "The Tiger Who came to Tea"، وتلقت المساعدة في تدوينها من طرف زوجها نيغل كنيل الذي تعرفت عليه داخل مؤسسة بي بي سي، والرسوم كانت بيد كير بأقلام ملونة وممسحة. وظلت يوديث حتى في سنها المتقدم على طاولة الرسوم ونسجت قصصا للأطفال.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Sambraus
ملايين النسخ من كتاب للأطفال
كتب الأطفال من يوديث كير تلقى رواجا عبر العالم، إذ أن الأطفال يحبون قصصها الممتعة. وكتابها الشهير في المانيا "عندما سرق هتلر الأرنب الوردي" هو موجه أيضا للكبار، وهي تحكي فيه قصة عائلتها المهاجرة. وفي عام 1974 حصلت بفضل الكتاب على الجائزة الألمانية لكتب الشبيبة.
صورة من: Ravensburger
وطنها عالم الكتب
يوديث كير تفضل المجيئ إلى المانيا من أجل القراءة للأطفال. وكانت تزور بانتظام موطنها القديم برلين حيث عرضت كتابها الجديد. وفي عام 2016 كانت تسافر لعرض كتابها "Mister Cleghorn´s Seal" وهي في سن الثالثة والتسعين.
صورة من: DW/Heike Mund
الرسوم كبلسم حياة
ظلت بريطانيا لأكثر من 80 عاما وطنها الجديد. "كنت سعيدة جدا في إنجلترا"، كما حكت في عام 2017 بلغتها الألمانية الجميلة حول طفولتها ببرلين. وفي مقابلة متلفزة لسلسلة وثائقية من إنتاج دويتشه فيله بعنوان " بعد الهرب" حكت يوديث عن هربها والحياة كنازحة في لندن. وهذه الذكريات تظل حية ضمن كتبها حتى بعد وفاتها في 2019.