ما دلالة وتداعيات إعلان الرئيس بوتين التعبئة للحرب؟
٢٢ سبتمبر ٢٠٢٢
مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية، تزايدت المخاوف من دفع المزيد من الجنود الروس إلى ساحات المعارك في أوكرانيا. غير أن الإعلان لم يمر مرور الكرام، فكيف تبدو تداعياته في الشارع الروسي؟
إعلان
في خطاب متلفز ونادر للشعب الروسي الأربعاء الماضي، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين "التعبئة الجزئية"، واصفا القرار بالضروري لحماية الشعب من الحرب التي يشنها "الغرب بشكل جماعي". وأكد بوتين أن التعبئة "جزئية" وتستهدف جنود الاحتياط ومن التحقوا في السابق بالجيش الروسي ومن يمتلكون خبرة عسكرية. من جانبه، قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن القرارلن يشمل الطلاب أو المجندين الذين يخدمون لفترات إلزامية مدتها 12 شهرا في القوات المسلحة، معلنا استدعاء 300 ألف جندي من قوات الاحتياط الذين خدموا سابقا في الجيش بموجب إعلان التعبئة الجديد.
ويرى مراقبون أن الإعلان الجديد كان متوقعا في ضوء تزايد النقاشات داخل المؤسسات الروسية حيال ضرورة حشد المزيد من الجنود، لاسيما بعدما استعادت أوكرانيا السيطرة على أكثر من 6000 كيلومتر مربع من الأراضي التي كانت القوات الروسية تحتلها. ومع استمرار الحرب، تحدثت تقارير عن تدشين حملة في روسيا لتجنيد المزيد من الرجال للقتال في أوكرانيا بما ذلك إعلانات نُشرت على مواقع توظيف تعرض رواتب نقدية.
مرسوم يثير الكثير من الشكوك
ولم يتوقف الأمر على هذا الأمر بل انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي في منتصف سبتمبر / أيلول لقطات تظهر رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، والذي يُعرف بـ "طباخ بوتين"، وهو يروج لتجنيد سجناء للقتال في أوكرانيا ضمن عناصر مرتزقة فاغنر. لكن إعلان بوتين الأربعاء أضفى صفة رسمية على مثل هذه الدعوات.
أثار المرسوم الذي نُشر بهذا الخصوص على موقع الكرملين الإلكتروني الكثير من التساؤلات. وقد تضمن عشر نقاط تم من خلالها تحديد السن القانوني للجنود الذين سيتم استدعائهم. من جانبه، قال الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف إن المرسوم يتعلق بعدد المجندين، بيد أن تصريحات بيسكوف لم تمنع كثيرين من التشكيك في نوايا الكرملين وتساؤلات حول ما إذا كان الأمر سيقتصر على تجنيد 300 ألف جندي؟
منشورات تعكس حالة من الهلع
ويبدو أن التأكيدات التي صدرت من الكرملين لم تطمئن الكثير من الروس، إذ انتشرت على تطبيق "تيلغرام" مجموعات تحمل اسم "أماكن توزيع بطاقات التجنيد" ، جذبت عشرات الآلاف إذ تبادل المستخدمون الأماكن التي يتوقع أن تقوم الشرطة بتوزيع البطاقات فيها.
وذكر منشور مع صورة ضبابية للشرطة والمسافرين: "موسكو – من محطة تشيخوف إلى بوشكين.. يقوم رجال الشرطة الذين يحملون ورق بإيقاف الناس". ويظهر منشور آخر صورة لرجال يرتدون ملابس مموهة مع عبارة "لقد بدأوا في المجيء إلى نُزل الطلاب في سانت بطرسبرغ". ولم يتسن التحقق من صحة مثل المنشورات، لكنها تعكس حالة الهلع التي تنتاب الروس عقب إعلان بوتين التعبئة الجزئية. في المقابل، اتهم أنصار الكرملين والحرب في أوكرانيا من ينشرون هذه المقاطع المصورة بدعم أوكرانيا حيث جاء في أحد المنشورات عبارة: "في شوارعنا لا تقوم الشرطة بالقبض على أحد".
حالة الذعر "مبررة"
وترى أصوات المعارضة في روسيا أن حالة الذعر التي نجمت عن إعلان "التعبئة الجزئية" لها ما يبررها. وفي مقابلة مع DW،قال سيرغي كريفينكو، عضو سابق في المجلس الرئاسي الروسي لحقوق الإنسان، إن خبر الإعلان عن التعبئة "كان الخبر الرئيسي اليوم"، مشيرا إلى أن الخطوة قد تكون مقدمة للإعلان عن التعبئة العامة. وأضاف كريفينكو، الرئيس الحالي لمجموعة حقوقية اسمها "المواطن. الجيش. الحقوق"، إنه لم يتم نشر أعداد المجندين كما جاء في مرسوم الكرملين.
وقد أثار نفس الشكوك المعارض البارز للكرملين والنائب السابق دميتري جودكوف حيث شدد على أن "التعبئة الجزئية يعد مجرد مسمى".
وفي مقابلة مع DW، قال جودكوف، والذي فر من روسيا خوفا من الاعتقال: "قرأت تعليمات بوتين بشكل كامل وبعناية شديدة. إنهم يقومون بتعبئة الجميع. هناك فئات من الناس سيتم استدعاؤها للقتال أولا."
الهروب إلى الخارج
ويبدو أن إعلان التعبئة قد دفع الكثير من الروس إلى السفر خارج البلاد حيث أفادت وسائل إعلام روسية بنفاد تذاكر السفر إلى الدول التي لا يتطلب دخولها الحصول على تأشيرات مسبقة حيث ارتفعت أسعار تذاكر السفر إلى تركيا وأرمينيا وأذربيجان بما يعادل أكثر من ألفي يورو. وفي ذلك، نشر موقع "ميدوزا" الإخباري الروسي المعارض مقالا تحت عنوان "أين يمكن الهروب من روسيا الآن؟"، مشيرا إلى الدول التي يمكن للروس التوجه إليها في الوقت الحالي.
يشار إلى أن دول البلطيق، ليتوانيا ولاتفيا واستونيا، قد أكدت عدم إيواء الروس الفارين من التعبئة، بيد أن الحظر لا يشمل المنشقين أو اللاجئين. ورغم ذلك، فإنه من الصعب معرفة مدى انتشار حالة الذعر داخل المجتمع الروسي في أعقاب إعلان التعبئة الجزئية. وفي ذلك، قال مركز ليفادا لاستطلاعات الرأي المستقلة في روسيا إن الكثير من الروس اعتادوا على "العيش في حالة توتر"، مضيفا أنه رغم أن هذا التوتر يبدوا بعيدا عن بعض الروس إلا أن إعلان التعبئة يجعل الصراع أقرب.
مظاهرات غير مسبوقة
وأثار الإعلان مظاهرات في جميع أنحاء روسيا فيما جرى اعتقال أكثر من 1200 شخص في 30 مدينة، وفقا لما ذكرته منظمة حقوقية روسية. وقالت المنظمة إن مئات الآلاف قاموا بالتوقيع على عريضة ضد إعلان "التعبئة الجزئية أو حتى الشاملة"، وقد قاموا بذلك رغم أن هذا الأمر يحمل في طياته مخاطر إذ أن عقوبة "تشويه سمعة الجيش الروسي" تصل إلى السجن لمدة تصل إلى 15 عاما.
من جانبه، قال دينيس فولكوف، المحلل في مركز ليفادا، إنه كان من غير المرجح أن تشهد روسيا مظاهرة كبيرة في الوقت الحالي، مضيفا "خروج احتجاجات جماهيرية يعد ضربا من المستحيل في روسيا في الوقت الحالي. حتى أن التفكير في الأمر لم يكن سوى خيال".
إميلي شيرون / م. ع
انطباعات رسامي كاريكاتير عالميين عن بوتين وحربه على أوكرانيا
أحدثت الحرب في أوكرانيا صدمة واضطرابا شديدين في العالم كله، وتفاعل معها رسامو الكاريكاتير من ألمانيا وإيطاليا وأستراليا وأفغانستان وغيرها، فكيف جاءت انطباعاتهم عن الرئيس الروسي وأوكرانيا ومواقف الدول الأخرى مثل الصين؟
قابض الأرواح يدلل "ربيبه"
"قابض الأرواح" أو "الموت" (حسب حدوتة الأخوين غريم "موت العرّاب") يحمل بوتين بين ذراعيه ويقوم بتغنيجه وإرضاعه. بالنسبة لرسام الكاريكاتير الإيطالي باولو لومباردي، وجدت الحرب ربيبها النموذجي في الرئيس الروسي. ويحوم الذباب الأزرق حول قابض الأرواح وبوتين انتظارا للضحايا القادمين.
جهاز الملاحة في يد الشيطان
الموت قابع خلف عجلة القيادة، والشيطان يقرأ خارطة الطريق. وكفريق لا يهزم يوجهان الرئيس الروسي مباشرة إلى الحرب العالمية الثالثة. لقد اشتعلت النار بالفعل في عيني بوتين. إنه وضع ميئوس منه حاليا لهذه الدرجة، وفق تفسير الرسام الهولندي تجيرد روياردس. لكن هل يمكن إعادة برمجة نظام الملاحة؟
تطور الأسلحة
كان هناك اعتقاد أن البشرية ربما تعلمت شيئًا جديدًا عبر آلاف السنين وأنها ستعيش معًا بسلام. لكن على العكس، لم يكن الفكر هو من تطور، وإنما جودة الأسلحة فقط، بحسب وجهة نظر الفنان الأوزبيكي محمود إشونكولوف. وبينما كان إنسان "النياندرتال" يلوح في المعركة بسلاحه الذي هو عبارة عن عظمة فخذ حيوان، فإن جندي اليوم مجهز بأسلحة دقيقة ذات تقنية فائقة.
حرب الأخبار المزيفة أيضا
لكن الحروب لم تعد تدار بالأسلحة التقليدية فقط، فالدعاية المغرضة "البروباغاندا" على جميع الجبهات هي أيضًا جزء منها. وسواء كان ذلك عبر تويتر أو فيسبوك أو إنستغرام، فإن شبكات التواصل الاجتماعي هي وسيلة مذهلة لنشر الأخبار المزيفة بين الناس، بحسب ما يعتقد الكوبي ميغيل موراليس. وأسوأ ما في الأمر هو أنه عادة لا يجري التحقق من صحة الحقائق المزعومة التي تنتشر في وسائل التواصل.
"روسيا الجائعة"
مثل أوكرانيا، كانت ليتوانيا ذات يوم جزءا من الاتحاد السوفيتي القوي حتى أعلنت استقلالها في عام 1990. لكن "الدول الشقيقة" السابقة تعرف المزاج الذي يحرك روسيا. ورسام الكاريكاتير كازيس كِستوتيس شياوليتيس ليس هو فقط من يخشى من أن يتمدد جوع بوتين ونهمه للسلطة إلى دول أخرى.
"الصرخة" .. لا للحرب
من خلال تجربة مؤلمة، يعرف الأفغان بأنفسهم ما تعنيه الحرب في بلد الإنسان ذاته. وفي رسمه الكاريكاتوري، استعار شهيد عتيق الله من الفنان النرويجي إدوارد مونش لوحته الشهيرة "الصرخة" التي تعود لعام 1893. هنا يُفهم الوجه المرعوب على أنه رد فعل على مشاهد المدن التي تعرضت للقصف في أوكرانيا.
آفاق المستقبل
للوهلة الأولى، هذا الكاريكاتير للرسام الروماني ماريان أفراميسكو يذكرنا أيضا بفنان مشهور، هو الهولندي إم. سي. إيشر، الذي كان يرسم أشياء تتعارض مع أي منطق ولا تحمل أي أفق. ويبدو أيضًا أن أوكرانيا ليس لديها أي آفاق في ضوء التفوق الروسي، لكن أوكرانيا أعطت العالم درسا أفضل.
الحب بدلا من الحرب
منذ أن غزا الجيش الروسي أوكرانيا، والناس في جميع أنحاء العالم تقوم بمظاهرات ضد الحرب العدوانية الوحشية، لكن بلا فائدة، بحسب الرسامة التركية منكشي جام. فلا الطغاة ولا الموت يسمحون لنشطاء السلام بالتأثير عليهم؛ وهذا ما أظهره التاريخ بما يكفي في كثير من الأحيان.
أوكرانيا تفضل الناتو
لفترة طويلة، كانت أوكرانيا قريبة من "الشعب الشقيق" في روسيا. لكن استقلال البلاد لم يعد يتناسب مع نظرة بوتين للعالم، فهو يعتبر أوكرانيا جزءً من إمبراطورية روسية كبرى. وبالنسبة إلى الرسام عامر من دولة الإمارات، فلا عجب أن أوكرانيا الصغيرة تتطلع بشغف إلى الناتو. لكن روسيا لا تريد أن تسمح لها بالسير وراء هذه الرغبة.
تهديد عالمي
من وجهة نظر الرسام التنزاني "بوبا"، هذه الحرب لا تتعلق فقط بأوكرانيا، وإنما تتعلق بالسلطة والقوة في العالم. فروسيا تهدد العالم الغربي بشن حرب نووية إذا استمر في التدخل. وهذا لا يحظى بالرضا من جانب الولايات المتحدة، التي يمكنها على الفور توجيه ضربة انتقامية. وهناك خوف في جميع أنحاء العالم من قيام شخص ما بالضغط على الزر الأحمر، الزر النووي.
التفاوض على طريقة بوتين
على المسرح الدبلوماسي، يحاول سياسيون غربيون عمل كل شيء من أجل إحضار الرئيس الروسي إلى طاولة المفاوضات. طاولة بوتين الطويلة، التي يجلس إليها على مسافة بعيدة من زواره الدوليين تسببت في إثارة الاستغراب في جميع أنحاء العالم. ومن وجهة نظر رسام الكاريكاتير الألماني أغوستينو تاله، فإن ما يهم بوتين النرجسي هو اعتقاده بأنه: يجب ألا تكون أوكرانيا موجودة.
الدكتور "أوكتوبوتين" يتحكم في الطاقة
في مفاوضاته مع الغرب، لدى الرئيس الروسي حجة قوية: العديد من الدول الأوروبية تعتمد على الغاز والنفط الروسيين. "دكتور أوكتوبوتين"، كما يراه رودريغو من ماكاو / الصين، له اليد العليا. فعلى الرغم من كل العقوبات، لا تزال ألمانيا ودول أخرى تحصل على الطاقة من روسيا، وبذلك تقوم بتمويل صندوق حرب بوتين.
لاجئون من الدرجة الأولى؟
بأعداد هائلة، فر الأوكرانيون من الحرب، وأوروبا ترحب بهم بأذرع مفتوحة، حيث يجدون ببساطة من يلوح لهم مرحبا عند الحدود. وعلى الرغم من كل التعاطف مع اللاجئين، يتساءل رسام الكاريكاتير الفلبيني "زاك" عما إذا كانت هناك معايير مزدوجة؟ وأنه يُسمح لهم بدخول البلاد بسبب لون بشرتهم الفاتح؟ لأن الاتحاد الأوروبي عادة ما يغلق حدوده بإحكام.
حسابات صينية
منذ سنوات وأستراليا تشعر بالتهديد من الصين، التي تسعى جاهدة للسيادة في جنوب المحيط الهادئ، وقد ألمحت مرارًا إلى نيتها في ضم تايوان. وفقًا لرسام الكاريكاتير الأسترالي "برولمان"، يراقب الباندا عن كثب ما إذا كان الدب الروسي سيبلع العسل الأوكراني، أم أن مستعمرة النحل ستقوم بطرده. وإذا لم ينجح الدب، فإن الباندا بإمكانه أن يجرب حظه في وعاء آخر. إعداد: سوزانه كوردس/ صلاح شرارة