ما سر تمسك ألمانيا بـ"اتفاقية الإبادة الجماعية" مع ناميبيا؟
٢٦ مارس ٢٠٢٣
رغم الاعتراضات ورفع دعوى قضائية لدى المحكمة العليا في ناميبيا، تتمسك الحكومة الألمانية باتفاقها مع الحكومة الناميبية حول الإبادة الجماعية بحق شعبي هيريرو وناما خلال الحقبة الاستعمارية وترفض أي تعديل. فما سبب ذلك؟
إعلان
منذ نهاية يناير/ كانون الثاني تنظر المحكمة العليا في ناميبيا، في دعوى حساسة تتعلق بوقف القضاء اتفاقية المصالحة بين ألمانيا وناميبيا. وهو ما يطالب به زعيم المعارضة بيرنادوس سوارتواي وممثلو شعبي هيريرو وناما في ناميبيا.
لم تبت المحكمة في الدعوى بعد. ولكن إذا كان المدّعون يأملون في ممارسة الضغط على الحكومة الألمانية من خلال هذه الدعوى، فإن خطتهم لم تنجح. "الحكومة الألمانية والحكومة الناميبية متمسكتان بالإعلان المشترك، وتريان أن الأسئلة التي لا تزال مفتوحة، سيتم توضيحها خلال المفاوضات اللاحقة"، حسب ما جاء في رد وزارة الخارجية الألمانية على طلب إحاطة من سفيم داغدلين، النائبة في كتلة حزب اليسار البرلمانية في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) واطّلعت عليه DW.
ممثلو الحكومة مستمرون في محادثاتهم
لكن الخارجية الألمانية لم تتطرق في ردها إلى الدعوى، وبررت ذلك بأنها لا تناقش الدعاوى القضائية الداخلية للدول الأخرى. لكن أفعال الوزارة تفسر الأمر، فحسب ردها التقى ممثلو الحكومتين الألمانية والناميبية أربع مرات خلال شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول الماضيين، لمناقشة الأسئلة المفتوحة وغيرها بمنتدى هومبولت في برلين ومكتب نائب وزيرة خارجية ناميبيا.
"بالإشارة إلى الحكومة الناميبية المدعى عليها، فإن الحكومة الألمانية تتهرب بجبن من المسؤولية، بدل توضيح الأمر، على الأقل احتراما للقضاء، بأنها ستمتنع عن تنفيذ الإعلان المشترك حتى تتخذ المحكمة العليا قرارها"، تقول داغدلين في حوارها مع DW، منتقدة الحكومة الألمانية.
في القضايا الخلافية الأخرى تضع الحكومة الألمانية العراقيل، التي لا تروق للنائبة داغدلين ولا لكثيرين من الهيريرو والناما. فالمفاوضات اللاحقة ستبقى مستمرة على المستوى الحكومي فقط. إذ لن تكون هناك محادثات مباشرة مع شعبي هيريرو وناما ولا ممثلين عنهم، كما يطالبون ويسعون لممارسة الضغط من أجل ذلك عبر الدعوى القضائية.
"لا تسوية" مع شعبي هيريرو وناما
منذ الاستقلال عام 1990 هناك حكومة ديمقراطية في ناميبيا تمثل كل الشعب، حسبما جاء في رد الخارجية الألمانية على النائية داغدلين. و"في هذا الصدد يمنع إجراء التسويات الدولية الثنائية مع أفراد أو مجموعات داخل ناميبيا".
وهذا ما يغضب المعارضة وكثيرين من ممثلي شعبي هيريرو وناما. "أصحاب المصلحة المعنيون بالأمر لم تتم استشارتهم. لم يشارك أي من ممثلي الشعب الناميبي المنتخبين في المحادثات حول الإعلان المشترك، وتم استبعاد ممثلي الهيريرو والناما من وضع الصيغة النهائية للإعلان"، يقول لافيلازا سيماتا من حزب "LPM" المعارض، وهو أحد المدعين.
وتشير الحكومتان الألمانية والناميبية دائما إلى أن ممثلين آخرين عن الشعبين قد شاركوا في المفاوضات. لكن ليس واضحا كم عدد الهيريرو والناما، الذين كان هؤلاء يمثلونهم!
اتفاقية المصالحة مع ناميبيا
01:19
موقف صارم تجاه التعويضات
فيما يتعلق بالخلاف حول التعويضات أيضا، بقيت الحكومة الألمانية صارمة، حيث عرضت 1,1 مليار يورو خلال 30 عاما، ينبغي صرفها على مشاريع تنموية في مناطق الهيريرو والناما. في حين يطالب جزء من شعبي هيريرو وناما بتعويضات رسمية.
"بسبب افتقاد الأسس القانونية، ليس هناك حق لأحفاد الضحايا أو جمعياتهم بطلب تعويضات فردية أو جماعية من الحكومة الألمانية"، حسب رد وزارة الخارجية على داغدلين. فقط يمكن التفكير في أن يكون للهيريرو والناما، الذين يعيشون اليوم، رأي في صرف الأموال الموعود بها.
الحكومة الألمانية "معنية فقط بإغلاق هذه الصفحة من التاريخ مع الحكومة الناميبية"، تقول داغدلين. وهذا ما يراه الهيريرو والناما وحلفاؤهم أيضا. "نحن نتحدث هنا عن جريمة. ومن يرتكب جريمة يجب أن يعاقب. وهنا يتعلق الأمر باتفاقية حول التعاون الثنائي والمساعدات التنموية، مثلما تدفع ألمانيا لكثير من الدول الأخرى. وهذا شيء مختلف عن التعويضات"، يقول زعيم المعارضة الناميبية، لافيلازا سيماتا، في حواره مع DW.
على معارضي ما يعرف بـ "اتفاقية المصالحة" أن يعلقوا آمالهم على قرار المحكمة العليا. لكن حتى لو ألغت المحكمة الاتفاق، يبدو أن ألمانيا لن تستجيب لمطالبهم، كما يُفهم من رد وزارة الخارجية على النائبة اليسارية سفيم داغدلين.
دانيال بيلتس/ ع.ج
ألمانيا الإفريقية ـ تاريخ استعماري مظلم لا بد من كشفه
ربما يعرف القليلون أن لألمانيا ماضيا استعماريا، وخصوصا في القارة الإفريقية. المتحف التاريخي في برلين يستضيف وللمرة الأولى معرضاً يكشف فصولاً مؤلمة من تاريخ ألمانيا الاستعماري.
صورة من: public domain
"مستقبلنا على الماء"
في عهد المستشار أوتو فون بيسمارك، تأسست الإمبراطورية الاستعمارية الألمانية على الأراضي التي تدعى في يومنا الحاضر: ناميبيا، كاميرون، توغو، وأجزاء من تنزانيا وكينيا. سعى الإمبراطور ويليام الثاني، الذي توج في عام 1888 إلى توسيع المستعمرات من خلال إنشاء أساطيل جديدة، الظاهرة في الصورة. فقد أرادت الإمبرطورية الألمانية (مكاناً لها في الشمس)، كما أعلن المستشار برنارد فون بولوف في عام 1897.
صورة من: picture alliance/dpa/K-D.Gabbert
المستعمرات الألمانية
كانت معظم المستعمرات تتمركز في منطقة المحيط الهادئ (شمال غينيا الجديدة، أرخبيل بيسمارك، جزر مارشال وسليمان، ساموا) وفي الصين. حدد المؤتمر الذي عقد في بروكسل عام 1890 ضم مملكتي رواندا وبوروندي إلى الإمبراطورية الألمانية في شرق أفريقيا الألماني. وفي نهاية القرن التاسع عشر كانت المستعمرات الألمانية في أوجها.
صورة من: picture-alliance / akg-images
العنصرية
كان البيض يشكلون أقلية ذات امتيازات عالية في المستعمرات، أقل من 1% من السكان. عاش حوالي الـ 25 ألف ألماني في المستعمرات في عام 1914، أقل من نصفهم بقليل في جنوب غرب أفريقيا الألمانية. أعتبر الـ13 مليون من السكان الأصليين على أنهم أتباع مجردين من حقوقهم.
صورة من: picture-alliance/dpa/arkivi
الإبادة الجماعية الأولى في القرن العشرين
تعتبر الإبادة الجماعية ضد هيريرو وناما في جنوب غرب أفريقيا الألماني ( ناميبيا في الوقت الحاضر)، من أخطر الجرائم في تاريخ ألمانيا الاستعمارية. هرب معظم ثوار هيريرو خلال معركة واتربيرغ في عام 1904 عبر الصحراء، حيث قطعت القوات الألمانية وصولهم إلى المياه بشكل ممنهج. قدر عدد الذين لقوا حتفهم هناك ما يفوق الـ 60 ألف من السكان الأصليين.
صورة من: public domain
الجريمة الألمانية
لم ينج سوى ما يقارب الـ 16 ألف شخصاً من الهيريرو من الإبادة الجماعية، إلا أنهم احتجزوا في معكسرات اعتقال حيث مات منهم الكثير. وما زال العدد الحقيقي للضحايا يشكل نقطة جدلية. كم من الوقت نجوا بعد هروبهم عبر الصحراء بالرغم من نحولهم؟ بجميع الأحوال، فقدوا كل ممتلكاتهم الشخصية وسبل العيش وأية تطلعات مستقبلية.
صورة من: public domain
حرب استعمارية مع عواقب قريبة المدى
تصاعد تحالف من المجموعات العرقية ضد الحكم الاستعماري في شرق أفريقيا الألمانية. وقدر عدد الذين ماتوا في ثورة ماجي ماجي بـ 100 ألف شخص. بالرغم من تجنب مناقشتها أو ذكرها فيما بعد بألمانيا، إلا أنها تشكل جزءً هاماً من تاريخ تنزانيا.
صورة من: Downluke
الإصلاحات 1907
في أعقاب الحروب الاستعمارية، أعيدت هيكلة الإدارة في المستعمرات الألمانية بهدف تحسين شروط المعيشة. عُيّن رجل الأعمال الناجح برنارد ديرنبرغ وزيراً لشؤون المستعمرات في عام 1907 الذي قدم مجموعة من الإصلاحات في السياسات الاستعمارية لألمانيا.
صورة من: picture alliance/akg-images
علوم ومستعمرات
جنباً إلى جنب مع إصلاحات ديرنبرغ، أنشئت المؤسسات العلمية والتقنية للتعامل مع القضايا الاستعمارية وأسست الكليات في الجامعات التي تعرف اليوم بـ جامعة هامبورغ وجامعة كاسل. حضّر روبرت كوخ بعثة علمية إلى شرقي أفريقيا في عام 1906. في الصورة أعلاه تظهر العينات المجهرية التي جمعت هناك.
صورة من: Deutsches Historisches Museum/T. Bruns
خسارة المستعمرات
بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وقعت ألمانيا معاهدة السلام في مؤتمر فرساي عام 1919 التي تنص على أن البلاد تتخلى عن سيادتها في مستعمراتها. تظهر الملصقات الظاهرة في الصورة مخاوف ألمانيا من تبعات الخسارة: ضعف القوة الاقتصادية والفقر والحياة البائسة في الوطن.
صورة من: DW/J. Hitz
الطموحات الإستعمارية للرايخ الثالث
عادت الطموحات الاستعمارية بالظهور في عهد النازيين، ولا تقتصر على تلك المنصوص عليها في (الخطة الرئيسية للشرق) التي تمثلت بالإبادة الجماعية والعرقية في وسط وشرق أوروبا. وهدف النازييون أيضاً لاستعادة المستعمرات التي خسروها في أفريقيا، كما توضح هذه الخريطة المدرسية من عام 1938. كانت المستعمرات لتوفير الموارد اللازمة لألمانيا.
صورة من: DW/J. Hitz
نهج شائك
تدخل المفاوضات من أجل الاعتراف بالإبادة الجماعية في هيريرو وناما مرحلة صعبة. في حين تماطل ألمانيا فيما يتعلق بالتعويض المالي، هناك تخاذل أيضاً في البنية السياسية في نامبيا. رفع ممثلوا هيريرو مؤخراً شكوى رسمية للأمم المتحدة اعتراضاً على إقصائهم من المفاوضات الحالية. جوليا هيتز/ ريم ضوا.