في حال عودة ترامب.. ما مصير العلاقات بين برلين وواشنطن؟
٢ نوفمبر ٢٠٢٤توترت العلاقات بين الولايات المتحدة وألمانيا إبان فترة رئاسة دونالد ترامب الأولى، لكن الأمور عادت إلى نصابها مع تولي الرئيس جو بايدن زمام الأمور في البيت الأبيض عام 2021.
ورغم عودة العلاقات إلى زخمها السابق القائم على أساس الروابط التاريخية والاحتياجات الأمنية والقيم، إلا أن الأمر لم يتسم بالسلاسة بشكل كامل حيث كان انتقاد واشنطن لمشروع "نورد ستريم 2" أمرا يتناقض مع التحالف. وشكلت الضغوط الأمريكية على ألمانيا لحظر شركتي هواوي و"زد تي إي" الصينيتين شبكاتها للجيل الخامس في السنوات المقبلة، مبعث إحراج. وتلى ذلك غياب التنسيق الأمريكي - الأوروبي بشأن خطوة انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في أغسطس/ آب عام 2021.
ومع انتهاء حقبة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، حاول المستشار أولاف شولتس التأكيد على مدى أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة التي قصدها عدة مرات.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، زار بايدن ألمانيا حيث حظي بترحيب حار وحفاوة كبيرة من قبل كبار مسؤولي البلاد وعلى رأسهم الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير الذي قلده وسام الاستحقاق.
ألمانيا والولايات المتحدة.. قوة العلاقات العسكرية
يشار إلى الانفاق الأوروبي العسكري الضعيف داخل حلف "الناتو" كان أحد نقاط الخلاف بين الولايات المتحدة وألمانيا إبان حقبة ترامب. وعقب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط عام 2022، استفاقت ألمانيا على الحاجة إلى إعادة التفكير بشأن إنفاقها العسكري وسياسة الأمن.
ومنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، ظلت الولايات المتحدة حليفا قويا لأوكرانيا وأكبر داعميها ثم جاءت ألمانيا التي قررت زيادة الإنفاق على الدفاع وأنشأت صندوقا خاصا بقيمة 100 مليار يورو لتحديث الجيش.
ودعمت ألمانيا فرض عقوبات أمريكية على روسيا فضلا عن مساعدتها في إبرام صفقة بين دول غربية وروسيا وبيلاروسيا لتبادل 26 سجينا في عملية وُصفت بأنها الأكبر منذ الحرب الباردة. ويُضاف إلى ذلك تقليص ألمانيا اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية ما دفعها إلى اللجوء إلى الولايات المتحدة ودول أخرى لاستيراد الغاز الطبيعي المسال.
وبعد اندلاع الحرب في غزة، اتخذت كل من الولايات المتحدة وألمانيا مواقف مماثلة بدعمهما لإسرائيل مع بذلهما الكثير من الجهود الدبلوماسية بهدف التوصل إلى اتفاق هدنة طويل الأمد.
ورغم هذا التناغم الكبير، إلا أن هذه العلاقات شابها بعض الخلافات وأبرزها زيادة الوجود العسكري الأمريكي في ألمانيا التي يتمركز بها في الوقت الراهن أكثر من 35 ألف جندي أمريكي.
وترغب واشنطن في نشر صواريخ يصل مداها إلى 2500 كيلومتر على الأراضي الألمانية وذلك للمرة الأولى منذ التسعينيات بهدف حماية ليس فقط ألمانيا وإنما دول الناتو في شرق أوروبا لاسيما بولندا ودول البلطيق.
جرت الموافقة على نشر الصواريخ من دون طرح الأمر على النقاش البرلماني في ألمانيا وهو ما أثار انتقادات ليس فقط من أحزاب المعارضة وإنما من داخل أحزاب الائتلاف أيضا.
العلاقات بين واشنطن وبرلين.. الاقتصاد ثم الاقتصاد
وعند التطرق إلى الحديث عن العلاقات الأمريكية-الألمانية، يتعين القول بأن تشابك اقتصاد البلدين يلعب دورا هاما في قوة العلاقات الثنائية؛ إذ تعد الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لألمانيا، بينما تعتبر الشركات الألمانية ثالث أكبر كيان أجنبي يوظف عمال في الولايات المتحدة بأكثر من 900 ألف وظيفة، بحسب السفارة الألمانية في واشنطن.
وبحسب استطلاع نشره مركز "بيو" للأبحاث ومؤسسة "كوربر" أواخر العام الماضي، فإن نصيب الأمريكيين من التوظيف داخل الشركات الألمانية في الولايات المتحدة، يبلغ 58 بالمئة، بينما تبلغ نسبة الألمان ممن يعيشون في أمريكا 77 بالمئة.
كشف الاستطلاع أن غالبية سكان الولايات المتحدة وألمانيا يرون أن النفوذ المتزايد للصين يصب في غير صالح البلدين؛ إذ اعتبر سبعة من كل عشرة أمريكيين شملهم الاستطلاع أن الصين تشكل تهديدا اقتصاديا وأمنيا كبيرا. واظهر الاستطلاع أن نصف الألمان يرون أن الصين تشكل تهديدًا اقتصاديًا.
وتضغط الولايات المتحدة على الحكومة الألمانية لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الصين، خاصة عقب فرض واشنطن تعريفات جديدة صارمة على السيارات الكهربائية صينية الصنع.
وعقب فرض الاتحاد الأوروبي رسوم جمركية على سلع صينية من ضمنها السيارات الكهربائية، أبدت ألمانيا معارضة ضمنية على وقع مخاوف من تعرض قطاعها الصناعي لتدابير انتقامية من قبل بكين.
ماذا لو عاد ترامب إلى البيت الأبيض؟
ومع قرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يطرح مراقبون تساؤلات حيال مصير العلاقات بين الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي بشكل عام في حال فوز ترامب أو كامالا هاريس.
وربما يفضل بعض الألمان فوز نائبة بايدن بالسباق الانتخابي، لكن الساسة الأوروبيين يستعدون لعودة ترامب إلى البيت الأبيض.
ويقول مراقبون إن فوز ترامب قد يتسبب في عواقب وخيمة عندما يتعلق الأمر بالدعم الأمريكي لأوكرانيا والتواجد العسكري الأمريكي في أوروبا في ضوء مواقفه السابقة المشككة في قوة التحالف عبر الأطلسي فضلا عن نظرته إلى أوروبا كمنافس اقتصادي للولايات المتحدة.
ويشير المراقبون إلى أن الأمر سوف يلقي بظلاله على التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي ذلك، كتبت راشيل تاوزندفرويند، الباحثة البارزة في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، أنه يتعين على "ألمانيا تقديم نفسها كشريك مفيد للأمن العالمي والاستراتيجية الدولية بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الأمريكية خاصة لأنها تعتمد على الولايات المتحدة في الكثير من النواحي الخاصة بأمنها."
أعده للعربية: محمد فرحان