بعد سنوات من المفاوضات الشاقة توصل ممثلو 195 دولة في باريس إلى اتفاق وصف بالتاريخي. ولعل أبرز ما تم الاتفاق عليه هو الحد من ارتفاع حرارة الأرض ومراجعة التعهدات الإلزامية وزيادة المساعدة المالية لدول الجنوب.
إعلان
تعهد المجتمع الدولي بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها "دون درجتين مئويتين" وبـ "متابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1,5 درجة مئوية"، هذا ما يعتبر أهم نقطة في الاتفاق التاريخي الذي أقرته 195 دولة مساء السبت (12 كانون الأول/ ديسمبر 2015) في باريس لمكافحة الاحتباس الحراري. فتداعيات هذا الاحتباس تهدد كوكب الأرض بكوارث مناخية.
وكان تم تحديد هدف الدرجتين المئويتين قياسا بعصر ما قبل الصناعة في كوبنهاغن في 2009 ما يفرض تقليصا شديدا لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وللوصول إلى الهدف تم الحديث عن اتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات. وتؤكد دول عديدة خصوصا الواقعة على جزر والمهددة بارتفاع مستوى البحر، على أنها تصبح في خطر حال تجاوز ارتفاع حرارة الأرض 1,5 درجة مئوية.
وقد أعلنت 186 دولة من 195، عن إجراءات للحد من تقليص انبعاثاتها من الغازات الدفيئة في أفق 2025/2030. لكن حتى في حال احترمت هذه التعهدات فإن ارتفاع درجة حرارة الأرض سيكون بنحو 3 درجات مئوية.
وحسب الاتفاق فإن الهدف هو التوصل إلى "ذروة انبعاثات الغازات الدفيئة بأسرع ما يمكن" و"القيام بعمليات خفض سريعا إثر ذلك (..) بهدف التوصل إلى توازن بين الانبعاثات"، التي سببها أنشطة بشرية والانبعاثات "التي تمتصها آبار الكربون خلال النصف الثاني من القرن"، في إشارة محتملة إلى الغابات وأيضا إلى تقنية الالتقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون التي تنبعث في الفضاء.
آلية مراجعة لكل خمس سنوات
وتتمثل أحد أهم إجراءات الاتفاق في وضع آلية مراجعة كل خمس سنوات للتعهدات الوطنية التي تبقى اختيارية. وستجرى أول مراجعة إجبارية في 2025 ويتعين أن تشهد المراجعات التالية "إحراز تقدم". وقبل ذلك دعيت مجموعة الخبراء الدوليين في المناخ إلى أعداد تقرير خاص في 2018 حول سبل التوصل إلى الـ 1,5 درجة مئوية والجهود المرتبطة بمثل هذا الارتفاع في درجات الحرارة.
وفي ذلك العام تجري الـ 195 دولة أول تقييم لأنشطتها الجماعية وستدعى في 2020 على الأرجح لمراجعة مساهماتها. ويتعين أن تكون الدول المتقدمة "في الطليعة في مستوى اعتماد أهداف خفض الانبعاثات"؛ في حين يتعين على الدول النامية "مواصلة تحسين جهودها" في التصدي للاحتباس الحراري "في ضوء أوضاعها الوطنية"، يقول الاتفاق.
اتفاق باريس: نظام ينطبق على الجميع
وفيما كانت الدول النامية حتى الآن خاضعة لقواعد أكثر تشددا في مجال التقييم والتثبت في المبادرات، التي تقوم بها، نص اتفاق باريس على أن النظام ذاته ينطبق على الجميع. وكانت هذه النقطة شديدة الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة. بيد أنه تم إقرار "مرونة" تأخذ في الاعتبار "القدرات المختلفة" لكل بلد.
وكانت الدول الغنية قد وعدت في 2009 بتقديم مئة مليار دولار سنويا بداية من 2020 لمساعدة الدول النامية على تمويل انتقالها إلى الطاقات النظيفة ولتتلاءم مع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تعتبر هي أولى ضحاياها. وكما طلبت الدول النامية، نصّ الاتفاق على أن مبلغ المائة مليار دولار سنويا ليس سوى "حد أدنى" . وسيتم اقتراح هدف مرقم جديد في 2025.
مطالبة الصين والدول النفطية بتقديم المساعدة
من جهة أخرى ترفض الدول المتقدمة أن تدفع لوحدها المساعدة، وتطالب دولا مثل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة والدول النفطية الغنية أن تساهم أيضا. ونصّ الاتفاق على "وجوب أن تقدم الدول المتقدمة موارد مالية لمساعدة الدول النامية"، ويضيف "نشجع باقي الأطراف (دول أو مجموعة دول) على تقديم الدعم على أساس طوعي".
التغيرات المناخية..الخطر الذي يهدد كوكب الأرض
التغيرات المناخية تُبدلُ حالياً المناخ في كوكبنا، بدءاً من ذوبان الأنهار الجليدية وإنتهاءاً بإرتفاع مستوى مياه البحار. إذا أردت أن تَقصَ على أطفالك شيئاً عن الأنهار الجليدية ، فما عليك إلا أن تبدأ قبل فوات الآوان.
صورة من: Fotolia/peteri
من أراد الغوص في الشعاب المرجانية الإسترالية ليلتقط صوراً برفقة السمكة "نيمو". من الافضل أن يسرعَ في ذلك،لأن إرتفاع درجات الحرارة بمعدل درجتين يُمكن أن يحول لون المرجان إلى اللون الأبيض وبالتالي سيؤدي ذلك إلى زواله. كما أن إزدياد إمتصاص مياه المحيط لغاز ثاني أكسيد الكربون سيزيد من نسبة حموضة الماء، وبالتالي سيمنع ذلك أي مرجان جديد من النمو مجدداً.
صورة من: picture-alliance/ dpa
تفيدُ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن جبال الألب تشهد تراجعاً كبيراً في المُعَدَلات السنوية لسقوط الثلوج. وتواجه المناطق المنخفضة تراجعاً كبيراً في معدل سقوط الثلوج. وتقوم بعض المنتجعات بتغطية الأنهار الجليدية بمواد عاكسة خلال الأشهر الدافئة، ونيجة لذوبان الأنهار الجليدية ينتقل الغطاء النباتي لينمو في المناطق الأكثر إرتفاعاً.
صورة من: picture-alliance/chromorange
"البندقية" مدينة منخفضة يمكن أن تتعرض للغمر بفعل إرتفاع منسوب مياه البحار، أو يمكن أن تصبحَ غير صالحة للسكن بسبب الفيضانات. لن تواجه المدن الساحلية الإيطالية وحدها هذا المصير، بل ستشاركها مدن كثيرة في العالم مثل "نيويورك" و"بانكوك" و "هونغ كونغ" و "طوكيو" و "مومباي" و "الإسكندرية" و "أمستردام".
صورة من: picture-alliance/dpa
أدى ذوبان الجليد إلى الكشف عن الممر القطبي الشمالي الغربي وهو يختصر المسافة بالنسبة للسفن بين قارتي آسيا وأوروبا، ولم يكن ذلك الممر سالكاً في عام 2007، وقد أعلنت وكالة الفضاء الأوربية أن الممر برمته أمسى صالحاً للإبحار، غير أنه ليس واضحاً حتى الآن فيما إذا كان هذا الممر سيُعتمد كخط ملاحي ، وتقوم سفن الرحلات الترفيهية حالياً بالإبحار في هذا الممر الذي كان حِكراً على المغامرين.
صورة من: DW/I.Quaile
ألمْ ترغب على الدوام القيام برحلة سفاري؟ حسناً عليك أن تُسْرِعَ الخُطى. لأن التغيرات المناخية تُؤثر على الحيوانات البرية التي تحاول التأقلم مع حالات الجفاف المزمنة، ومع إرتفاع منسوب مياه المحيطات. وضعت منظمة الصندوق العالمي للحياة البرية الفيل الإفريقي على قائمة الأنواع المهددة بالإنقراض بسبب الضرر الذي لحق ببيئته، و يُشارك الفيل الإفريقي بهذا المصير كل من السلاحف البحرية.
صورة من: Reuters/P. Bulawayo
أدت التغيرات المناخية إلى إصابة كاليفورنيا بالجفاف الشديد، حيث سجلت السنوات الثلاث الأخيرة أعلى درجات الحرارة وأشد حالات الجفاف، وأدى ذلك كله إلى إصابة أشجار اللوز في الولاية بأضرار بالغة، وإذا ما أردت أن تتجول بين جنبات أشجار اللوز في كاليفورنيا، أو بين جنبات مزارع البن في البرازيل، أو في حقول الأرز الفيتناميية، فإن الوقت المتاح لتلك الجولات أمسى محدوداً.
صورة من: Reuters/L. Nicholson
أدرجَ موقع التراث العالمي التابع"لليونيسكو"على صفحته الكثير من المواقع الطبيعة الجميلة،ولكن إذا ما إرتفعت الحرارة ثلاثة درجات مئوية فإن 136 موقعاً من بين 700 موقع ستتأثر بالتغيرات المناخية. ومن بين ما يُقارب الـ 150 نهراً جليدياً كان متواجداً هنا في أواسط القرن التاسع عشر لم يَبقْ بحلول عام 2010 سوى 24 نهراً جليدياً، ومن المتوقع أن يزول أي أثر لتلك الأنهار الجليدية بحلول عام 2030.
صورة من: gemeinfrei
قد تدخل التغيرات المناخية أيضاً إلى عِقْرِ دارك، وإذا ما أسعفك حظك فلن تُجْبَرَ حتى على التخلي عن أريكتك ومغادرة منزلك لتشهد تلك التغيرات. تتوقع "كلايمت سنترال" وهي منظمة إخبارية غير ربحية تهتم بشؤون التغيرات المناخية بأن يعاني 150 مليون شخص يعيشون في مناطق يحتمل أن تُغمر أو يحتمل أن تتعرض لفيضانات خطيرة بحلول عام 2100،ولربما تحدث تلك التغيرات بشكل يسبق تلك التوقعات.
صورة من: Reuters/Mariana Bazo
حتى لو حافظنا على مَعَدَل التسخين الحراري الذي يبلغ درجتين مئويتين بالمقارنة مع ما قبل العصر الصناعي، ستستمر مياه البحار بالإرتفاع وبالتالي ستَغْمِرُ مياه البحر مدينة "أمستردام". وإذا ما إستمر إنبعاث الكربون بالمعدل الحالي فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة الحرارة بأربع درجات مئوية، بحلول عام 2100، وهذا سيؤدي بدورهِ إلى غَمْرِ مدينة "نيويورك" بمياه البحر.
صورة من: Fotolia/peteri
9 صورة1 | 9
ويعني ذلك مساعدة الدول التي تتأثر بالاحتباس الحراري حين تصبح المواءمة غير ممكنة وتشمل الخسائر التي لا يمكن تعويضها المرتبطة بذوبان كتل الجليد أو ارتفاع مستوى المياه مثلا. وبدون أن يسوي كافة المشاكل فإن اتفاق باريس يخصص فصلا كاملا لهذه المسألة ما يشكل نصرا بحد ذاته للدول الأشد هشاشة مثل الدول الواقعة على جزر.
فهو يعزز الآلية الدولية المعروفة بالية وارسو المكلفة بهذه المسالة والتي لا يزال يتعين تحديد إجراءاتها العملية. وهذه المسألة حساسة بالنسبة للدول المتقدمة خصوصا الولايات المتحدة، التي تخشى الوقوع في مساءلات قضائية بسبب "مسؤوليتها التاريخية" في التسبب في الاحتباس الحراري. وتوصلت هذه الدول إلى إدراج بند يوضح أن الاتفاق "لن يشكل قاعدة" لتحميل "المسؤوليات أو (المطالبة) بتعويضات".