ما هي مصلحة الغرب في إنهاء الحرب في السودان؟
١٢ سبتمبر ٢٠٢٥
بعد مرور نحو عامين ونصف على اندلاع القتال في السودان بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، الشهير باسم حميدتي، أصبح هذا الصراع يهدد بتقسيم السودان بعد أقل من 15 عاما على انفصال جنوبه وإعلانه دولة مستقلة باسم جنوب السودان.
ورغم تصاعد مخاطر الصراع الدامي في السودان فإنه مازال لا يحظى بالاهتمام الدبلوماسي ولا الإعلامي الدولي اللازم، رغم أنه تسبب في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، مع نزوح أكثر من 14 مليون شخص عن منازلهم هربا من القتال.
استقرار السودان: مصلحة عليا للغرب
بالنسبة لديم روزاليند مارسدن، الدبلوماسية البريطانية سابقا "هناك أسباب عديدة تفرض على الحكومات الغربية منح التعامل مع الصراع في السودان أولوية قصوى، فإلى جانب الكارثة الإنسانية، هناك أمن البحر الأحمر الذي تهدده خطط روسيا لإقامة قاعدة بحرية على سواحله، والوجود الإيراني المتزايد في ميناء بورت سودان، ثم احتمال تحول السودان مرة أخرى إلى دولة فاشلة تصبح ملاذا للجماعات الإرهابية ومصدرا للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا".
هذا يعني حسب ما أوردته مارسدن في تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس)، أن إنهاء الحرب والوصول إلى سلام مستدام، مع قيام دولة ديمقراطية مدنية مستقرة في السودان، هو مصلحة عليا للغرب في المقام الأول. وفي الوقت نفسه تعتبر الحرب الأهلية في السودان أزمة إقليمية أوسع نطاقا، تزعزع استقرار جيرانه المباشرين وتهدد بخلق محور عدم استقرار يربط منطقة الساحل بالقرن الأفريقي المضطرب والشرق الأوسط الأوسع نطاقا، بحسب الدبلوماسية البريطانية السابقة.
"انخراط الولايات المتحدة في الملف السوداني ضرورة"
وترى ديم روزاليند أن الحرب الأهلية متجذرة بعمق في تاريخ السودان الطويل من الصراعات الداخلية، بما في ذلك عسكرة السياسة والاقتصاد، وثلاثة عقود من الحكم الإسلامي وثقافة الإفلات من العقاب.
وبحسب الدبلوماسية البريطانية السابقة، فإن عودة انخراط الولايات المتحدة في الملف السوداني ضرورة، باعتبارها الدولة الوحيدة القادرة على إقناع حلفائها الإقليميين بالضغط على حلفائهم في السودان لوقف القتال. كما أن احتمال عودة التيار الإسلامي المتشدد الذي يعود إلى عصر الرئيس السابق عمر البشير يجب أن يثير قلق الدول العربية التي ترى في جماعة الإخوان المسلمين بمختلف فروعها تهديدا لأمنها القومي.
ويشير الاجتماع الذي عقد في سويسرا في 11 أغسطس/آب بين كبير مستشاري الولايات المتحدة لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، والفريق أول عبد الفتاح البرهان، بوساطة قطرية، وفقا لبعض التقارير، إلى أن الولايات المتحدة تجري اتصالات مباشرة لمحاولة التوسط في وقف إطلاق النار. لكن فرص نجاح هذه المحاولة تبدو ضئيلة، إذ يعيد كلا الطرفين المتحاربين تسليح وتجنيد وتدريب آلاف المقاتلين الجدد.
وقد سعى البرهان إلى تعزيز سيطرته من خلال إصدار أوامر بوضع الميليشيات التي تقاتل إلى جانب الجيش تحت القيادة المباشرة للقوات المسلحة السودانية، وإعادة توزيع الضباط الإسلاميين؛ بينما شدد حميدتي حصار قوات الدعم السريع التي يقودها لمدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور، على الرغم من دعوات الأمم المتحدة والجهات المانحة المشتركة إلى هدنة إنسانية للسماح بوصول المساعدات إلى سكان المدينة الذين يعانون من المجاعة.
الأولوية: "إسكات البنادق"
الأولوية الأشد إلحاحا الآن حسب روزاليند، هي إنقاذ الأرواح بإسكات البنادق، وحماية المدنيين، ومعالجة الأزمة الإنسانية. في الوقت نفسه، من المهم ألا ينخدع الوسطاء الدوليون بفكرة الحلول السريعة، فاتفاق تقاسم السلطة بين الأطراف المتحاربة لن يؤدي إلى سلام مستدام. في الوقت نفسه ينبغي على السودانيين المؤمنين بالديمقراطية أن يتحدوا لتشكيل أوسع جبهة مدنية ممكنة، وأن يعملوا على صياغة أجندة سلام مشتركة، ويجب دعمهم في ذلك.
كما ينبغي استشارة المدنيين منذ البداية بشأن تصميم عملية السلام، بدءا بوقف إطلاق نار إنساني من شأنه توسيع مساحة العمل المدني، وفتح الباب أمام عملية سياسية شاملة، يمكن للمدنيين الديمقراطيين أن يلعبوا فيها دورا مهما.
لكن لا يمكن تحقيق أي من هذه الأهداف دون استراتيجية سياسية منسقة، ودعم كامل من الشركاء الدوليين الذين يؤمنون بنفس قيم الديمقراطية. وعلى هؤلاء الشركاء استغلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستبدأ خلال الشهر الحالي لإحياء الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إنهاءحرب السودان وحشد الدعم لقواه المدنية، بحسب روزاليند.
تحرير: صلاح شرارة