1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

لماذا ينكر الكثير من العرب المحرقة النازية ضد اليهود؟

أجرى الحوار: حسن ع. حسين٢٧ يناير ٢٠١٥

وجه الناشط السياسي والباحث الأكاديمي الدكتور كاظم حبيب قبل فترة وجيزة نداء إلى المثقفين العرب والمسلمين طالب فيه بالاعتراف بوقوع المحرقة النازية ضد اليهود وعدم الاستمرار بإنكارها لأسباب عديدة أبرزها إنسانية.

Holocaust Gedenkfeier in Auschwitz 27.01.2015 Überlebende
صورة من: Reuters/M. Lepecki

تحتفل ألمانيا ودول أوروبية أخرى هذه الأيام بالذكرى السبعين لتحرير معسكر أوشفيتس النازي الذي شهد مقتل أكثر من مليون إنسان، معظمهم من اليهود، ورغم مرور هذه الفترة الطويلة من الزمن والتي تخللتها أبحاث وتحقيقات دولية أثبت وقوع المحرقة، لا يزال العالم العربي بعيدا عن الاعتراف بهذا الواقع المرير. DW عربية حاورت الكاتب والباحث الأكاديمي كاظم حبيب الذي وجه قبل فترة نداءا إلى المثقفين العرب والمسلمين طالب فيه بضرورة الاعتراف بحدوث المحرقة وعدم الاستمرار في إنكارها، فيما يلي نص الحوار:

DW عربية:أستاذ كاظم، قبل فترة وجهت نداءا إلى المثقفين العرب والمسلمين للاعتراف بحقيقة المحرقة النازية ضد اليهود وغيرهم في ألمانيا إبان الحقبة النازية، ما هي ردود الفعل على ذلك؟

كاظم حبيب: كانت هناك ردود فعل إيجابية في الغالب من عدد غير قليل من الكتاب الذين يشاركون في قراءة مقالاتي. وكان المقال طويلا حول هل العقلاء العرب أن يعترفوا بالهولوكوست. وكانت التعليقات في الحقيقة التي وصلت على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الرسائل كانت جيدة. ولكن الذين يختلفون معنا في فهم هذه القضية، فإما هم لا يكتبون، أو يكتبون ملاحظات سيئة جدا والتي تشير إلى أنه لا يزال هناك عقلية بنيوية خاطئة غير سليمة عند الكثير من هؤلاء القوميين اليمينيين الشوفينيين الذين لا يفهمون ما جرى في ألمانيا في الحقبة النازية أو لا يريدون أن يفهموا ما حصل في فترة النازية.

ولكن لا أدري بالضبط إن كان الموضوع قد تحول إلى موضوع ساخن يتم مناقشته على نطاق واسع أم لا. البعض من المعلقين برروا موقفهم الرافض للمحرقة بسبب استخدام هذه المأساة لصالح إسرائيل. وكان جوابي هو أن ذلك من حقهم أن يستفيدوا منها إذا كان الهدف هو مكافحة العنصرية. لكن هذا لا يعني ولا يبرر سياسة إسرائيل الخاطئة إزاء الشعب الفلسطيني.

الدكتور كاظم حبيب كاتب وباحث أكاديمي

في أوروبا ينكر اليمين المتطرف حدوث المحرقة لأسباب معروفة، فما هي الأسباب التي تدفع بالبعض في العالم العربي وخصوصا منهم المثقفين، إلى إنكار المحرقة وعدم الاعتراف بحدوثها؟ هل فقط بسبب القضية الفلسطينية؟

ـ أنا لا أعتقد أنها بسبب القضية الفلسطينية. أعتقد أنها نتيجة موقف عنصري مناهض لليهود، لا استطيع أن أقول إنه موقف معادي للسامية، لأن العرب هم أيضا جزء من الساميين. عموما يمكن القول إن هناك موقفا معاديا لليهود من جانب بعض الحكام العرب ومن جانب التيار القومي العربي. ونجد هذا الموقف في فترات غير قليلة في تاريخ العرب. لو رجعنا إلى الوراء نجد موقف الخليفة عمر بن الخطاب من اليهود وطردهم من الجزيرة العربية وتحولهم إلى العراق، حيث سكنوا في منطقة عانة. وكذلك نجد هذا الموقف في الفترات اللاحقة، حيث تعرض اليهود إلى الكثير من الإشكاليات والكثير من الاضطهاد. وهذا الموقف هو عنصري بالأساس، وأضيف إليه طبعا الموقف من فلسطين لاحقا.

وفي الواقع يعرف العرب جيدا ما حصل لليهود في ألمانيا وبولندا ودول أخرى قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، إلا أنهم يغالون وينكرون هذه الحقيقة. ودعونا نعود إلى تاريخ العراق، على سبيل المثال، فنتذكر واقعة "الفرهود" التي حدثت بعد انقلاب أيار /مايو من عام 1941. ففي الأول والثاني من حزيران/يونيو من نفس العالم، أي بعد أيام من انقلاب رشيد عالي الكيلاني، حدثت مجزرة رهيبة، تسمى في الكتابات العراقية "بالفاجعة" في بغداد، وقبل ذلك حدثت أحداث مماثلة في البصرة مع الفارق أن في البصرة لم يقتل اليهود. ولكن في بغداد قتل في تلك الفاجعة أكثر من 145 يهوديا ويهودية عراقي الجنسية. كما سرقت أموالهم ونهبت وحرقت ممتلكاتهم ومحلاتهم التجارية ولم يتدخل أحد آنذاك لوقف الفاجعة، رغم أن هناك في الجانب الثاني من نهر دجلة، أي في الكرخ، حيث وقعت الفاجعة في جانب الرصافة، ففي صوب الكرخ كان هناك الجيش البريطاني وكانت هناك القوات العراقية وكانت هناك هيئة تسمى هيئة الحفاظ على أمن بغداد، ولكن لم تفعل شيئا لمنع تلك الحوادث.

ومن المفارقات المثيرة أن وزير الاقتصاد كان يونس السبعاوي والذي كان عمليا مسؤولا عن الانقلاب مع رشيد عالي الكيلاني، كان يحمل اسما حركيا داخل حزبه، حزب الشعب القومي العربي الشوفيني اليميني هو "فرهود". وتعني الكلمة في اللهجة العراقية العامية "بالسارق". وما حصل في بغداد في تلك الأيام كان فرهودا بحق اليهود. هناك تراكم تاريخي في هذا المجال ما يعزز الموقف المعادي لليهود. تزامن ذلك مع وقوع حوادث مماثلة في العالم العربي، لكنها لم تصل إلى درجة المجازر، كما وقع في العراق. في نفس الوقت كانت أوروبا في تلك الأيام غارقة في اضطهاد اليهود. ولابد من الإشارة هنا إلى أن القانون الألماني الحالي يعاقب كل من ينكر وقوع المحرقة.

ألا يلحق هذا الموقف ضررا بالعرب أنفسهم؟

صورة لمعسكر أوشفيتس الذي تحول إلى متحفصورة من: Peter Siebers

بطبيعة الحال، ولذلك كتبت في مقالي أنه ينبغي على العقلاء العرب أن يعترفوا بالمحرقة أو الهولوكوست. عدم الاعتراف يعني بعبارة أخرى أنهم يسمون أنفسهم عنصريين. فهناك الكثير من الوثائق الرسمية والأفلام الوثائقية التي تثبت دون أدنى شك وقوع المحرقة، فلماذا يتم إنكار ذلك؟ إنهم بشر مثلنا تماما. الاختلاف الوحيد بيننا هو أنهم بشر يعتنقون اليهودية. إنها كارثة كبرى أن يتعرض إنسان بسبب دينه أو مذهبه إلى مجازر. ضرر آخر من أضرار عدم الاعتراف بالحقائق الدامغة يتعلق بتكرار تلك المجازر مرة أخرى. وهذا ما يحدث حاليا في المناطق التي يحتلها تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.

ففي محافظات نينوى وديالى في العراق هي مجازر يرتكبها تنظيم "داعش" باسم الإيديولوجية وبأساليب فاشية، حيث تم قتل المئات والمئات من الإيزيديين والمسيحيين ومن الشبك ومن التركمان ومن الشيعة، لسبب واحد فقط هو أنهم يختلفون عنهم في الدين. وهذا ما حدث بالضبط في زمن النازيين ضد اليهود وغيرهم. لم يكن اليهود وحدهم ضحايا النازية، بل قتل النازيون الاشتراكيين والشيوعيين والديمقراطيين المسيحيين الذين اختلفوا مع هتلر وحزبه في الموقف السياسي أو الفكري أو الاجتماعي.

التمييز بين الحق والباطل عنصر أساسي من عناصر التكوين الوجداني للإنسان....

هذا صحيح جدا، عندما ترى حقائق أمامك وتنكرها يعني ذلك أنك لا تمتلك خلقا إنسانية. هناك بعض العرب يشكون من الظلم اللاحق بهم، لكنهم لا يعترفون بالمظالم التي لحقت بالآخرين. ورغم ذلك لابد أن أشير إلى أن بعض المثقفين العرب يعترفون بتلك الحقائق ولا ينكرونها. ولذلك لا يحق لنا أن نعمم الموقف الرافض للمحرقة على كل العرب.

ـ اليمين المتطرف في أوروبا يتخذ موقفا عنصريا من المسلمين، كما هو معروف، ويهود أوروبا يشعرون بالعنصرية من قبل اليمين المتطرف ويشعرون بأنهم مهددون أيضا من قبل جماعات إسلامية متطرفة، هل لذلك أيضا علاقة بنظرة العرب والمسلمين إلى المحرقة؟

ـ لابد من القول أن اليمين المتطرف الأوروبي يتخذ موقفا موحدا ضد كل أتباع الديانات والثقافات الأخرى. وهو موقف عنصري معادي لكل ما هو ليس أوروبي، حسب وجهة نظرهم. فأنظر مثلا إلى حركة بيغيدا ( أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب)، إنها حركة ترفع شعار معاداة الإسلام، إلا أنهم معادون لجميع المهاجرين والأجانب في ألمانيا وفي أوروبا. القاسم المشترك بين المشاركين في هذه الحركات، سواء أكانت في ألمانيا أو في دول أخرى، هو العداء لكل إنسان أجنبي. وهو موقف إيديولوجي عنصري وشوفيني إزاء القوميات وأتباع الديانات الأخرى. وهذا هو جوهر القضية. وعلى هذا الأساس تلتقي حركة بيغيدا في مواقفها مع حركات نازية داخل وخارج المانيا وهو ليس بالأمر الجديد، خصوصا في المانيا.

الدكتور كاظم حبيب أستاذ العلوم الاقتصادية وباحث وكاتب في الشؤون السياسية والاجتماعية إلى جانب نشاطه السياسي والحقوقي. له مؤلفات كثيرة تجمع بين أبحاث أكاديمية ودراسات علمية وبين التحليل المنهجي للأحداث التاريخية في العراق وفي العالم العربي.

أجرى الحوار: حسن ع. حسين

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW