مثقفو مصر: تساؤلات عن مستقبل الثورة بعد تبرئة مبارك
٣ ديسمبر ٢٠١٤ أثار الحكم بتبرئة حسني مبارك ووزير داخليته خيبة أمل لدى العديد من المثقفين وكتاب الرأي في مصر، متسائلين عن خلفيات الحكم وتأثيره على مسار التحول الديمقراطي في البلاد. بل وعادت بهم الأسئلة إلى جدوى ثورة 25 يناير وما صاحبها من مظاهرات سقط فيها العديد من القتلى.
الكاتب فمي هويدي يتساءل بعد إعلان حكم البراءة: "من الذي قتلهم إذن؟" سؤال قد لا يتم الإجابة عنه سيما وأن قرار التبرئة يعيد إلى الواجهة إمكانية الحديث عن وجود "طرف ثالث" ستعمل وسائل الإعلام المصرية على خلقه وشيطنته بطريقتها الخاصة.
الجرم الأكبر
لكن، "إذا كان هؤلاء كلهم لم يرتكبوا جرما يحاسبون عليه بحق البلد طوال 30 عاما، فلماذا كانت الثورة إذن؟ سؤال يطرحه فهمي هويدي في مقال بعنوان "ما بين السياسة والتاريخ"، وفيه يذهب بعيداً في تحليله، إذ يقول إن "الحكم الذي صدر له أبعاد تتجاوز إخلاء سبيل المتهمين وغسل أيديهم مما جرى، ولكنه يبرئ النظام الذي حكم مصر طوال ثلاثين عاما، ولا يجد وجهاً لمؤاخذة رموزه أو محاسبتهم على الجرائم والكوارث التي حلت بمصر خلال تلك العقود الثلاثة، والتي أعادتها عشرات السنين إلى الوراء".
ففترة حكم مبارك "رأينا فيها العجب"، يقول سيد الشحات، "رأينا نظام حكم يفتخر ويتباهى بالبيع لا البناء، وتلك مسألة كان يستوجب محاكمته عليها، رأيناه يطرح صروح مصر الصناعية في سوق النخاسة باسم الخصخصة، رأينا دولة تسخر كل إمكانياتها لبيع شركاتها ومصانعها التي بناها المصريون بعرقهم، وأفنى العمال عمرهم فيها، وفى كل صفقة بيع لشركة ومصنع هناك قصص هائلة للفساد".
منتفعون ومخدوعون
تبرئة الرئيس الأسبق مبارك من اتهامات بالتورط في قتل 846 متظاهراً أثناء الثورة التي قادت في11 شباط/ فبراير 2011 إلى إسقاطه وإنهاء حكمه الذي دام 30 عاماً، بعد أن استندت المحكمة إلى نقص الأدلة في حكمها بالبراءة وإلى انقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم في قرار آخر بالبراءة من اتهامات بالفساد المالي قد تفتح شهية المشككين في ثورة يناير، خاصة ممن اعتبروها مؤامرة مدبرة من الخارج. ومن هنا يرى هويدي أن البراءة "أعادت الشرعية إلى نظام مبارك وردت اعتباره"، أما من خرج إلى شارع يوما مطالباً بالحرية والديمقراطية فقد باتوا في موضع الاتهام كما يؤكد الكاتب.
وبذلك فإن المستفيد الأكبر من حكم البراءة هم الذين "لعنوا ثورة يناير وأزروا بها وشهروا بأبنائها، وهم إما منتفع حرمته الثورة من امتيازات لم تكن له.. أو مسكين تضرر من آثارها السلبية ولم تكن له قضية أو رسالة تسليه عما أصابه.. أو مخدوع غرر به إعلام يساومه على أمنه واستقراره.. أو مأجور يبيع قلمه وصوته لمن يدفع أكثر.. والعاقل وحده من يفرق بين دوافع هؤلاء جميعا"، يقول نادر بكار في مقال له بعنوان "لم يسدل الستار بعد".
تفاؤل رغم الانكسارات
لكن هناك من المح إلى أن ستار "الثورة في مصر" قد أسدل بعد هذه المحاكمة، ولم يعد بالإمكان الحديث عن محاسبة قتلة المتظاهرين أو محاسبة النظام السابق على ما ارتكبه بحق مصر وشعبها، فقد كتب علاء الأسواني تعليقاً مقتضباً على صفحته على تويتر قال فيه: "تم تنفيذ الخطوة الأخيرة من البرنامج بنجاح.. احشدوا المخبرين والطبالين في الإعلام، أما أنت أيها الشعب فإياك أن ترفع رأسك مرة أخرى أمام أسيادك". لكن الكاتب فهمي هويدي يرى أن "الربيع العربي لم ينته، وكل الذي حدث أنه هزم في بعض جولات تقدمه"، لكن هويدي لا ينكر أن "شواهد الفشل والانتكاسات التي حفلت بها مسيرة الربيع العربي، كما أن الانتصارات التي حققتها الثورة المضادة ماثلة تحت أعيننا ولا سبيل لتجاهلها أو إنكارها بدورها، لكني أزعم أن هذا كله وذاك لا يعني بالضرورة نهاية الربيع العربي إذا احتكمنا إلى تحليل الواقع وخبرة التاريخ".
بالضبط هذا ما ذهب إليه الكاتب والسياسي المصري عمر حمزاوي الذي عنون مقاله بـ "اللاءات الخمسة!"، حيث اعطى جملة من النصائح لاستمرار ديناميكية الثورة قائلاً: "لا تكتفوا حين تتلاحق الهزائم والانكسارات... بمشاعر الأسى والأسف والحزن والإحباط أو بانفجارات الغضب الوقتية وغير الرشيدة أو بالانسحاب من الشأن العام، بل واصلوا العمل بسلمية على تطوير الفكرة الديمقراطية لكي يمكن تطبيقها وصياغة قوانين للعدالة الانتقالية يمكن اعتمادها والاجتهاد لتوعية الرأي العام بصبر وتفاؤل ودون استعلاء وتوظيف النقد الذاتي لاستخلاص العبر من الهزائم والانكسارات والارتدادات المتلاحقة".
وختم حمزاوي مقاله بالقول: "غدا بإصرار.. هامش جديد للديمقراطية في مصر".