مجلس التجارة والتكنولوجيا - أجندة هائلة وتحديات كبيرة
٢٩ سبتمبر ٢٠٢١
أنشئ مجلس التجارة والتكنولوجيا المشترك بين واشنطن وبروكسل في وقت كان الجميع على ضفتي الأطلسي يتطلعون فيه إلى معالجة ندوب فترة ترامب. رغم أزمة الغواصات ينطلق أول اجتماع بخطة عمل تشمل ملفات كبرى.
إعلان
ينطلق الأربعاء (29 سبتمبر/ أيلول 2021) اجتماع مجلس التجارة والتكنولوجيا المشترك بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة (TTC) في العاصمة الأوروبية بروكسل. إنه أول اجتماع لهذه الهيئة التي تأسست بين قطبين ديمقراطيين يسعيان إلى تقدم اقتصادي ومعلوماتي وتكنولوجي مشترك. وكان من الطبيعي أن يُعقد هذا الاجتماع على مستوى الرؤساء.
غير أن أزمة الغواصات قبل أيام بين فرنسا من جهة وبين الولايات المتحدة وأستراليا من جهة أخرى كادت أن تلغي هذا الاجتماع لولا التوافق الذي أُعلن التوصل إليه من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الفرنسي ماكرون. وليس معروفا إلى أي مدى سيستمر هذا التوافق، على الأقل لم تتطور الأمور إلى تأجيل الاجتماع.
تجاوز فترة ترامب
مباشرة بعد أزمة الغواصات لم يُخف تيري بريتون، مفوّض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية، أنَّ "شيئاً ما انكسر" في العلاقات عبر الأطلسي، معتبرا أن التوترات الفرنسية-الأمريكية بشأن الشراكة الأمنية الجديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا للدفاع، من شأنها أن تؤثر على المساعي لتعزيز التعاون في مجال التجارة والتقنيات الرقمية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
بينما كان الهدف من إطلاق مجلس مشترك في مجالي التكنولوجيا والتجارة، الصيف الماضي، تدشين حقبة جديدة تصحح مسار العلاقات التجارية الأوروبية الأمريكية بعد الانتكاسة التي شهدتها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث تجمدت مفاوضات معاهدة الشراكة التجاريَّة والاستثماريَّة العابرة للأطلسي (TTIP) منذ عام 2017.
مهام أسمى؟
بالنسبة للمنظمين الأوروبيين فإنّ الاجتماع الأول على مستوى مجلس التجارة والتكنولوجيا المشترك ليس هدفه مباشرة المفاوضات حول اتفاق التجارة الحرة المجمّد بين القوى الغربية. ومع ذلك سيتم عملياً مناقشة مجموعة من النقاط الخلافية الموروثة من حقبة ترامب كتجارة الصلب والألومنيوم على سبيل المثال.
في هذا الإطار يقول الخبير الاقتصادي بيتر تشيس، من مركز أبحاث "صندوق مارشال الألماني" في بروكسل، إن المشكلة الأساسية "تكمن في أن الطرفين معا لا يتوفران على رؤية واضحة للمستقبل. ولهذا كان لا بدّ من أن يكون الهدف هو شيء أقلّ وزنا من اتفاقية التجارة الحرّة".
أما وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن فلا ينظر إلى المجلس كتعويض عن اتفاقية التجارة الحرة بقدر ما هو هيئة بأهداف أسمى تكمن في "تقوية وعزل الديمقراطيات الغربية وفضاءاتها الاقتصادية عن الأنظمة السلطوية"، كما قال في يونيو/ حزيران الماضي، مطالباً الديمقراطيات بتولي مراكز الريادة في الدفاع عن الأسس الديمقراطية في استخدام وتطوير الذكاء الاصطناعي وكذا لحماية مستخدمي الانترنت وأسس الحريات الفردية.
متلازمة الأمن والاقتصاد
نظرا لشح المواد الأساسية الناجم عن مسببات عديدة من أبرزها تحول آسيا إلى مصدر شبه وحيد لمواد التصنيع بنسبة 80 إلى 90 بالمائة، بدأ هامش التحرك بالنسبة لأوروبا يضيق رويداً رويداً، خاصة فيما يتعلق بمجال صناعة السيارات، إذ بات من الضروري تقليص حجم التصنيع. وبالتالي لم يعد أمام الولايات المتحدة وأوروبا سوى العمل على تطوير إنتاج مشترك في العديد من المجالات كرقائق الكمبيوتر على سبيل المثال.
تزايد قيمة الماس الاصطناعي
05:21
وليس هذا فحسب فالطرفان يدركان أهمية وجود قواعد مشتركة للاستثمارات وفق مقياس الجودة والحاجة والمخاطر على الأسواق الداخلية، بما في ذلك تطوير عمليات فحص واختبارات مشتركة للمنتجات الأجنبية واستخدامها كورقة تفاوض امام الأطراف الثالثة، إضافة إلى بلورة ضوابط التصدير للتكنولوجيا عالية الحساسة.
كما سيتم التباحث حول ملف الرقابة والضرائب على شركات الإنترنت العملاقة وإمدادات الطاقة المستدامة والتقنيات ذات الصلة بالمناخ.
"إذا استخدمت الولايات المتحدة وأوروبا المجلس الجديد فعليًا للربط ما بين الأمن القومي والنمو الاقتصادي، فإن ذلك سيكون "أمراً فعّالاً جدا"، يقول الخبير بيتر تشيس من مركز أبحاث صندوق مارشال الألماني في بروكسل. لكنه ما لبث أن أقرّ في ذات الوقت أن هذا الهدف الاستراتيجي بحاجة إلى وقت طويل لتحقيقه.
بيرند ريغارت/و.ب
محطات تاريخية - أوروبا والسعي الدائم للخروج من العباءة الأمريكية!
بعد الحرب العالمية الثانية عملت أمريكا على تقديم مساعدات لأوروبا والحد من التوسع السوفيتي فوق أراضيها. لكن المتتبع للعلاقات عبر الأطلسي يجد أن الدول الأوروبية بدأت تنأى بمواقفها عن مواقف حليفتها واشنطن في ملفات كثيرة.
صورة من: picture alliance/C.Ohde
مشروع مارشال
لم تخرج أمريكا من الحرب العالمية الثانية بخسائر على عكس نظيرتها أوروبا التي فقدت الكثير على كل المستويات، ولهذا جاءت خطة مارشال بهدف إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي عن طريق تقديم المساعدات. ويعود اسم المشروع إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال الذي أطلق المشروع في حزيران/ يونيو 1947، أمام طلاب جامعة هارفرد. مشروع مارشال عُلقت عليه آمال مهمة، كتعزيز الاستقرار السياسي والسلام في العالم.
صورة من: picture-alliance/dpa
تعاون يورو- أمريكي
شكل حلف الأطلسي خطوة مهمة في تاريخ العلاقات بين الجانبين الأوروبي والأمريكي. وقد اجتمعت القوتان في 1949 وأنشأت المنظمة تحت اسم "منظمة حلف شمال الأطلسي"، اختصارا "الناتو". وكان الهدف من المنظمة هو التصدي لخطر الاتحاد السوفيتي حينها. يشكل الناتو نظاماً للدفاع الجماعي، إذ تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.
صورة من: picture-alliance/akg-images
فرنسا تنسحب..
في 1966 انسحبت فرنسا من قيادة حلف شمال الأطلسي "الناتو" ما شكل زلزالاً هز وحدة حلف الناتو في وقت مبكر من تاريخ قيامه، وذلك بسبب أزمة وقعت خلال فترة رئاسة شارل ديغول لفرنسا. وأحتج ديغول على الدور القوي الذي تقوم به الولايات المتحدة في المنظمة، وهو ما اعتبره علاقة خاصة بينها وبين المملكة المتحدة، قائلاً إن فرنسا تريد انتهاج خط مستقل عن الحلف وسياسة واشنطن.
صورة من: AFP/Getty Images
خطوة إلى الأمام
من بين المحاولات المهمة التي قامت بها دول الاتحاد الأوربي لتبتعد عن "وصاية" واشنطن، الشراكة الأورومتوسطية. إذ بدأت عام 1995 من خلال مؤتمر برشلونة الأورومتوسطي الذي اقترحته إسبانيا وقام الاتحاد الأوروبي بتنظيمه لتعزيز علاقاته مع البلدان المطلة على المتوسط في شمال أفريقيا وغرب آسيا. الشراكة لم تستمر طويلاً، إلا أنها وضعت أسس لعلاقات إقليمية جديدة، وشكلت نقطة تحول في العلاقات الأورومتوسطية.
صورة من: AP
رفض ومعارضة
في 2003، أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر معارضتهما الشديدة لقرار أمريكا وحلفائها باحتلال العراق. شكل هذا الموقف لحظة قوية عبرت فيها الدولتان الأوربيتان الكبيرتان عن رفضهما سياسة "العم سام" في الشرق الأوسط. وقادتا الاتحاد الأوربي في هذا الاتجاه، حيث أعلن الاتحاد الأوربي معارضته مبدئياً للجوء للقوة، واشترط أن تتم أي عملية عسكرية بتفويض من مجلس الأمن.
صورة من: HECTOR MATA/AFP/Getty Images
اتفاقية "بيسكو"
في 2017، وقع 23 عضوا في الاتحاد الأوروبي على اتفاقية "بيسكو" الرامية لتعزيز التعاون بمجال الدفاع. وشكل توقيع هذه الاتفاقية أبرز خطوة أقدمت عليها دول الاتحاد في اتجاه تشكيل ذراع عسكري تتخلص بفضله من التبعية العسكرية للولايات المتحدة، وتعتمد عليه في تنفيذ سياستها وخصوصاً في منطقة حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق الجوار الأوروبي.
صورة من: Reuters
الانسحاب من الاتفاق النووي
انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني لاقى رفضاً من قبل الدول الأوروبية الثلاث الكبرى. ويشير هذا الرفض إلى سياسة الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لنهج استراتيجية مستقلة عن واشنطن، خاصة وأن الاتفاق النووي واحد من أكثر الملفات الحساسة ليس فقط في الشرق الأوسط، وإنما في العالم بأسره.
صورة من: Imago/Ralph Peters
السفارة الأمريكية في القدس
رفضت دول من الاتحاد الأوروبي فتح السفارة الأمريكية في القدس. وكان هذا الرفض دليلاً على تزايد الاختلافات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، ما يدفعهم للسعي نحو الخروج من دارة "التبعية" لأمريكا. وكان عدد من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد وصفوا نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس بـ "الخطوة غير الحكيمة التي قد تؤدي إلى تصعيد حدة التوتر".
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Yefimovich
ملفات أخرى...
ملف الشرق الأوسط ليس الجانب الوحيد الذي تبرز فيها رغبة أوروبا في فك من ارتباطها بأمريكا. ويمكن الوقوف عند آخر نقطة في الملف، حيث رفعت أمريكا الرسوم الجمركية على الحديد والألمنيوم. وتشكل هذه الرسوم الجمركية تحدياً كبيراً وضعه ترامب في طريق الأوروبيين. وكانت دول أوروبية قد طالبت بضرورة الحصول على إعفاء دائم من هذه الرسوم، إلا أن الأمر ما يزال عالقاً. إعداد: مريم مرغيش.