سبعون عاماً على محاكمات نورنبيرغ وأسسها القانونية
٨ أغسطس ٢٠١٥شكلت محاكمات نورنبيرغ قبل 70 عاما بداية عهد جديد في التشريع القانوني والتعاون الدولي، حيث كانت منطلقا لمعاهدة القانون الدولي الذي ينظم الإجراءات الخاصة بالمحاكم العسكرية الدولية والأمريكية والتي تم تطبيقها خصوصا في محاكمات نورنبيرغ. قبل 70 عاما تم في 8 آب/أغسطس 1945 التوصل إلى ما يطلق عليه ميثاق لندن.
في 24 من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1945 وقف 22 شخصا من القيادات النازية المتبقية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أمام محكمة نورنبيرغ، حيث كانوا معتقلين في أحد قصور لوكسمبورغ. لم يكونوا على علم بما ينتظرهم بالضبط. واعتقد بعضهم أنه سيتم الحكم عليهم بالإعدام، ومنهم من وجد في اعتقاله عملا مهينا وظلما في حقه. ومن بين هؤلاء هيرمان غورينغ، الرئيس السابق لمجلس الرايخ، والقائد الأعلى للقوات الجوية الألمانية، وربما الخلف المحتمل لهتلر.
قبل شهور قليلة من ذلك نفى غورينغ في مؤتمر صحفي معرفته بوجوده على رأس قائمة مجرمي الحرب قائلا: "أستغرب من ذلك، فأنا لا أتصور لماذا يجب أن أكون في تلك القائمة."
ولم يكن غورينغ يعلم بمدى التعقيدات المرتبطة بمحاكمته، حيث وجب أولا وضع الأسس القانونية الخاصة لتوجيه التهم المختلفة و تصنيف العقوبات الخاصة بها.
خطوة كبيرة في المحاكمات الدولية
محاكمات نورنبيرغ وميثاق لندن "منحت آفاقا مهمة للقانون الدولي" كما تؤكد الأستاذة موري ميكزو بجامعة تارتو في استونيا" وتضيف أنه "ليس هناك من شيء أهم من ذلك في هذا القطاع"، حيث كان تأثير ذلك على كيفية تعريف الجريمة الدولية قويا جدا ومنها انطلق مصطلح " الجريمة في حق الإنسانية"
تم التوصل إلى ميثاق لندن بعد 6 أسابيع من محادثات صعبة ومعقدة في لندن، اثر انتصار الحلفاء على ألمانيا النازية. وكانت طاولة المفاوضات مربعة الشكل في رمز إلى المساواة بين الدول الحليفة وممثليها.
كان هناك تباين في المواقف بين ممثلي الحلفاء. فبريطانيا استضافت الاجتماعات والولايات المتحدة كانت تود محاكمة القيادات النازية، وهدف الحلفاء الأوروبيون إلى نهج العقاب المباشر للنازيين، في حين كان الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين قد أعلن خلال استراحة لاجتماعات مؤتمر طهران عام 1943 عن ضرورة جمع 50 ألف من الرؤوس المهمة بين النازيين وإعدامهم.
بالنسبة للولايات المتحدة وممثلها القاضي روبرت جاكسون كانت مناسبة " لإقامة أسس مواجهة لمثيري الحروب العنيفين"، كما جاء في رسالة وجهها القاضي جاكسون إلى الرئيس الأمريكي آنذاك هاري ترومان.
محاكمة بأنظمة قانونية مختلفة
شهدت عملية الاتفاق على النظام القانوني الملزم أخذا وردا. فالولايات المتحدة وبريطانيا تنهج ما يسمى بالقانون العرفي، في حين تنهج روسيا وفرنسا وعدد من دول القارة الأوروبية القانون المدني. ووجب البحث عن جواب للسؤال التالي: هل يجب على النيابة العامة عرض لائحة التهم وتقديم الحجج خلال المحاكمة، كما هو الشأن في القانون العرفي أو العام، أم أنه يجب تحضير لائحة التهم كاملة من طرف مجموعة خاصة بما في ذلك الإثباتات، ثم تقديمها بعد ذلك للنيابة العامة ولهيئة الدفاع كما هو الشأن في القانون القاري السائد في أوروبا؟
الخلافات بهذا الشأن كانت خصوصا بين القاضي الأمريكي جاكسون ومقابله الروسي الجنرال إيونا نيكيتشينكو، حيث تشكك كلاهما من حقيقة نية الآخر في تعاملهما مع الموضوعات المختلفة بهذا الشأن. ولكن عزيمة الأطراف كانت أقوى للتوصل في نهاية الأمر إلى توافق في المواقف.
بين الصورة المثالية والواقع
في نهاية الأمر تم التوصل إلى اتفاق بشأن ميثاق لندن وأن تعتمد التهم الموجهة إلى مجرمي النظام النازي في نورنبيرغ على أربعة نقاط وهي: الجرائم في حق السلام، التخطيط أو التآمر من خلال المشاركة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وكان جاكسون يود تعريف الحرب كجريمة شاملة وتطبيق القواعد المعتمدة في نورنبيرغ على كل الأطراف لاحقا. غير أن حلمه هذا لم يتحقق، حيث بقيت محاكمات نورنبيرغ محاكمة عسكرية خاصة بالنظام النازي أمام المحكمة.
وكما هو الشأن آنذاك، لازالت السياسة تلعب دورا في القانون الدولي العام، كما تؤكد الأستاذة ماكزو، التي تلاحظ "من بين نقاط الانتقادات الموجهة لمحكمة العدل الدولية أنها لم تتناول في يوم ما قضايا جرائم حرب أمريكية أو روسية، بسبب وضعهما السياسي في مجلس الأمن الدولي وفي النظام العالمي. ورغم تلك الصعوبات المرتبطة بالواقع السياسي فإنه لا يمكن إنكار أهمية ميثاق 1945. فميثاق لندن كان بمثابة "خطوة حضارية إلى الأمام"، كما قال المؤرخ الألماني إينغو مولر في حديث مع DW.