هل يتم تسليم مؤسس ويكليكس جوليان أسانج للولايات المتحدة؟ الجواب بالنفي، على الأقل حاليا. إذ رفض القضاء البريطاني طلب تسليمه للولايات المتحدة مشيرا إلى احتمال انتحاره. وسياسيون ألمان يطالبون بإخراجه من السجن الانفرادي.
إعلان
الضغط هائل للغاية: الحبس الانفرادي في سجن محصن في لندن والمندوب الخاص للأمم المتحدة لشؤون التعذيب، نيلس ميلتسر يتحدث أمام دويتشه فيله عن حبس انفرادي بعد قضاء سبع سنوات من اللجوء داخل سفارة ومجابهة التهديد بقضاء باقي حياته وراء جدران سجون أمريكية، وهي ظروف يصفها ميلتسر بالتعذيب.
ومنذ 10 سنوات تتم ملاحقة الأسترالي جوليان أسانج من قبل السلطات الأمريكية كعدو دولة. لقد كشف عن أسرارها القاتمة. وفي الرابع من يناير/ كانون الثاني ستعلن القاضية فانيسا بارايتسير في لندن عن قرارها حول ما إذا كان سيتم تسليم الصحفي الاستقصائي للولايات المتحدة.
وبالنسبة إلى البرلمانية من حزب الخضر، مارغيت شتومب ستكون هذه المحاكمة بمثابة "اختبار لمجموعة القيم الغربية". وبالاشتراك مع نواب من الحزبين الاشتراكي والمسيحي وكذلك اليسار والحزب الليبرالي أسست شتومب في الـ 21 من ديسمبر/ كانون الأول مجموعة العمل "الحرية لصالح جوليان أسانج".
والدكتاتوريون استوعبوا منذ مدة الدرس: مصداقية العالم الغربي كمدافع عن حقوق الإنسان تُدفن من خلال ملاحقة جوليان أسانج. مثال على ذلك؟ في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني واجهت مراسلة بي بي سي أورلا غرين الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بأسئلة انتقادية حول حرية الصحافة في بلاده. ورد الرئيس بأنه نظرا لمعاملة أسانج ليس لإنجلترا الحق في تلقين دروس لدول أخرى في قضايا حقوق الانسان وحرية الصحافة.
ونيلس ميلتسر ليس فقط مندوب الأمم المتحدة لشؤون التعذيب، بل هو يُدرِّس أيضا القانون الدولي في جامعة غلاسغو وهو ملم بالقانون البريطاني. وحكمه على التعامل مع جوليان أسانج يصدر مدمر. "المحاكمة تخرق بوضوح المستويات الأساسية لحقوق الانسان وأصول المحاكمة العادلة ودولة القانون". والدافع معروف بسبب عمليات الكشف التي قام بها أسانج عن "جرائم الحرب الأمريكية والفساد وجرائم فظيعة أخرى". "الولايات المتحدة تحاول هنا تجريم الصحافة الاستقصائية. والنظام البريطاني يتبع هنا للأسف الولايات المتحدة". وفي الـ 21 ديسمبر/ كانون الأول ناشد ميلتسر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إصدار عفو عن أسانج، خلال أيامه الأخيرة في البيت الأبيض.
ناشطون حقوقيون مصدومون
منظمة صحفيون بلا حدود تابعت هي الأخرى المحاكمة. لكن تحت "ظروف قاسية"، كما يفيد كرستيان مير لدويتشه فيله. فمدير أعمال المنظمة في ألمانيا حضر بنفسه عدة أيام من المحاكمة في لندن ويتهم السلطات البريطانية "بمحاولة إبعاد مراقبين دوليين للمحاكمة بصفة منهجية".
والمراقبون القلائل لم يحق لهم دخول قاعة المحاكمة، ووجب عليهم البقاء في قاعة منفصلة تتبع المحاكمة عبر نقل سيء بالفيديو في ظروف غير مريحة ودرجات حرارة جد منخفضة. ثم جاء النجاح المشكوك فيه: في النهاية كانت مراسلون بلا حدود المنظمة غير الحكومية الوحيدة الحاضرة في يوم المرافعة داخل المحكمة.
وفيما يخص تصريحات الشهود ـ غالبيتهم تم عرضها من قبل الدفاع ـ يقول رئيس مراسلون بلا حدود مير بأنه تبين ليس فقط أن "الأمر يتعلق هنا بحرية الصحافة"، بل بات واضحا بأن الأمر "مرتبط بحياة وموت جوليان أسانج". فعلماء نفس وأطباء نفس، بل وحتى خبير علم نفس من جهة الادعاء تحدثوا عن وضع صحي حرج لأسانج. "فهناك خطر الانتحار تحت ظروف الحبس الانفرادي"، كما قال مير.
وفيما يخص النطق بالحكم في الرابع من يناير/ كانون الثاني، فإن مير ينتابه القليل من الأمل: "قلت دوما بأنها محاكمة سياسية. وهذا يعني وجود ضغط سياسي وهذا يعني أنني لن أكون مفاجئا عندما توافق المحكمة على عملية التسليم".
استئناف الحكم وصولا للمحكمة الأوروبية
وكيفما جاء الحكم: فكلا الطرفين لهما إمكانية الاستئناف. وبعد المرور من مرحلتي استئناف في بريطانيا قد تصل محاكمة التسليم في النهاية للمحكمة العليا الأوروبية لحقوق الانسان. وقضية هل سيتم تسليم أسانج للولايات المتحدة قد تطول عدة سنوات. ولذلك حث خبير الأمم المتحدة لشؤون التعذيب نيلس ميلتسر في الـ 8 من ديسمبر/ كانون الأول السلطات البريطانية رسميا على إطلاق سراح أسانج فورا من السجن. ومقابل مدة محاكمة التسليم يمكن للسلطات البريطانية أن تضعه رهن الإقامة الجبرية.
وأشار ميلتسر إلى أن أسانج ليس جانيا محكوما عليه، بل يتم اعتقاله احترازيا حتى تُعرف نتيجة محاكمة التسليم. وهناك أمثلة على شخصيات بقيت تحت الإقامة الجبرية مثل الدكتاتور الشيليني أوغوستو بينوشيت الذي بقي في راحة في التسعينيات داخل بيت فاخر خارج لندن انتظارا لمحاكمة التسليم، وكان بإمكان الدكتاتور، القاتل الجماعي، استدعاء قس للقدوم إليه، بواسطة الطيران، خلال عيد الميلاد.
ماتياس فون هاين/ م.أ.م
في صور ..أسانج يعانق الحرية بعد مسار قضائي طويل
استأثر جوليان أسانج باهتمام الرأي العام العالمي منذ ظهور أولى تسريبات موقعه ويكيليكس. وفيما يعتبره البعض "باحثاً عن الحقيقة"، يراه البعض الآخر "متهورا باحثا عن الشهرة". تعرف على أبرز محطات حياة أسانج وقصته مع ويكيليكس.
صورة من: Edgar Su/REUTERS
الطفولة والزواج
ولد جوليان أسانج في عام 1971 في تاونسفيل بولاية كوينزلاند، شمالي أستراليا، وعاش طفولته في ترحال مع والديه اللذين كانا يديران مسرحاً جوالاً، حسب شبكة «بي بي سي». وتزوج أسانج وهو في سن الخمسين، من شريكته ستيلا موريس التي يرتبط بها منذ فترة طويلة في سجن بيلمارش شديد الحراسة في العاصمة البريطانية لندن.
صورة من: Dominic Lipinski/empics/picture alliance
ويكيليكس يحرج قادة العالم
استطاع جوليان أسانج من خلال موقع "ويكيليكس"، الذي أسسه عام 2006، إحراج العديد من الأنظمة السياسية والحكام والشخصيات العامة، حيث استطاع نشر آلاف الوثائق الحكومية كاشفا للرأي العام حول العالم العديد من الأسرار. ويواجه أسانج تهمة التآمر لاختراق وكشف كلمة سر جهاز كمبيوتر حكومي في الولايات المتحدة الأمريكية.
صورة من: Reuters/P. Nicholls
تسريب وثائق سرية
بدأت الحكاية عام 2010، عندما تعاون أسانج، مع شيلسا ماننج، محللة استخبارات سابقة بوحدة للجيش الأمريكي في العراق، لاختراق جهاز كمبيوتر عسكري والوصول لآلاف الوثائق الأمريكية السرية شديدة الحساسية. وتضمنت التسريبات الأولى مقاطع فيديو للضربات الجوية الأمريكية للعاصمة العراقية، بغداد، والهجوم الأمريكي على أفغانستان، وتقارير عسكرية عن الحرب الأمريكية في الدولتين، وتقارير للبعثات الدبلوماسية الأمريكية.
صورة من: picture-alliance/AP Images/S. Senne
الهروب إلى بريطانيا
بعد بضعة شهور من بدأ نشر الوثائق السرية، لاحقت السويد مواطنها جوليان أسانج بتهم بالتحرش الجنسي والاغتصاب، وهو ما نفاه أسانج معتبرا الاتهام محاولة لإرساله إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سُيحاكم بتهمة نشر أسرار عسكرية ووثائق دبلوماسية حساسة. ثم قرر أسانج في نهاية 2010 التوجه لبريطانيا وتسليم نفسه للشرطة هناك، والتي قامت بدورها بالإفراج عنه بكفالة.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Arrizabalaga
الإكوادور تنقذ أسانج مؤقتا
منحت الإكوادور حق اللجوء لأسانج، فخرق قرار إفراج الشرطة البريطانية عنه بكفاله، محتمياً بمقر سفارة الإكوادور التي لم يغادرها خوفا من الاعتقال والترحيل، وحتى بعد إسقاط السلطات القضائية السويدية تحقيقاتها في قضية التحرش والاغتصاب.
صورة من: picture-alliance/dpa/Kerimokten
لم يغادر مقره لسبع سنوات
ظل أسانج، البالغ من العمر 47 عاما، مقيما في سفارة الإكوادور بلندن منذ عام 2012 حتى قيامها بسحب حق اللجوء منه واستدعائها للشرطة البريطانية لإلقاء القبض عليه في الحادي عشر من أبريل/ نيسان 2019. فنظرا لعدم وجود معاهدة لتسليم المتهمين بين بريطانيا والإكوادور، لم تتمكن الشرطة البريطانية من إلقاء القبض على أسانج داخل مقر السفارة طوال السبع سنوات الماضية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/F. Augstein
أسانج مكبلا بالقيود
خلال حوار تليفزيوني، برر رئيس الإكوادور لينين مورينو قرار بلاده سحب اللجوء من جوليان أسانج بـ "التصريحات العدائية والمُهددة لمؤسسته ضد الإكوادور، وتدخله في الشؤون الداخلية لدول أخرى". وظهر أسانج أمام الكاميرا مكبلا بالقيود بعد إلقاء الشرطة البريطانية القبض عليه.
صورة من: Reuters/P. Nicholls
تحقيق قضائي ضد مجهول
من أشهر وثائق "ويكيليكس" ما نشره حول قيام وكالة الأمن القومي الأميركية بالتجسس على عدة شخصيات أوروبية ومسؤولون ألمان، تأتي في مقدمتهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. ليعلن القضاء الألماني فتح تحقيق "ضد مجهول" يتعلق بوقائع تجسس وأنشطة لصالح جهاز استخبارات أجنبي، إلا أن النيابة العامة الفدرالية أمرت بإغلاق التحقيقات بعد ذلك لأن الاتهامات "يتعذر إثباتها قانونيا".
صورة من: picture-alliance/dpa/O. Berg
التجسس على ميركل
كشف موقع "ويكيليكس" أيضا أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تجسست على اتصالات هاتفية بين المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بشأن التغيرات المناخية. وعلق أسانج حينها بأن "لقاءات الأمين العام للأمم المتحدة حول إنقاذ الكوكب من التغير المناخي تم التجسس عليها من قبل دولة عازمة على حماية أكبر شركاتها النفطية."
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
اتهامات موجهة نحو روسيا
نشر "ويكيليكس" أيضا رسائل البريد الإلكتروني للحملة الرئاسية لهيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي اُجريت عام 2016، بما يعتبر من العوامل التي أسهمت في عدم فوز كلينتون بالرئاسة الأمريكية. حيث أشارت الرسائل المُسربة حصول الحملة على خُطب مدفوعة الأجر، ولم يشكك فريق الحملة من جانبه في صحة الأمر. واتهمت كلا من الإدارة الأميركية وفريق هيلاري كلينتون الحكومة الروسية بالوقوف وراء الاختراق.
صورة من: Getty Images/M. Horwood
إطلاق سراح أسانج بعيدا عن الأنظار
تم إطلاق سراح أسانج من السجن في لندن يوم الاثنين 2024.06.24 دون أن يلاحظه الجمهور وغادر المملكة المتحدة على متن طائرة مستأجرة. وبعد توقفه في العاصمة التايلاندية بانكوك، توجه إلى جزيرة سايبان الأمريكية، حيث يمثل أمام محكمة بالجزيرة، ضمن اتفاق مع السلطات الأمريكية، قبل أن إطلاق سراحه بشكل كامل.
صورة من: YUICHI YAMAZAKI/AFP/Getty Images
لماذا توقف أسانج في جزيرة سايبان الأمريكية؟
مؤسس ويكيليكس توقف في جزيرة سايبان ليحضر جلسة محاكمته، ضمن اتفاق أبرم مع الولايات المتحدة في النزاع الطويل حول تسليمه. وضمن الاتفاق يقر أسانج في جلسة المحكمة بالتآمر للحصول على وثائق سرية وتوزيعها بشكل غير قانوني كجزء من صفقة مع النظام القضائي الأمريكي ويحكم عليه بالسجن لأكثر من خمس سنوات. ويتوافق الحكم مع طول الفترة الزمنية التي قضاها مسرب المعلومات بالفعل في سجن شديد الحراسة في لندن. 2024.06.26
صورة من: Eugene Hoshiko/AP Photo/picture alliance
أسانج حارج القفص
أعلنت قاضية أمريكية الأربعاء 2024.06.26 أنّ جوليان أسانج أصبح "رجلاً حرّاً" بعدما أبرم صفقة إقرار بالذنب أنهت مسلسلاً قضائياً طويلا. وإثر مثول مؤسّس موقع ويكيليكس أمام المحكمة الفدرالية في سايبان بجزر ماريان الشمالية وإقراره بذنبه بتهمة "التآمر للحصول على معلومات تتعلق بالدفاع الوطني ونشرها" قالت القاضية رامونا في. مانغلونا "بهذا الإقرار، يبدو أنّك ستتمكن من الخروج من هذه القاعة رجلاً حرّاً".
صورة من: DW
أسانج الرجل "السعيد"
رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، قال تعليقا على عودة جوليان أسانج إلى أستراليا، إنه "سعيد" لأن مؤسس موقع ويكيليكس في طريقه "للاجتماع بعائلته". وقال ألبانيز "على مدى العامين الماضيين منذ تولينا منصبنا، شاركت حكومتي ودعت إلى حل هذا الأمر على مستوى القادة." وأضاف ألبانيز "لقد استخدمنا جميع القنوات المناسبة، وكانت هذه النتيجة نتاج عمل دقيق وصبور وحازم. وهو عمل أنا فخور به جدا." 25.06.2024
صورة من: Wikileaks/PA Wire/dpa/picture alliance
أسانج يعود إلى أحضان أستراليا
يوم الإربعاء 26 يونيو حزيران 2024 أصبح جوليان أسانج مؤسس ويكليكس حرا، وعاد إلى وطنة أستراليا. وكانت زوجته ستيلا في مقدمة مستقبليه وتظهر بالصورة في عناق معه. وصل أسانج في طائرة خاصة إلى كانبيرا في ما يشكل الفصل ألأخير من هذه الرحلة التي بدأت بالافراج عنه من سجن بيلمارش في لندن وقادته إلى جزر ماريانا الشمالية الأمريكية حيث مثل أمام القضاء.وبعوداع إلى وطنه يُطوى مسلسل قضائي طويل دام 14 عاما.