محاكمة خلية يمينية متطرفة بألمانيا في قضية عنف سياسي
٣٠ سبتمبر ٢٠١٩
تبدأ في برلين محاكمة أعضاء خلية إرهابية من النازيين الجدد المتهمين بالتآمر لتنفيذ حراك سياسي عنيف في ألمانيا وسط تقارير عن توجه اليمين المتطرف الألماني إلى المزيد من الراديكالية والعمل المسلح.
إعلان
يمثل ثمانية من عناصر المجموعة المعروفة بـ"ثورة كيمنتس" تتراوح أعمارهم بين 21 و32 عاما، اليوم (الاثنين 30 أيلول/ سبتمبر 2019)، أمام القضاء بتهمة "تشكيل تنظيم إرهابي يميني متطرف"، حسب المدعين الفدراليين.
وبعد عام تقريبا من توقيف معظم المشتبه بهم في عمليات دهم منّسقة، تبدأ المحاكمة وسط حراسة مشددة في دريسدن عاصمة ولاية ساكسونيا، أحد معاقل اليمين المتطرف في البلاد، حيث تسود مشاعر النقمة في المنطقة بسبب سياسة المستشارة انغيلا ميركل الليبرالية على صعيد الهجرة والتي أدت لوصول أكثر من مليون طالب لجوء لألمانيا منذ العام 2015.
وحصل حزب "البديل لأجل ألمانيا" المعادي للمهاجرين والإسلام، على 27,5 بالمئة من الأصوات في الانتخابات المحلية في ولاية ساكسونيا في وقت سابق من الشهر الجاري، بفارق بسيط عن حزب ميركل الذي حاز 32 بالمئة من الأصوات.
وقالت متحدثة باسم المحكمة الاقليمية العليا إنّ المشتبه بهم متهمين "بالتجمع لتحقيق أهدافهم السياسية، زعزعة أسس الدولة، عن طريق أعمال عنف خطيرة".
وأشارت التحقيقات إلى أن المتهمين سعوا إلى تنفيذ "هجمات عنيفة وعمليات مسلحة" ضد المهاجرين و"خصوم" سياسيين ومراسلين وأعضاء في المؤسسات الاقتصادية في البلاد.
وتعتقد السلطات أن أعضاء التنظيم كانوا يحاولون الحصول على أسلحة نصف آلية لتنفيذ حمام دم العالم الماضي في برلين في 3 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حين تحيي ألمانيا يوم الوحدة الوطنية.
وتأمل الأجهزة الأمنية أن تكشف المحاكمة، التي من المقرر أن تستمر حتى نيسان/ أبريل 2020 على الأقل وستشهد الاستماع إلى 75 شاهدا، ما الذي تم تخطيطه بالضبط ونطاق شبكة التنظيم المتطرف.
وينتمي المتهمون إلى أوساط النازيين الجدد وحليقي الرؤوس في مدينة كيمنتس، التي كانت مسرحا لأعمال عنف عنصرية في الشوارع واحتجاجات لليمين المتطرف بعد مقتل مواطن ألماني طعنا في آب/اغسطس 2018. والشهر الفائت، حكم على شاب سوري بالسجن لمدة 9 سنوات ونصف بعد ادانته بعملية القتل.
وقال المحققون إنّه في ايلول/ سبتمبر الفائت قام خمسة من المشتبه بهم "مسلحين بزجاجات وقفازات ملاكمة وأجهزة صعق كهربائية بمهاجمة وإصابة العديد من السكان الأجانب" في كيمنتس، وأفادوا أنّ "التحقيقات كشفت أن الاعتداءات كانت اختبارا لأحداث خطط لها أحد المتهمين في 3 تشرين الاول/اكتوبر 2018".
وأوضحت التحقيقات أن المتهمين "ارادوا تحقيق ما يتخطى (عمل) الاتحاد الاشتراكي القومي"، وهي مجموعة متطرفة من النازيين الجدد تم كشفها عام 2011، قتلت 10 أشخاص وزرعت ثلاث قنابل. إلا أنّ السلطات قالت إنّها تمكنت من تفكيك الخلية اليمينية قبل أن تتمكن من تنفيذ مخططها.
وصدرت العام المنصرم، أحكام بالسجن بحق ثمانية من أعضاء تنظيم يميني متطرف أدينوا بالإرهاب ومحاولة القتل بشأن سلسلة تفجيرات استهدفت لاجئين ونشطاء مناهضين للفاشية.
وتأتي محاكمة اليوم بعد ثلاثة أشهر من قتل السياسي المحلي فالتر لوبكي رئيس اقليم كاسل (شمال شرق فرانكفورت) وهو سياسي ألماني داعم لاستقبال اللاجئين.
وحذّر وزير الداخلية الألمانية هورست زيهوفر هذا الشهر من تزايد خطر مسلحي اليمين المتطرف الذي وصفه بانه "تهديد كبير بمستوى الإسلام الراديكالي".
م.م/ ح.ز (أ ف ب)
كيف تحولت مدينة كارل ماركس السابقة إلى مسرح للتطرف اليميني؟
شهدت كيمنتس تحولا كبيرا منذ إعادة توحيد ألمانيا بدءًا بعودة اسمها الأصلي إلا أنها أمست رمزا للخوف على ديمقراطية ألمانيا وانقسام المجتمع بعدما وقعت جريمة قتل لرجل ألماني، يشتبه أن مرتكبيها هما اثنان من طالبي اللجوء العرب.
صورة من: Secunda-Vista/Fotolia.com
ثالث أكبر مدن ساكسونيا
بمساحتها البالغة نحو 220 كيلومترا مربعا وعدد سكانها البالغ نحو ربع مليون نسمة، تعد مدينة كيمنتس بعد مدينتي دريسدن ولايبزيغ الشهيرتين، ثالث أكبر مدن ولاية ساكسونيا بأقصى شرق وسط ألمانيا. وكانت واحدة من أهم مدن الصناعة في ألمانيا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
صورة من: picture-alliance/dpa
تغيير الاسم على طريقة السوفييت
اسمها جاء من نهر كيمنتس الذي يمر بها، وبنهاية الحرب العالمية الثانية تدمر نحو 90 في المائة من قلب المدينة. ومن عام 1953 وحتى 1990 في فترة ما عرف بـ"ألمانيا الشرقية" تحول اسمها لـ"مدينة كارل ماركس"، على غرار ما كان الاتحاد السوفيتي السابق يفعله من إعادة لتسمية المدن مثل ستالينغراد (فولغوغراد حاليا) ولينينغراد (سانت بطرسبرغ).
صورة من: imago/ecomedia/robert fishman
مشاهد من عصر النازية
كان برلمان كيمنتس من أوئل البرلمانات، التي سيطر عليها النازيون خلال حقبتهم، ما غير الوجه الثقافي للمدينة. وجرى اضطهاد اليهود ومصادرة أملاكهم، وحرق معابدهم في "ليلة الكريستال". ومن لم يهرب منهم خارج كيمنتس تم ترحيله أو إرساله إلى مراكز الاعتقال.
صورة من: picture alliance
تأثير سوفيتي كبير
بعد الحرب العالمية الثانية أصبح النفوذ السوفيتي واضحا في كيمنتس سواء من الناحية العسكرية أو المالية أو التعدين أو حتى الثقافة. وفي فترة الستينات كانت هناك حركة عمران كبرى. وفي السبعينات نالت شهرة في المسرح والرياضة مثل التزلج الفني على الجليد ورياضات الدرجات والسباحة ورفع الأثقال.
صورة من: picture-alliance/ ZB
مصاعب ما بعد الوحدة
رغم آلاف الشركات التي أُنشئت في كيمنتس بعد الوحدة الألمانية منذ 1990 إلا أن ذلك لم يخف لسنوات طويلة ما يعانيه السكان من بطالة. غير أن نسبة البطالة بدأت في التحسن فوصلت إلى 13 في المائة عام 2013 لتصبح الآن أقل من 8 في المائة عام 2018.
صورة من: picture-alliance/ZB
جريمة قتل تفسح الطريق لليمين المتطرف
مثل غيرها من مدن ولايات شرق ألمانيا وجد اليمين المتطرف نفسه في كيمنتس، رغم أن أعضاء حزب البديل الشعبوي والحزب القومي (النازيون الجدد) في برلمان المدينة هم أربعة فقط من بين 60 عضوا. غير أنه في ليلة السبت/ على الأحد (26 أغسطس/ آب 2018) ظهر اليمين المتطرف بقوة إثر مقتل رجل ألماني عمره 35 عاما، خلال احتفالات المدينة.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Prautzsch
الاحتشاد أمام كارل ماركس
صدر أمر باعتقال اثنين مشتبه بهما في قتله، أحدهما سوري عمره 23 عاما، والآخر عراقي عمره 22 عاما، يفترض أنهما وجها للرجل الألماني عدة طعنات. وبعدما انتشر خبر مقتله وقعت مظاهرات بعد ظهر الإثنين في قلب مدينة كيمنتس، واحتشدت مجموعات من اليمين المتطرف حول تمثال كارل ماركس.
صورة من: Getty Images/AFP/O. Andersen
صراع اليمين واليسار وهجوم على أجانب
بالتزامن مع ذلك تكونت مظاهرة مضادة من قبل الأحزاب اليسارية في نفس المكان، مما حتم تدخل الشرطة لمنع وقوع الصدام. وقام أشخاص من اليمين المتطرف بمهاجمة أجانب في كيمنتس. وفي المساء بدأت المظاهرات تهدأ بعدما أسفرت عن جرح ستة أشخاص، وتقول الشرطة إن عدد المشاركين في المظاهرات جاء أكبر من توقعاتها بكثير.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Seidel
"غير قابل للانقسام"
أظهرت تلك الأحداث مدى المخاطر التي تحدق بالديمقراطية والتعددية في ألمانيا، وتحدث سياسيون ومشاهير عن قلقهم من الانقسام، وأُعلن عن تنظيم مبادرة "غير قابل للانقسام" (unteilbar#)، من أجل التظاهر في برلين في 13 أكتوبر/ تشرين الأول، ضد الإقصاء وتأييداً لمجتمع ألماني منفتح. وستكون هناك في نفس اليوم مظاهرات في عواصم أوروبية أخرى ضد النزعة القومية. إعداد: صلاح شرارة.