محاكم دولية وخاصة: روسيا في قفص الاتهام
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
منذ الغزو الروسي لأوكرانياقبل ثلاث سنوات، أخذت الملاحقة الجنائية الدولية منحى جديدًا، إذ أُنشأت محاكم خاصة لملاحقة المتورطين في هذا الغزو الذي يعتبر انتهاكا للقانون الدولي. ويوم الأربعاء الماضي (25 يونيو/ حزيران 2025)، وقّع المجلس الأوروبي والحكومة الأوكرانية في مدينة ستراسبورغ، اتفاقية لإنشاء محكمة جديدة تتولى ملاحقة "جريمة العدوان الروسي"، والمتورطين فيها من القيادات الروسية، دون استثناء الرئيس فلاديمير بوتين. وعلى هامش مراسيم التوقيع علّق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قائلا: "لا بد من وجود تعاون سياسي وقانوني قوي لضمان تقديم كل مجرم حرب روسي للعدالة، بمن فيهم بوتين". بينما كتبت الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس على موقع إكس أنَّ "كل شبر من حرب روسيا العدوانية تم توثيقه. ولا يوجد مجال للإفلات من العقاب، ولا أحد في القيادة الروسية محصّن".
هذه المحكمة ملتزمة تشريعيّاّ بمقتضيات القانون الدولي وبقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن المقرر أن يكون مقرها في لاهاي وهو المقر ذاته للمحكمة الجنائية الدولية. الأخيرة اصطدمت بسقف تنظيمي، إذ لا يمكنها مقاضاة دول لم تصادق على نظام روما التأسيسي كما هو الحال بالنسبة لروسيا. ولهذا السبب يراد من هذه المحكمة سدّ الثغرة القانونية ومعاقبة جنائيا قرار الحرب العدوانية بمجمله، وليس فقط معاقبة الجرائم المرتكبة في هذه الحرب.
مذكرات اعتقال صادرة من المحكمة الجنائية الدولية
أصدرت في آذار/مارس 2023 المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرة اعتقال بحق فلاديمير بوتين بتهمة الاشتباه بترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني إلى روسيا. وقد وثّقت حتى الآن الحكومة في كييف اختطاف نحو 20 ألف قاصر من أوكرانيا وترحيلهم إلى روسيا خلال الحرب. بيد أنَّ منظمات حقوق الإنسان تفترض أنَّ عددهم أكبر من ذلك بكثير. وفي عام 2024، صدرت مذكرات اعتقال أخرى بحق وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف - بتهمة تنفيذ هجمات مستهدفة على البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، إضافة إلى تهم أخرى.
موازاة لذلك، رفعت أوكرانيا في عام 2022 دعوى قضائية ضد روسيا أمام محكمة العدل الدولية. التي تتعامل حصريًا مع النزاعات القانونية بين الدول، مثل الخلافات حول الحدود أو انتهاكات المعاهدات، وذلك عكس المحكمة الجنائية الدولية، التي تتصدى للأفراد مرتكبي جرائم خطيرة مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. ويقع مقر محكمة العدل الدولية أيضًا في لاهاي، وهي تابعة لهيئة الأمم المتحدة، عكس المحكمة الجنائية الدولية.
برّرت روسيا هجومها على أوكرانيا في عام 2022 بارتكاب "إبادة جماعية ضد الروس" في منطقة دونباس - وهو اتهام ترفضه أوكرانيا رفضًا تامًا. وترى في ذلك انتهاكًا روسيًا صارخاّ للاتفاقية الدولية لمنع الإبادة الجماعية، وقد رفعت شكوى قضائية بهذا الشأن. وفي آذار/مارس 2023، أكدت محكمة العدل الدولية أنَّ هذه القضية من اختصاصها، في حين لا زالت القضية الرئيسية جارية. في المقابل رفضت محكمة العدل الدولية في عام 2024 شكوى قضائية أخرى رفعتها كييف ضد روسيا عام 2017 بتهمة تمويل الإرهاب.
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان
أما في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فتوجد حاليًا قضايا عديدة مرفوعة ضد روسيا، مثلًا فيما يتعلق بإسقاط طائرة الركاب MH17 في عام 2014 فوق شرق أوكرانيا، أو أعمال القمع المستمرة في شبه جزيرة القرم منذ ضمها في العام نفسه. والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان جهاز تابع للمجلس الأوروبي. وفي أيلول/سبتمبر 2022، انسحبت روسيا من المجلس مستبقةً تهديدها بالاستبعاد. ومنذ ذلك الحين، لم يعد من الممكن تقديم شكاوى جديدة ضد روسيا إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. والشكاوى المقدمة سابقًا ما تزال قيد النظر، والأحكام الصادرة والتي سوف تصدر بشأنها تبقى سارية - على الأقل نظريًا. مع ذلك تجاهلت روسيا مرارًا وتكرارًا في الماضي أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وتجري بعض الهيئات المختصة على الصعيد الوطني - مثلًا في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وليتوانيا - تحريات على أساس مبدأ الولاية القضائية العالمية ضد جهات روسية فاعلة بسبب الاشتباه في ارتكاب جرائم حرب. ومبدأ الولاية القضائية العالمية من مبادئ القانون الدولي ويسمح للدول بملاحقة الجرائم الخطيرة بشكل خاص، حتى لو لم يكن الجاني أو الضحية أو مسرح الجريمة في هذه الدول.
محاكمات غيابية فقط
من المقرر أن تبدأ المحكمة الخاصة التي تم إنشاؤها حديثًا، عملها في الأشهر القادمة؛ ويجب أولًا تعيين القضاة والمدعين العامين. بيد أنه من المستبعد للغاية أن تتمكن من إخضاع متهمين مثل فلاديمير بوتين شخصيًا للمساءلة. بل إن الأمر مستحيل على الأقل مادام الأخير رئيسا، لأنَّ رؤساء الدول والحكومات يتمتعون خلال وجودهم في مناصبهم بحصانة قانونية. عطفا على ذلك، لا تعترف روسيا بالمحاكم الدولية، ومن تمّة من المستبعد جدا أن تقوم بتسليم المطلوبين. ما يعني أن المحاكمات سوف تكون على الأرجح غيابية.
مع ذلك، يشدد المجلس الأوروبي على أهمية إنشاء هذه المحكمة، لما "ستساهم فيه" عبر عملية جمع الأدلة وإعداد لوائح الاتهام، في "مقاضاة المسؤولين عن الأعمال العدوانية مستقبلا، سواء من قبل روسيا أو من قبل دول أخرى".
أعده للعربية: رائد الباش