تقرير غربي ـ كيف يسعى بايدن لـ"تقليم أظافر" ولي عهد السعودية
٢٨ فبراير ٢٠٢١
ربما يكون ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان قد أفلت من عقاب مباشر بعد توجيه تقرير للمخابرات الأمريكية أصابع الاتهام له في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، لكن يبدو أن تلك الجريمة ستظل تطارده وتقض مضجعه، برأي محللين.
إعلان
خلص التقرير المبني على معلومات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ورفعت الإدارة الأمريكية السرية عنه إلى أن الأمير وافق على عملية "لاعتقال أو قتل" خاشقجي، الذي قُتل في القنصلية السعودية في اسطنبول في 2018. وبقرار الرئيس الأمريكي جو بايدن نشر التقرير الذي رفض سلفه دونالد ترامب نشره يعود التركيز العام من جديد في موقف واشنطن من التعامل مع المملكة على سجلها في حقوق الإنسان وعلى مشترياتها الضخمة من السلاح الأمريكي.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن السبت إن إدارته ستصدر إعلانا يوم الاثنين (الأول من مارس/ آذار 2021) عن المملكة العربية السعودية، في أعقاب تقرير المخابرات الأمريكية، الذي خلص إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان وافق على قتل الصحفي جمال خاشقجي. وأعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية إدراج أحمد حسن محمد العسيري، النائب السابق لرئيس المخابرات العامة في المملكة العربية السعودية. بالإضافة إلى قوات التدخل السريع السعودية، بسبب دورهم في مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وبتوجيه الاتهام علنا للأمير محمد الذي يتولى فعليا إدارة شؤون المملكة جعلت واشنطن من الصعب على حلفائها الغربيين التعامل معه. لكن رغم أنها قد ترغب في تحجيم دور ولي العهد البالغ من العمر 35 عاما، فهي تدرك أنها لا تستطيع أن تتحمل قطيعة مع أقدم حلفائها العرب وقوة التوازن الرئيسية في المنطقة في مواجهة إيران.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للصحفيين "ما فعلناه ... ليس قطعا للعلاقات لكنه إعادة ضبط لها لكي تكون أكثر اتساقا مع مصالحنا وقيمنا". وقالت إليزابيث كيندال الزميلة الباحثة في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة أكسفورد إن التقرير "محرج بدرجة شديدة للسعودية" كما أنه "يضع زعماء عالميين آخرين في وضع حرج يتعين عليهم أن يقرروا فيه ما إذا كانوا سيواصلون التعامل مع ولي العهد ومتى وكيف ذلك".
مركزية حقوق الإنسان
نفى الأمير محمد ضلوعه بأي شكل من الأشكال في قتل خاشقجيالذي أدى إلى الزج بثمانية أشخاص في السجن في السعودية العام الماضي لكنه قال إنه يتحمل المسؤولية النهائية لأن الجريمة حدثت وهو في موقع السلطة. وفرضت الإدارة الأمريكية عقوبات على 76 سعوديا من بينهم معاونون مقربون من الأمير لكنها استثنت ولي العهد نفسه. غير أن بايدن أشار إلى أنه سيبحث بصفة أعم وضع حقوق الإنسان في السعودية التي سحق فيها ولي العهد المعارضة وعمل على تحييد خصومه أو الزج بهم في السجون وبعضهم من أقرب أقاربه في إطار حملته لإحكام قبضته على السلطة.
وقال بايدن يوم الجمعة إنه أوضح في مكالمة مع الملك سلمان أن قتل المعارضين السياسيين غير مقبول وأنه لابد من معالجة انتهاكات حقوق الإنسان. وقد أفرجت السلطات السعودية بالفعل بكفالة عن اثنين من الناشطين السعوديين يحملان الجنسية الأمريكية وذلك لحين تقديمهما للمحاكمة. كما أخلت سبيل الناشطة لجين الهذلول المدافعة عن حقوق المرأة بعد أن قضت قرابة ثلاث سنوات في السجن حيث قال أقاربها إنها تعرضت للتعذيب، غير أن السلطات نفت ذلك.
وقال مصدر مطلع على آراء الأجهزة الرسمية في الرياض إن هاتين الخطوتين جاءتا "في إطار الدفع من أجل علاقة جديدة مع إدارة بايدن". وكان الاتصال الهاتفي بالملك سلمان برهانا على نية بايدن المعلنة العودة إلى البروتوكول المعتاد بالتواصل مع العاهل السعودي وليس ولي العهد. وقال دبلوماسي غربي في الرياض إن هذه الخطوة "رمزية بما يكفي لإظهار أن ترامب وضع الأمير محمد في مكانة لا يستحقها ولا تلائمه وأن الوقت قد حان لإعادته إلى مكانه الصحيح".
المصالح المشتركة ليست في خطر
ربما يتجاوز بايدن الخطوات الرمزية، إذ أشارت إدارته إلى أنها ربما تلغي مبيعات أسلحة للسعودية التي تعد من أكبر مشتري السلاح الأمريكي إذا كانت تمثل مصدرا للقلق فيما يتعلق بحقوق الإنسان وربما تقصر صفقات السلاح المستقبلية على الأسلحة "الدفاعية" فقط. كذلك رفعت واشنطن الحظر الذي فرضه ترامب على التعامل مع حركة الحوثي المدعومة من إيران والتي أطاحت بالحكومة اليمنية المدعومة من السعودية وتخوض حربا الآن مع القوات السعودية وحلفاء المملكة. فقد دفعت الحرب الملايين إلى صفوف المعوزين على شفا المجاعة وتريد واشنطن إنهاء ذلك الوضع.
غير أن بايدن مازال يتحسس خطاه. فالملك سلمان في الخامسة والثمانين من عمره ومعتل الصحة وربما يتولى ابنه السلطة في السعودية أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم والحليف المهم في مواجهة إيران الخصم المشترك منذ عشرات السنين. وقال نيل كويليام الزميل في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية إن التقرير يمثل "انتقادا قويا" غير أن واشنطن ستظل المصدر الرئيسي للدفاع والأمن بالنسبة للمملكة رغم اكتساب العلاقات طابعا أكثر رسمية. ويرجع التحالف السعودي الأمريكي إلى عام 1945 عندما التقى الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود على ظهر فرقاطة تابعة للبحرية الأمريكية ووعد بحماية عسكرية مقابل تيسير الاستفادة من احتياطيات النفط السعودية. وقال دبلوماسي غربي في الرياض ببساطة "المصالح المشتركة لن تكون في خطر".
ح.ز/ م.س (رويترز)
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
فاجأت السعودية العالم بخبر إلغاء عقوبة الجلد في قضايا التعزير وعقوبة الإعدام بحق القصر. لكن هل ستنعكس هذه الإصلاحات على أرض الواقع؟ وماذا عن سجناء الرأي الحاليين؟
صورة من: Getty Images/M. Ingram
إلغاء عقوبة الإعدام بحق القاصرين
بعد عدة ساعات على قرار إلغاء عقوبة الجلد في قضايا التعزير، أعلنت السعودية أيضاً إلغاء حكم الإعدام بحكم المدانين القصّر واستبداله بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات في منشأة احتجاز للأحداث. وجاءت هذه القرارات لتساعد "على صياغة قانون للعقوبات أكثر عصرية" بحسب ما تناقلته وسائل إعلامية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Nabil
محاولة للتجميل بعد مقتل خاشقجي؟
جاء ترحيب الحقوقيون ومنظمات حقوق الإنسان بهذه القرارات بشكل حذر، حيث اعتبر غيدو شتاينبيرغ من مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) ببرلين أن هذه القرارات صحيحة، ولكنها لا تعبر بالضرورة عن إتجاه إصلاحي في السعودية وقال: "إنها محاولة لتلميع صورة الدولة". وكانت سمعة المملكة على الساحة الدولية تراجعت بشدة بعد قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/L. Pitarakis
محاولة لكسب الغرب
ويرى غيدو شتاينبيرغ أن السعودية تهتم بشكل خاص بسمعتها في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، إلا أن ولي العهد محمد بن سلمان مازال يحكم بقبضة من حديد. فالإصلاحات التي قام بها صاحبتها إجراءات قمعية لكل معارضة داخلية. ولم تسلم العائلة المالكة نفسها من هذه الإجراءات.
صورة من: Reuters/Courtesy of Saudi Royal Court/B. Algaloud
شخصيات بارزة رهن الإعتقال
وطالت الإجراءات القمعية في السعودية أيضاً أفراد بارزين من العائلة المالكة، حيث شهدت أواخر شهر مارس/آذار حملة جديدة من الإعتقالات شملت إبن عم محمد بن سلمان وولي العهد السابق محمد بن نايف (يسار الصورة) بتهمة "الخيانة وتدبير انقلاب". وبحسب شتاينبرغ فإن هذه رسالة للجميع بأن أي معارضة سياسية لن يتم التسامح معها.
صورة من: picture-alliance/abaca
رسالة للعائلة المالكة
كما قام ولي العهد السعودي بإبعاد أي منافس محتمل له من العائلة المالكة عن طريق حملات توقيف بحق أفراد من العائلة ومنهم متعب بن عبد الله، وهو رئيس الحرس الوطني السعودي السابق. ويقول شتاينبيرغ: "يريد محمد بن سلمان إرسال إشارة للعائلة أن المملكة لديها حاكم جديد، وانهم يستطيعون الحفاظ على إمتيازاتهم بشرط عدم إظهار أي معارضة".
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Yalcin
الأميرة السجينة بسمة بن سعود
يعرف عن الأميرة بسمة بنت سعود أنها ناشطة في مجال حقوق الإنسان ومعارضة للممارسات القمعية ضد المرأة في السعودية. في عام 2019 إختفت الأميرة دون أثر، لتظهر منذ فترة قصيرة بنداء استغاثة اطلقته عن طريق خطاب طالبت فيه بإطلاق صراحها. وكتبت الأميرة البالغة من العمر 56 عاماً أنه يتم احتجازها دون موافقتها وبدون سند قانوني في سجن الحاير السعودي.
صورة من: Getty Images/M. Ingram
الناشطة لجين الهذلول
قبل إطلاق سراحها في شباط/ فبراير 2021 تعرضت الناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة للسجن ثلاث سنوات بتهم من أبرزها "التآمر" مع جهات أجنبية. وبحسب تصريحات أختها لينا، فقد تعرضت لجين للتعذيب والتحرش الجنسي خلال الحبس. وقالت عائلة لجين أنها تلقت خلال السجن عرضاً بإطلاق سراحها بشرط قيامها بنفي التعرض للتعذيب.
صورة من: Getty Images/AFP/Facebook/Loujain al-Hathloul
محاولة للإلهاء
يرى مراقبون أن قرارات إلغاء عقوبتي الجلد والإعدام جاءت كمحاولة لإلهاء الناس عن خبر وفاة الناشط الحقوقي عبد الله الحامد (يسار الصورة) في السجن. وكان الحامد توفي منذ أيام قليلة بسبب جلطة دماغية لم يتلق بعدها العناية الطبية الكافية بحسب ما تناقلته التقارير الإعلامية. ومازال الناشطان الحقوقيان وليد أبو الخير ومحمد فهد القحطاني (يمين الصورة) في السجن بسبب نشاطهما السياسي.
صورة من: picture-alliance/dpa/right livelihood award
رائف بدوي
يُعد رائف بدوي أحد أكثر معتقلي الرأي شهرة في السعودية. وكان المدون والناشط الحقوقي أُعتقل في عام 2013 بتهمة "إهانة الإسلام" وحُكم عليه بألف جلدة وبالسجن عشر سنوات. وتسبب تنفيذ حكم الجلد عليه علناً في إثارة انتقادات دولية واسعة للسعودية. يقول شتاينبرغ أن رد الفعل هذا قد يكون سبباً في إلغاء عقوبة الجلد، ولكنه ينبه:" ليس معنى ذلك أنه سيتم إطلاق سراحه الآن".
صورة من: picture-alliance/dpa/empics/Canadian Press/P. Chiasson
سمر بدوي
تقبع سمر بدوي، أخت رائف بدوي، ايضاً في السجن منذ 2018، ومعها نسيمة السادة، وهما من الناشطات في مجال حقوق الإنسان في المملكة. وكانت السلطات شنت في 2018 حملة إعتقالات على مجموعة من الناشطات، تم بعدها الإفراج عن بعضهن مثل أمل الحربي وميساء الماعن، بينما تنتظر الأخريات، مثل سمر ونسيمة، البت في قضيتهن.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Wiklund
سلمان العودة
يعد الداعية سلمان العودة أحد الدعاة الدينيين السلفيين المعتدلين والمعروفين على الساحة، وهو قريب من جماعة الإخوان المسلمين التي تحظرها السلطات السعودية. يعرف عن العودة انتقاده للسياسات الداخلية والخارجية للمملكة، وفي 2017 حُكم عليه بعقوبة الإعدام، إلا أن الحكم لم ينفذ حتى اليوم.
صورة من: Creative Commons
علي محمد النمر
بعد إلغاء عقوبة الإعدام بحق القُصر تتجه الأنظار لعلي محمد النمر الذي أعتقل وهو في السابعة عشرة من عمره بسبب مشاركته في مظاهرات تطالب بالإصلاح وإطلاق صراح سجناء الرأي في 2012. وكان عمه نمر النمر أحد الدعاة الشيعة البارزين في السعودية. ويتوقع خبير شئون الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ أن حكم الإعدام لن ينفذ بحق علي محمد النمر، لكنه سيبقى في السجن.