مخاوف المهاجرين العرب من تشديد قوانين الهجرة في ألمانيا
٢ أكتوبر ٢٠٢٤كعادته عاد أدم من المدرسة مباشرة إلى المنزل بعد انتهاء اليوم الدراسي. لكن تلك المرة فور وصوله للبيت، توجه الطفل البالغ من العمر 10 سنوات إلى والده ليخبره بالقرار الذي اتخذه: ”بابا، عندما يتولى حزب البديل الحكم، سأغادر ألمانيا معك لأنهم لن يقبلوا بلون بشرتك أو دينك".
أدم، والده مصري وأمه ألمانية، ورث عنها الملامح العربية والشعر الأشقر. إلا أن القلق تملك الطفل خوفًا على مصير والده المسلم صاحب الملامح المصرية والبشرة السمراء، بعد سماعه في المدرسة أخبار نتائج حزب البديل اليميني في الانتخابات والحوادث الإرهابية في مدن ألمانية وتشديد قوانين الهجرة.
ويحكي الباحث السياسي أحمد خليفة، والد أدم، في حوار أجراه معه مهاجر نيوز: ”كان سماع هذا من طفل أمرًا مثيرًا للقلق، وهو تذكير صارخ بمدى تأثير هذا النوع من القضايا حتى على أصغرنا سنًا".
وتشهد ألمانيا حالة من الجدل بعد موافقة الحكومة الألمانية موخرًا على تفاصيل حزمة أمنية جديدة ”لمواجهة الإرهاب الإسلاموي والتصدي للهجرة غير النظامية وتشديد قوانين حيازة الأسلحة وتشديد معايير استبعاد الأفراد من وضع طالب لجوء أو لاجئ". وينظر البرلمان الألماني "بوندستاغ" حاليًا في مشروع قانون لتنفيذ تلك الإجراءات، ولكن مازالت المفاوضات بين الحكومة والمعارضة متعثرة بشأن تشديد سياسات اللجوء والهجرة.
مجموعات متطرفة ”مؤثرة"؟
جاء خليفة إلي ألمانيا بعد انتقال والده للعمل في إحدى الشركات الألمانية خلال السبعينات بسبب حاجة سوق العمل حينها للأيدي العاملة الأجنبية، ومنذ ذلك الحين عاش أغلب حياته متنقلًا ما بين مصر وألمانيا. ويقول خليفة: ”تربيت في ألمانيا واندمجت بها وتزوجت من ألمانية وأولادي ألمان، ولكن في النهاية خوفي يزيد بسبب اتساع دائرة التطرف اليميني ووصوله إلى مواقع سياسية وامتداده لدول أوروبية والولايات المتحدة".
ولا تقتصر مخاوف خليفة على اليمين فقط حيث يخشى كذلك مما وصفه بـ"التطرف الإسلامي الذي يثير الخوف ويحد من الحريات"، على حد تعبيره. ويوضح قائلًا: ”حاليًا تظهر هذه المجموعات المتطرفة على الجانبين ويزيد حجمها وتؤثر على ملفات كثيرة كالهجرة والأمن والحريات".
وبعد الهجوم الأخير في مدينة زولينغن الألمانية الواقعة بولاية شمال الراين ويستفاليا، والذي اعترف طالب لجوء سوري بتنفيذه وأسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ثمانية آخرين، تعالت الأصوات المطالبة بتشديد إجراءات اللجوء والهجرة بهدف مواجهة الإرهاب.
وفي حوار أجراه مهاجر نيوز، حذرت نائبة مدير مركز لايبنتز للشرق الحديث Leibniz Zentrum Moderner Orient الدكتورة سونيا حجازي من الانتشار المتسارع لمشاعر الخوف في المجتمع حيث تقول: ”مجموعات اليمين المتطرف ترغب في نشر الخوف، وكذلك مجموعات الإرهاب الأصولي ترغب في نشر الخوف، وغالبية المواطنين محاصرون في الوسط بين تلك المجموعات الهامشية على الجانبين. هي مجموعات هامشية لأنها تقع في أطراف المجتمع، لكنها تكتسب قدرة متزايدة على تشكيل النظرة العامة للمهاجرين والمسلمين في ألمانيا".
النظر للمهاجرين باعتبارهم ”مشكلة"!
ومنذ هجوم زولينغن، وقبلها واقعة مقتل ضابط شرطة بمدينة مانهايم غربي ألمانيا جراء طعنه على يد لاجئ أفغاني، زادت الضغوط على الحكومة الألمانية سواء لتسهيل إجراءات طرد المهاجرين الذين يرتكبون جرائم خطيرة أو للحد من أعداد طالبي اللجوء المسموح لهم بدخول ألمانيا.
وكانت وزيرة الداخلية نانسي فيزر قد صرحت بأن ”زيادة الهجرة ساهمت في ارتفاع معدلات الجريمة"، إذ كشفت تقارير لوكالة التحقيقات الجنائية الفيدرالية BKA زيادة ملحوظة في أعداد المشتبه بهم من الأجانب في ألمانيا بنحو 2.3 مليون شخص. وفي خطاب أمام البرلمان الألماني، أكد المستشار أولاف شولتس على ضرورة تغيير النهج المتبع في التعامل مع الأشخاص الذين يرتكبون جرائم خطيرة في ألمانيا أو يشكلون تهديداً إسلاموياً، علي حد تعبيره. وقال شولتس: ”يثور استيائي حينما يرتكب أحدهم جرائم هنا للبحث عن الحماية لدينا. يجب ترحيل هؤلاء الجناة، سواء كانوا من سوريا أو أفغانستان".
ويثير الوضع مخاوف المهاجرين، وخاصة القادمين من دول عربية أو إسلامية، حتى إن كانوا حاصلين بالفعل على حق الإقامة أو حق اللجوء في ألمانيا. وفي حوار أجراه مهاجر نيوز، عبر مهندس البرمجيات محمد رامي (اسم مستعار) عن قلقه من التوجه الحالي للحكومة الألمانية نحو تشديد سياسات الهجرة.
ولا يتوقع رامي أن تتسب التعديلات المتوقعة على قانون الهجرة في التأثير بالسلب على علاقته الرسمية بالدولة لحرصه طوال الوقت على أن تكون جميع أوراقه سليمة، على حد تعبيره. وإنما يأتي التخوف الأكبر لدى المهندس المصري الذي لم يحصل حتى الآن على الجنسية الألمانية، من المجتمع نفسه حيث يقول: ”لفترة طويلة اعتبرت أصوات يمينية أن المهاجرين يمثلون مشكلة في المجتمع، وكانت الحكومة الألمانية ترفض أو تنفى دائمًا هذا الاتهام. ولكن الآن مع تغير موقف الحكومة، تتأكد لدى البعض الادعاءات بأن المهاجرين يمثلون مشكلة، وهو ما ينتج مشاعر غضب نحو وجودي كشخص في المجتمع هنا".
وحتي من قبل الأحداث الأخيرة، أكد نحو 44 بالمئة من الألمان على ضرورة أن يكون الحد من الهجرة على رأس أولويات الحكومة خلال عام 2024، وفقًا لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة تحالف الديمقراطيات البحثية.
بحثًا عن الحقوق والحريات…
وتؤكد نائبة مدير مركز لايبنتز للشرق الحديث الدكتورة سونيا حجازي على أهمية تعريف المجتمع بأسباب قدوم المهاجرين واللاجئين إلى ألمانيا وتذكيرهم دومًا بها للمساعدة في الحد من التوجه العدائي للبعض ضد المهاجرين. وتوضح قائلة: ”يأتي الغالبية العظمى من المهاجرين والمسلمين للتمتع بالحقوق التي لا يحصلون عليها في بلدان كسوريا وإيران على سبيل المثال. يجب أن يكون الجميع على دراية بأن المهاجرين يعون مميزات الحقوق المدنية والمشاركة الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتمتعون بها في ألمانيا".
ويعترف مهندس البرمجيات محمد رامي (اسم مستعار) بأن ما يربطه بألمانيا الآن هو مجموعة من المميزات الاقتصادية التي يحصل عليها بحكم عمله هنا، ولكنه يرى أن الحقوق والحريات أصبحت مهددة حيث يقول: ”أشعر وكأن هناك توجه عام قوي نحو الفصل بين مجموعتين من الشعب، إذ تعترض مجموعة على وجود الأخرى. وأتوقع أن تتنازل الحكومة عن بعض حقوق الأجانب بهدف كسب أصوات الناخبين الألمان الذين يشعرون بالضيق من المهاجرين وبدأو يميلون نحو أحزاب اليمين".
وحقق حزب البديل اليميني الشعبوي نتائج متقدمة في الانتخابات المحلية الأخيرة بولايتي تورينغن وسكسونيا في شرق ألمانيا. وإلى جانب حزب البديل، صوّت الناخبون أيضا لصالح حزب ”تحالف سارة فاغنكنيشت" الجديد، والمؤيد لتشديد سياسات الهجرة.
ويربط الباحث المصري الألماني أحمد خليفة الوضع باقتراب موعد الانتخابات العامة المقرر عقدها بنهاية شهر سبتمبر/ أيلول من العام المقبل. ويقول خليفة: ”هي محاولة من قبل المعارضة لإثبات أن الحكومة الحالية غير ناجحة في ملف الهجرة، وهذا الأمر دائمًا ما يحدث قبل الانتخابات. الجدل الحالي بشأن الهجرة ليس بالأمر الجديد في ألمانيا فهو يحدث بشكل مستمر".
مخاوف مبررة؟
وتوافق حجازي على أن ما يحدث ليس نتاج لحوادث الطعن الأخيرة فحسب حيث تقول: ”ننظر أحيانًا إلى الوقائع الأحدث الموجودة أمام أعيننا فقط. أما بالنسبة للمتابعين لتطور النظرة للمسلمين والمهاجرين في أوروبا، فهي قضية مطروحة لأكثر من 30 عامًا من بعد سقوط الاتحاد السوفييتي".
ويذكر الباحث المصري الألماني أحمد خليفة أنه على الرغم من التطورات المتلاحقة في ملف الهجرة بسبب الضغط الواقع على الحكومة ومطالبتها بالتصرف سريعًا، مازال هناك ”عوائق قانونية ودستورية تحول مؤقتًا دون تطبيق كافة إجراءات الحزمة الأمنية المقترحة".
وصرح نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المستشار أولاف شولتس الاشتراكي الديمقراطي، ديرك فيزه، بأن عمليات الطرد أو الاستبعاد ستكون ”آمنة من الناحية القانونية".
ومع ذلك يخشى خليفة من أن يتسبب الضغط الحالي على صناع القرار في الاستجابة للأصوات المحرضة ضد الأجانب و تشديد قواعد اللجوء والهجرة ”خوفًا من العواقب السياسية، رغمًا عن العواقب القانونية".
دينا البسنلي