مخاوف من انفراد النظام القديم والإخوان بتعديلات الدستور المصري
١٦ فبراير ٢٠١١بعد إعلان المجلس العسكري الحاكم في مصر أسماء اللجنة المنوط بها إجراء التعديلات الدستورية الجديدة برئاسة المستشار طارق البشري ثارت ردود فعل متشائمة حول مدى حيادية اللجنة وكفاءتها. ناصر أمين مدير المركز العربي لإستقلال القضاء يرى في حوار مع دويتشه فيله أن اختيار المستشار طارق البشري رئيسا للجنة، وعضوية د عاطف البنا استاذ القانون الدستورى بكلية الحقوق جامعة القاهرة القريبين من جماعة الإخوان المسلمين، وعضوية النائب الإخواني السابق صالح صبحي، هي مبعث قلق الكثير من المنظمات الحقوقية من سيطرة طرف إيدولوجي وحيد علي اللجنة المكونة من سبعة أشخاص، في حين تمثل الوجوه الأربعة الأخري سيطرة خبراء قانونيون محسوبون علي النظام، بل وشاركوا من قبل صياغة تعديلات دستورية مشوهة شهدها العامين 2005 و 2007.
ويكمل ناصر ملاحظاته قائلا إن الاختيار لم يتضمن اللجوء الى المحكمة الدستورية بصفتها المؤسسية بشأن تشكيل واختصاصات هذه اللجنة، بل تم الاكتفاء برأى رئيس المحكمة بشأن بعض الأعضاء واختيار أعضاء من المحكمة ، دون ثمة موافقات أو حتى إبداء رأي بالنسبة لمن تم اختيارهم من السادة قضاة المحكمة، كما أن تشكيل اللجنة قد افتقر لوجود فقهاء القانون الدستورى المستقلين، والذين يجمع عليهم المجتمع و لايتنسبون لأى توجه أو تيار سياسي كان مثل د. أحمد كمال ابو المجد ،أو د. ابراهيم درويش ، ود يحيى الجمل.
الشفافية حق الشهداء
المستشارة تهاني الجبالي نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا تلفت الإنتباه في حوار مع دويتشه فيله إلي ماتراه"أجندة مفتوحة" لهذه اللجنة، فهي لم يحدد لها مواد بعينها لتعديلاها، كما أن توجهاتها لاتتكامل مع مابدأته اللجنة السابقة التي شكلها نائب رئيس الجمهورية السابق، في حين يتم الحديث الآن في غرف مغلقة بعيدا عن الجدل المجتمعي الكبير الذي تشهده مصر بعد الثورة، فمن حق الرأي العام الذي شارك فيها أن يكون طرفا حقيقيا في هذه التعديلات، لامجرد القوي السياسية المنوعة المشاركة فيها، وتري أن مشاركة متخصصين سابقين في تعديلات دستورية كانت جزءا من المشكلة الدستورية يعد حرثا في الماء، مع تقديرها البالغ والشخصي لأسماء أعضاء اللجنة، فثورة شارك بها الملايين لايمكن أن يصوغ طموحاتها بنية فوقية ونخبوية تحقق فوائد لدوائر متنفذة، سواء في النظام السابق أو في تركيبة السلطة الجديدة.
وتؤكد أول قاضية مصرية علي ضرورة الإفصاح والشفافية فيما يخص نوعية المواد الجاري تعديلاها، وهل ستكون تعديلات تخضع لإختيار شعبي؟ أم هي تعديلات نهائية؟ خاصة وأن مارشح من معلومات يؤكد إستمرار التعديل علي نص دستور 1971، ورغم خلو اللجنة من أي تمثيل نسائي إلا أن الموقف الجنسي لأعضاءها لايهمها، بل ولا يهمها أصلا أسماء الأشخاص، فثورة المصريين شارك فيها النساء والرجال، مسلمين ومسيحيين، إخوان وشيوعيين، ومن ثم لابد من تكريس فكرة المكاشفة بدلا من الإستمرار في تهميش الفئات والتيارات والتنوع الذي أعطت لهؤلاء رخصة التعديل بإسم الشعب.
لجنة بصلاحيات تكتيكية مؤقتة
وعلى خلاف ردود الفعل المتشائمة لا يجد خبير الشئون البرلمانية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية عمرو هاشم ربيع مبررا للتخوف من هذه اللجنة، حتي لو كان كل أعضاءها من الإخوان، فمهامها من وجهة نظره لن تتجاوز تهيئة المناخ التشريعي لبعض التعديلات في المواد المعطلة لإطلاق الديمقراطية، مثل المواد 76، و77، و88، و179و189، بل إنها ستضع لجنة تأسيسية لصياغة دستور جديد، فالدستور القائم لايتضمن موادا تستطيع الإنقلاب عليه من بنيته الداخلية، والتعويل المبالغ فيه عليها يفارق الصواب. وأضاف "هذه تعديلات تتكيف مع الوضع الإنتقالي للسلطة".
ويضيف في حواره للدويتشه فيله أن هذه اللجنة لن تقترب أصلا من المادة الثانية التي تري في الشريعة الإسلامية مرجعية عليا وأن الإسلام دين الدولة، ليس لأن أعضاؤها من الإخوان بل لأنها لاتملك صلاحيات من هذا النوع، وربما تعيد صياغة المادة الخامسة التي تمنع قيام أحزاب علي أساس ديني بما يسمح بقيام حزب للجماعة دون التضحية بمفهوم المواطنة مثلا.
فالمواد المقترح تعديلاها ستعمل علي تفتيت الثقل النسبي لرئيس الجمهورية، ثم ستهتم أكثر بتهيئة المجال لإنتخابات تشريعية نزيهة تحت إشراف القضاء، كذلك مايتعلق بها من قوانين، فإحدي عيوب الدستور الحالي من وجهة نظر الباحث المصري هو حزمة المواد التي تعتمد علي قوانين فرعية. وقال ربيع في هذا السياق "لن يستثنوا مثلا من تعديل المادة 88 قانون مباشرة الحقوق السياسية المرتبط به، وسيتم التأكيد علي تكوين الأحزاب بالإخطار لا بقرار لجنة شئون الأحزاب كما هو جاري الآن".
"البشري كان مرشحا لمنصب المرشد العام لجماعة الإخوان"
الناشط السياسي وعضو "مصريون ضد التمييز الديني" سامر سليمان يري أن إختيارات أعضاء اللجنة تنم إما عن عدم معرفة بالخريطة السياسية أو إشارة لمستقبل الإرتداد على الثورة، فاختيار المستشار طارق البشري الذي رشحه شباب الإخوان مرشدا عاما للجماعة في الإنتخابات الأخيرة، رئيسا لهكذا لجنة هو أمر مريب، خاصة وأن اللجنة الأولى التي شكلها الرئيس السابق حاولت التلميح بتوازن سياسي ما، كما أن الإشارات الخارجة من اللجنة الجديدة لا تبين حقيقة صلاحياتها، وحيث أن لا مجال لمواجهة مثل هذا التكوين لا نملك إلا تسجيل موقف الشك، أما عن علاقة الجيش بهذه الإختيارت فهي نابعة من إحتمالين لا ثالث لهما، الأول تؤكده المؤشرات وهو عدم خبرة المجلس الأعلي بالمجال العام ومنه المجال القانوني، ويحتمل أن اختيار اللجنة جاء عن طريق توصيات من أشخاص يثق الجيش في إختيارتهم، أما الاحتمال الثاني فهو أن يكون ذلك بداية لانفراد تحالف الجيش والإخوان بالدولة، رغم أن هذا الإحتمال ينفيه كون المجلس الأعلي لم يعرف عنه ميل أي من أعضاءه لتيار الإسلام السياسي، ويضيف أن قوى كثيرة شاركت في الثورة لن ترضي أن يحصد الإخوان أو بقايا النظام وحدهم حصاد التخطيط للقادم.
هاني درويش – القاهرة
مراجعة: هيثم عبد العظيم