روسيا تقاتل إلى جانب الرئيس السوري الأسد بقوة مقاتلي المعارضة في سوريا وخصوصا في مدينة حلب. ويتضح جليا مع مرور الزمن أن الحملة العسكرية الروسية لا تقتصر على سوريا وحدها، بل إن لموسكو أهدافا أخرى.
إعلان
25 قتيلا في حلب و24 ضحية في حماة و5 آخرون في دمشق. نظرة على الموقع الإلكتروني لـ "المرصد السوري لحقوق الإنسان" تشبه النظرة إلى مقياس فواجع الحرب السورية. فالمرصد السوري المقرب من المعارضة السورية المعتدلة والمعترف به كمركز مراقبة موثوق به دوليا، يدون منذ سنوات أرقام القتلى. وهذا ما قام به المرصد في الأيام الأخيرة على ما يبدو في وتيرة سريعة لمواكبة قوة القصف الجوي السوري الروسي المتكرر.
فبعد فشل الاتفاقية الأمريكية الروسية لوقف إطلاق النار، يشن الجيش السوري وحلفاؤه حملة عسكرية أكثر شراسة ضد مقاتلي المعارضة. والواضح أن النظام السوري يريد كسب الأرض. كما أنه من الواضح أنه لن ينجح في تحقيق ذلك من الجو فقط. فطائرات الهيلكوبتر تقصف هي الأخرى، والمخطط يرمي إلى تقطيع المدينة (حلب) إلى أجزاء صغيرة لعزل المقاتلين فيها.
رسالة حلب
والحملة العسكرية الشرسة لا تعني فقط اقتلاع حلب بكل الوسائل دون رد أي اعتبار للمدنيين من يد مقاتلي المعارضة، بل هي تنطوي على رسالة من روسيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. روسيا توطد مكانتها في سوريا، وبأنها جاءت للبقاء. وفي ميناء طرطوس ترسو أيضا سفن البحرية الروسية، وفي مطار اللاذقية يتمركز سلاح الجو الروسي الذي جلب إلى سوريا أنظمة الدفاع الجوي من نوع إس 300 وإس 400 التي لا تُستخدم فقط ضد الطائرات، بل هي قادرة أيضا على اعتراض الصواريخ، وبذلك تسيطر روسيا على المجال الجوي السوري.
والتخمينات الأمريكية لفرض مناطق حظر الطيران لا تتعدى أن تكون مخططات تجميلية. وحتى التفكير في تسليح مقاتلي المعارضة لم يعد مجديا. "فبعد مئات الآلاف من القتلى لا يمكن للأمريكيين أن يقاتلوا الروس حتى آخر سوري"، هذا ما كتبه المحلل السياسي مروان بشارة على الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة.
ويبدو أن سوريا قد تتطور إلى أرض لحرب بالوكالة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. ولن يتطور الأمر إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين، كما يعتبر مروان بشارة.
حملات دبلوماسية في الشرق الأوسط
ويبدو أن سوريا لا تمثل في هذا السيناريو سوى لبنة لتقوي روسيا وجودها مجددا في الشرق الأوسط. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين زار تركيا مؤخرا بعد فترة فتور استمرت زهاء سنة واحدة للتوقيع مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على بناء خط أنابيب نفط بين البلدين. ومع مصر الحليف السابق من أيام جمال عبد الناصر يُتوقع إجراء مفاوضات حول تعاون أمني. وحتى مع إسرائيل حسنت روسيا علاقاتها، بل يتم الحديث حاليا عن تنظيم جولة مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين في موسكو.
وروسيا تقيم على كل حال من خلال الحملة العسكرية المشتركة في سوريا علاقات وثيقة مع إيران. والتفاهم الذي أحرزته إيران مع الدول الغربية حول برنامجها النووي يمكنها من توطيد تقاربها مع موسكو. ويبدو أن طهران غير منزعجة من أن تجري موسكو محادثات مع عدوها اللدود السعودية حيث يُسجل أن الغرب يعرب عن انتقاد متزايد للتحالف الدولي الذي تقوده السعودية في اليمن.
ونظرا لأكثر من 10.000 ضحية التي تسببت فيها تلك الحرب التي تفجرت قبل سنة ونصف السنة، يتم الحديث في بريطانيا عن حظر لصادرات الأسلحة إلى المملكة السعودية. وعلى هذا الأساس ينصب اهتمام الرياض على البحث عن شركاء ومصدري أسلحة جدد.
إغراء النفط
ولاحظ بوريس رايتشوستر الخبير في شؤون روسيا أن الرئيس بوتين يتفوق على منافسيه في سوريا وبقع أخرى، وقال إن أوباما وأتباعه لم يعودوا فاعلين، بل يردون فقط. ويبدو أن ممارسة القوة المصحوبة بحملات دبلوماسية تأتي بالثمار في الشرق الأوسط. وإلى حد الآن كان يُفترض فقط أن روسيا تريد تقديم نفسها من جديد كقوة عالمية. لكن يظهر مع مرور الأيام أن الرئيس بوتين يتطلع إلى ما هو أكثر.
فصحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية الرصينة كتبت أن "روسيا تريد التموقع مجددا كقوة رائدة في الشرقين الأدنى والأوسط". والفرص جيدة لذلك أكثر من ذي قبل منذ تراجع التزام الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. وحتى أسباب روسيا لتطبيق ذلك واضحة. فالمنطقة المتاخمة لأوروبا وإفريقيا وآسيا ليست لها أهمية من الناحية الإستراتيجية فقط، بل هي على مستوى العالم أكبر خزان للموارد الطبيعية في العقود المقبلة.
كرستن كنيب/ م.أ.م
في صور: معارك بلا هوادة وحرب بلا نهاية - حلب تحت النار
صورة من: Reuters/A. Ismail
"ماذا بقي من حلب؟"، لعل هذا السؤال الذي يطرحه هذا الطفل الذي يتأمل ما خلّفه القصف المتواصل على المدينة الجريحة المنكوبة؟ أو فقط لعله يتساءل عما بقي من بيت أهله وأين سيقضي ليلته دون سقف قد لا يقيه راجمات الأسد ولا قاذفات حلفائه الروس. في غضون ذلك، تتواصل معاناة عشرات الآلاف من سكان حلب...والعالم لا يحرك ساكنا!
صورة من: Reuters/A. Ismail
حتى عندما قصفت الصواريخ التي أطلقتها قوات الأسد مدعومة بقوات روسية المستشفيات، على غرار مستشفى ميم 10 والمعروف باسم "مستشفى الصخور" الواقع في شرق حلب وقُتل اثنان من المرضى وأصيب العشرات منهم، لم يحرك العالم ساكنا. البعض ندد وناشد... والأسد - مدعوما بحلفائه روسيا وإيران وحزب الله - يواصل الحرب على شعبه.
صورة من: Reuters/A. Ismail
وفيما تتفاقم معاناة المدنيين، تحتفل قوات الأسد بتقدمها على حساب فصائل المعارضة في حلب... ودمشق تؤكد أن جيشها سيواصل حملته العسكرية الكبيرة - بمؤازرة من فصائل تدعمها إيران وغطاء جوي روسي - لاستعادة السيطرة.
صورة من: Getty Images/AFP/G. Ourfalian
في غضون ذلك، يشيع الحلبيون يشيعون موتاهم إلى مثواهم الأخير في حرب تعددت فيها الجبهات وتنوعت فيها الأطراف بين من يدعم الأسد جهراً وسراً وبين من يدعم المعارضة بالسلاح بشكل مباشر أو غير مباشر. حرب وُصفت بـ"الوحشية" من قبل الأمم المتحدة، فيما تتحدث الصور التي تصلنا عنها عن "بشاعة" تكاد لا تجد ما يضاهيها في الشرق الأوسط منذ عقود طويلة.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Alhalbi
ومن لم يحالفه الحظ بالهرب إلى خارج البلاد، يكون مصيره إما الموت أو الإصابة أو العيش في هلع يومي. الأكيد أن أكبر ضحايا هذه الحرب هم الأطفال. فقط بعض الصور التي تصلنا من حلب توثق مدى معاناة هؤلاء: ففي آب/ أغسطس الماضي، صدمت صورة الطفل عمران بوجهه الصغير الملطخ بالدماء والغبار وهو يجلس داخل سيارة إسعاف، الملايين حول العالم بعد إنقاذه من غارة استهدفت الأحياء الشرقية في حلب. وما لا نعرفه كان أعظم!
صورة من: picture-alliance/AA/M. Rslan
حتى قوافل المساعدات الإنسانية التي جاد بها المجتمع الدولي للتخفيف بعض الشيء من معاناة المدنيين في حلب لم تسلم من القصف. فقبل أسبوعين تعرضت قافلة مساعدات في بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي للقصف ما أسفر عن مقتل "نحو عشرين مدنياً وموظفاً في الهلال الأحمر السوري، بينما كانوا يفرغون مساعدات إنسانية من الشاحنات"، وفق الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري.
صورة من: picture alliance/newscom/O. H. Kadour
وفيما يبقى المجتمع الدولي عاجزا حتى على التوصل إلى وقف لإطلاق النار في حلب وإتاحة المجال لتوصيل المساعدات الإنسانية والطبية إلى المدنيين المحاصرين، يبقى أصحاب الخوذات البيضاء "الأبطال" في عيون العديد من الحلبيين. رغم الحديد والنار ورغم الصواريخ والقاذفات، ظلوا في مدينتهم لمد يد المساعدة وإنقاذ الأرواح من تحت الأنقاض.
صورة من: Reuters/A. Ismail
وبينما يقضي أقرانها في أغلبية دول العالم أوقاتهم في المدرسة أو في اللعب، تجد هذه الطفلة السورية نفسها مجبرة على الوقوف في صف طويل من أجل الحصول على بعض من الطعام الذي توزعه بعض المنظمات الانسانية - طبعا إن سملت هي بدورها من قصف قوات الأسد وقاذفات الطائرات الروسية. بالنسبة للعديد هذه الصورة إنما حالة تبعث للحزن، ولكنها واقع مر لعشرات الآلاف من الأطفال السوريين...
صورة من: picture-alliance/AA/E. Sansar
وفيما يتحمل العديد من الحلبيين الواقع المر بالكثير من الصبر، نفذ صبر واشنطن خلال مفاوضاتها مع روسيا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا. وروسيا، التي عبرت طبعاً عن أسفها لذلك، تواصل دعمها للأسد. مراقبون يتحدثون عن لعبة بوتين في الشرق الأوسط من أجل حمل أمريكا وحلفائها الغربيين على إسقاط العقوبات المفروضة على بلاده بشأن دورها في أوكرانيا. إذن سوريا ليست إلا ورقة تفاوض للي ذراع أمريكا؟
صورة من: Getty Images/AFP/J. Samad
في الأثناء يواصل مجلس الأمن الدولي نقاشاته ومبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا لم ينفك يتحدث عن الأزمة السورية ومعاناة الشعب السوري - وخاصة المدنيين في حلب - ويناشد المجتمع الدولي وخاصة المنخرطين في الصراع السوري بعضا من "الشفقة"... والكل يدين ويكرر الدعوات إلى إيجاد حلول سياسية. فهل من آذان صاغية؟
صورة من: Reuters/A.Kelly
إلى حين إيجاد حل للأزمة السورية... إن وجد أصلا، يبقى العديد من المدنيين في حلب يواجهون مصيرهم بأنفسهم تحت القصف المتواصل دون أن تلوح في الأفق بادرة عن نهاية معاناتهم. فهل من أمل في غد أفضل؟
شمس العياري