1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مراجعة كتاب: الإمبراطوريات ومنطق سيادتها الكونية

٢٧ يوليو ٢٠٠٦

يحلل هيرفريد مونكلر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هومبولد البرلينية، مفهوم وآليات عمل الإمبراطوريات، من روما القديمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

غلاف الكتاب

يتناول هرفريد مونكلر في كتابه هذا طبيعة الكيانات الإمبراطورية وأهميتها، وهو حقل بحث علمي لم يجر داخله أي عمل بحث وتدقيق منذ مدة طويلة من الزمن. ولئن وجد عدد هام من المنشورات التي تفاعلت في السنوات الأخيرة مع مسألة الدور السياسي العالمي للولايات المتحدة الأميركية، فإن أغلب هذه المؤلفات قد ظلت حسب هرفريد مونكلر متمسكة بـ"زاوية نظر الأحكام القيّمية" التي جاءت لتقدم "دعما للمواقف الخاصة التي كان هؤلاء قد اتخذوها منذ مدة غير قصيرة من الزمن."

وبالمقابل تقوم دراسة مونكلر بمقاربة لموضوع بحثها تعتمد طريقة "وصفية تحليلية". وفيما هو يصف مسار الإمبراطوريات ويقارن بينها ويحقق في سلوكياتها سواء في مراكزها أو على أطرافها، يمكّن من التوصل إلى خلاصات حول إمكانيات ومخاطر الإمبراطوريات عامة. والكثير من هذه الخلاصات تمنح نفسها بسهولة لتطبيقات على الوضع الدولي الراهن بما يمكّن من تسليط أضواء كاشفة على دور وسلوكيات الولايات المتحدة حاليا. ويظل مونكلر لا ينحاز إلى طرف أو موقف بعينه، بل يكتفي بالتقاط السؤال المحوري الذي يمثل الخلفية المباشرة للجدل الحاد حول الولايات المتحدة: "هل أن المجتمع الدولي بحاجة إلى قوة إمبراطورية قائدة من أجل ضمان أمنها؟ أم أن هذه القوة الإمبراطورية القائدة تمثل بالأحرى عامل خلل واضطراب متعاظم على النظام الدولي(...)؟"

أليس من باب الرؤية "الماكيافيلية" للأشياء أن يتناول الدارس النمط السلوكي للقوة الإمبراطورية من وجهة نظرها الخاص ومنطقها الداخلي؟ ذلك هو ما يُعاب على مونكلر من بين ما يعيب عليه مجادلوه. وغالبا ما يتم ضمن هذا الجدال استدعاء التصور الكانطي عن التعايش السلمي بين الدول وفي كنف المساواة كنموذج لمشروع بديل. لكن مثل هذه المقابلة الاستقطابية لوجهات النظر المتباينة هو ما بالذات ما لا يريد مونكلر أن ينساق إليه ويدعمه، ذلك أنه أبعد ما يكون عن الاستخفاف بتلك الغاية المثالية لتعايش سلمي بين الشعوب أو اعتبارها فكرة ساذجة. لكنه يضع موضع التساؤل الفكرة التي تعتبر أن التجارب الأوروبية بإمكانها بكل بساطة أن تغدو نموذجا يطبق على مختلف مناطق العالم كلها. ففي أوروبا ومنذ انهيار الإمبراطورية الرومانية لم يكتب لأية سلطة إمبراطورية ذات بال أن تنشأ: كل الممالك الكونية الأوروبية من إسبانيّة وبرتغالية أو الإمبراطورية البريطانية كانت مراكزها بالفعل في أوروبا، لكن أطرافها الممتدة كانت توجد في إفريقيا وآسيا وأميركا. وبالمقابل قد تطور داخل أوروبا ذاتها نمط الدول المتساوية أمام سلطة القانون الدولي. غير أن البنى السياسية في أغلب المناطق الخارجة عن الحيز الأوروبي ترتكز على أسس من تجارب مغايرة قد يكون بوسعها أن تبيّن أن هناك طرقا سياسية أخرى أكثر فاعلية وجدوى من هذا النمط الأوروبي.

يحلل هيرفريد مونكلر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هومبولد البرلينية،صورة من: dpa

ماهية الإمبراطورية

يقسّم مونكلر كتابه إلى ست فصول تقود القارئ تدريجيا من تعريف لمصطلح "الإمبراطورية" بتمييزه عن مفهوم "الإمبريالية" و "الهيمنة"، مرورا بتقديم نمذجة لمختلف الممالك الكونية، إلى استعراض الأنماط السلوكية للقوى الإمبراطورية، لتنتهي بالأخير إلى عرض تحليل للوضع الدولي الحالي واستشراف للأفق والإمكانيات المستقبلية لمجموعة الاتحاد الأوروبي. وفي الملحق المتمم لهذه الدراسة قد ضمّن الكاتب مؤلَّفه مجموعة من الخرائط التي تجسد مختلف الإمبراطوريات التاريخية؛ من الإثينيين إلى ممالك المغول والصينيين فالأسبان والبريطانيين وصولا إلى الإنتشار الحالي للقوات الأميركية في كامل أنحاء العالم، وإضافة إلى هذا حشدا من الهوامش و الإحالات على المراجع والمصادر.

بدءً يطور مونكلر تعريفا لمفهوم الإمبراطورية، أولا بتقديم عرض وصفي للمميزات الجغرافية والتاريخية التي ينبغي لها أن تتوفر في كيان سياسي كي يحق تسميته بالإمبراطورية. ثانيا، يضع مونكلر مفهوم الإمبراطورية في تقابل وتمايز مع مفهومي الدولة والدولة المهيمِنة؛ ما هي الشروط التي ينبغي أن تتوفر لنشوء إمبراطورية؟ في الفصل الثالث من الكتاب يعمل مونكلر على وضع نمختصرة لمختلف الإمبراطوريات التاريخية: فبينما كانت إمبراطوريات السباسب، مثل المغول، تكرر على الدوام الانطلاق في حملاتها من المركز في عمليات غزو للأطراف بقصد الظفر بالغنائم، كانت الإمبراطوريات البحرية من أمثال البرتغال أو بريطانيا تحكم سيطرتها على الطرق التجارية وتدفّق البضائع، وتدمج داخل شبكة علاقاتها التجارية حتى المناطق الواقعة في أقاص بعيدة عن مركز الإمبراطورية. كما أن القوى الإمبراطورية الكبرى تطور الحاجة إلى جهاز عسكري كبير كي تضمن لنفسها الأمن داخل رقع ترابية شاسعة. ولكي تضمن الإمبراطورية لنفسها البقاء على مدى طويل فإنه لا غنى لها عن إدماج أطرافها الواقعة على الهامش وتشريكها في الأرباح المادية والمعنوية على حد السواء. ومن دون إرساء بنية تحتية في الأطراف لن يكون بوسع أية إمبراطورية أن تضمن لنفسها بقاءً مستديما. لكن في الآن ذاته، تنشأ على هذا النحو حركة "اجتذاب للأطراف" بمقتضاها تندفع مناطق التخوم باتجاه منطقة التأثير الإمبراطوري من أجل الاشتراك في الانتفاع بالامتيازت. وإذا ما نجحت الإمبراطورية في تجاوز "العتبات الأوغسطيّة" وفي تشريك الأطراف على مستوى البنى التحتية وكذلك اقتصاديا وسياسيا أيضا إذا أمكن، فإنها ستكون قد رفعت بذلك من حظوظ تدعيم كيانها الإمبراطوري.

منطق السيادة الكونية

إلا أن النفقات العسكرية المرتفعة والتكلفات الباهضة للاستثمار في مجال البنى التحتية دون منفعة معادلة بالنسبة للمركز تنطوي بدورها على خطر حصول "تمطط"، بما يشبه التمدد العضلي القصوي، الأمر الذي ينتج عنه اختلال للاستقرار لدى العناصر الفاعلة التي سيكون عليها أن تقدم في المركز تبريرا معنويا و تبريرا ماديا أمتن لتصرفها، وستكون ضرورة التوفق إلى علاقة متوازنة في معادلة النفقات والمنافع أكثر أهمية خاصة في ما يسمى بـ"الإمبراطوريات الديمقراطية" التي يرى الفاعلون فيها أنفسهم مجبرين على إيجاد شرعية لكل خياراتهم وقراراتهم أمام الناخبين.

ولكي تجد الإمبراطورية مبررا لتصرفاتها، وتقيم الدليل على الضرورة العامة لعملها الإمبراطوري فإنها ستكون بحاجة إلى رسالة. وفي ما يتعلق بمثال الإمبراطورية الأسبانية في جنوب أميركا تمثلت هذه الرسالة آنذاك في نشر العقيدة المسيحية، أما الإمبراطورية البريطانية فقد جعلت رسالتها في العديد من المناطق تتمثل في تركيز القواعد الأساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان، والولايات المتحدة الأميركية تلوّح اليوم هي أيضا بتبني هذا المطمح التبشيري.

في الفصل السادس والأخير يتطرق مونكلر إلى الوضع الحالي وإلى إمكانيات الفعل السياسي لدى الدول الأوروبية. ويرى مونكلر في هذا الصدد بأن أوروبا إذا ما أرادت أن لا تظل مقتصرة على الاكتفاء بدور المساهمة في نفقات الأعمال الإمبراطورية للولايات المتحدة دون أن تكون لها إمكانية للتدخل في مسارات اتخاذ القرارات، فإنه سيكون عليها إذن أن تتصرف بدورها، ولو جزئيا، كإمبراطورية وأن تتفاعل بطريقة نشطة مع أوضاع مناطق التأزم الواقعة على أطرافها.

يستند عمل مونكلر بطريقة مثلى على مخزون البحوث المتواجدة ويستحضر كل الأعمال المهمة التي تطرقت إلى موضوعات الإمبراطورية والإمبريالية ودور القوى المهيمنة. وقد جاءت قائمة المراجع التي ذيّل بها كتابه شاملة بطريقة تتناسب مع جدية عمل بحثي يعطي القارئ، الذي إكتسب نوعا من الحساسية للموضوع من خلال قراءة هذا الكتاب المفيد للغاية، إمكانيات إضافية لمزيد من الاكتشاف حول الموضوع. ويتميز أسلوب مونكلر في هذا كله بالدقة والموضوعية دون أن يكون جامداً مع ذلك. فهو يجسد مقولاته على الدوام من خلال أمثلة من التاريخ بمستطاع القارئ أن يتمثلها تمثلا بصريا في ملحق الخرائط.

ذلك التحليل الدقيق للبنى الإمبراطورية هو الذي يمكننا من الوصول إلى خلاصات سياسية ملموسة، ويجعل هذا الكتاب يبرز كعمل متميز من بين مجمل المؤلفات التي حرّرت خلال السنوات الأخيرة حول الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأميركية في العالم. وفي الوقت نفسه يطرح مونكلر من خلال تحليله للوضع الأوروبي جملة من المنطلقات والأفكار حول مكانة الاتحاد الأوروبي داخل لعبة تنافس القوى العالمية.

بيانات الكتاب

Herfried Münkler

إمبراطوريات
منطق السيادة الكونية

Rowohlt Verlag
برلين 2005
ISBN 3-87134-509-1
336 صفحات

هايكه فريزل
2006مايو/ أيار

ترجمة: علي مصباح

المصدر: litrix.de

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW