1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مراسل شبيغل: سقوط الأسد قد لا يمثل نهاية للحرب في سوريا

حاوره: فلاح آل ياس١٥ فبراير ٢٠١٣

كان واحدا من الصحافيين القلائل الذين واكبوا الأزمة في سوريا منذ بداياتها. كريستوف رويتر، مراسل مجلة شبيغيل الألمانية واسعة الانتشار، تحدث في حوار مع DWعربية عما عايشه في رحلاته إلى سوريا بين يونيو 2011 ويناير 2013.

In this image taken from video obtained from the Shaam News Network, which has been authenticated based on its contents and other AP reporting, smoke rises from buildings after warplanes shell the town of Jobar, in Homs, Syria, on Thursday, Jan. 24, 2013. (Foto:Shaam News Network via AP video/AP/dapd)
صورة من: dapd

تجد وسائل الإعلام العالمية صعوبة كبيرة في الحصول على معلومات محايدة وذات مصداقية حول حقيقة الوضع الداخلي في سوريا. وحتى داخل سوريا نفسها يتم في معظم الأحيان تقديم صور متناقضة لما يجري. الصحفي الألماني كريستوف رويتر، الذي سافر إلى سوريا أكثر من مرة كمراسل لمجلة "دير شبيغل" الألمانية، يتحدث في الحوار التالي مع DWعربية عن معايشاته للأحداث في سوريا من وجهة نظره، وتقييمه الشخصي للوضع السياسي والعسكري هناك.

DW: سيد كريستوف رويتر، عايشت كمراسل صحفي الوضع في سوريا منذ الأشهر الأولى، كيف تغيرت سوريا خلال العامين الماضيين؟

كريستوف رويتر: في البدايات كنا نجد صعوبة في العثور على مظاهرة، والناس كانوا خائفين ولا يرغبون بالحديث معنا بشكل علني. وحينها كانت المدن والقرى سليمة (غير مدمرة). ولكن هذا الأمر تغير مع الوقت. بعدها صرنا نشاهد الكثير من المظاهرات في كل مكان. اليوم كل شيء مختلف، لا أحد يخاف من التحدث في سوريا، وبالمقابل، وكما وصف المبعوث الخاص بشأن سوريا الأخضر الإبراهيمي المشهد، الكثير من المدن السورية تبدو مثل برلين عام 1945. دمار في كل مكان بعد عام من القصف الشديد من سلاح الطيران ودبابات النظام.

هل كان كل شيء سلمي في البداية كما تقول المعارضة، أم أن كل شيء مخطط له والأسلحة موجودة بيد المعارضين منذ البداية كما يقول النظام؟

من مارس (آذار) إلى أواخر خريف 2011 كانت عبارة عن مظاهرات سلمية تعرضت للتفريق بالقوة وبإطلاق الرصاص الحي. ورغم ذلك كان الناس يخرجون يومي الجمعة والسبت من الأسبوع التالي إلى الشارع. أوائل التجمعات العسكرية للجيش السوري الحر رأيناها في حمص في ديسمبر (كانون أول)2011، ومن حينها بدأ الناس بالدفاع عن أنفسهم. البدايات كانت بمجموعات صغيرة تتولى حماية القرى والأحياء وحماية المظاهرات التي كان يأتي إليها سابقا رجال المخابرات فيطلقون النار على أشخاص عُزل ويعتقلون من يعتقلون ويضربون من يضربون. ولأن النظام لم يلجأ إلى أي طريقة أخرى سوى العنف والمزيد من العنف، جاء الجيش الحر كرد على ذلك، وتوسعت عملياته العسكرية مع الوقت. ولهذا كانت الأمور عبارة عن حركة سلمية وهذا ما عايشناه ورأينا أن مجرد المشاركة في مظاهرة كان يكلف ثمنا باهظا، فاحتمال الاعتقال أو الإصابة بجراح أو الموت كبير. استمرار الاحتجاجات سلمية طوال تلك الفترة أمر خارق للعادة، والتوجه لحمل السلاح بعدها هو من وجهة نظري أمر مبرر جدا.

في تقرير لك، كتبت عن سيدة سألتكم: "أين الأمريكيون، أين الأوربيون؟ أين الأشقاء العرب؟ أين العالم؟". برأيك هل يمكن تفسير العجز في المواقف الدولية تجاه الوضع في سوريا؟

بداية أود أن أشير إلى أننا التقينا تلك السيدة في حمص في ديسمبر (كانون الأول) 2011، وتلك كانت آخر مرة استطعنا فيها دخول المدينة.
بالعودة إلى سؤالك، هناك العديد من الأسباب التي يمكن إيرادها، أولها: الجهل الساذج في واشنطن وفي أوروبا، حول حقيقة ما يجري؛ حول من هو المسؤول عن القتل؛ حول من هي المعارضة ومن هم الثوار. هنا لعبت سياسة حملات العلاقات العامة الذكية نسبيا للنظام دورا فعّالا في تسويق الثوار على أنهم إسلاميين ومرتبطين بالقاعدة. الأمر الآخر تجارب ليبيا ومصر أظهرت بأنه ليس من الضروري أن تنشأ فورا أنظمة حكم سلمية ديمقراطية تماما وصديقة للغرب. ففي مصر يحاول الإخوان بعد فوزهم بالانتخابات أن يوطدوا أنفسهم في السلطة بشكل غير ديمقراطي. في ليبيا الوضع أفضل من حيث المبدأ، ولكن مقتل السفير الأمريكي في بنغازي أثّر على تلك الصورة، والآن هناك تحذيرات من تعرض الأوربيين وخاصة الألمان للاختطاف هناك. ولهذا فقد تلاشى ذلك الحماس لدى الغرب تجاه تلك الثورات في بعض الدول العربية التي أُنجزت بعدد قليل من القتلى مقارنة بسوريا، وانتهت بشكل أسرع. أما في سوريا فلا أحد يعرف ولا أحد يريد أن يعرف من هم الثوار. وفي سوريا أيضا الوضع معقد جدا من حيث التنوع العرقي والمذهبي وأيضا من حيث الموقع الجغرافي ومجاورتها لإسرائيل التي ما زالت تحتل جزءا من الأراضي السورية. ولهذا نأى الغرب بنفسه عن التدخل مقارنة بموقفه في ليبيا مثلا.
الأمر يتعلق إذن بقلة المعلومات الدقيقة حول الوضع. هناك خطأ في تقدير الأمور لدى واشنطن عندما تعتقد بأن الإحجام عن تقديم المساعدة يؤدي إلى التحكم في مسار الأوضاع، دون الانتباه إلى أن المساعدات تأتي عبر قنوات أخرى، وبدلا من كسب مزيد من القدرة على التحكم تخسر أمريكا مثل تلك القدرة. إنه خطأ مأساوي.

كريستوف رويتر: الصحافي الألماني المتخصص بشؤون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.

تقول هناك جهل ساذج لدى عواصم القرار الدولية تجاه ما يجري في سوريا. ولكن ماذا تنقل أنت كصحفي ميداني عما رأيته؟

نحن نستقصي بشكل دقيق جدا ونذهب إلى موقع الأحداث فيما نقوم بتغطيته والكتابة عنه. رأينا عنفا غير محدود من جانب النظام، وهو المسؤول عن مجازر كثيرة ارتكبها ضد مدنيين بينهم أطفال ونساء .هذا العنف الذي يسبب رعبا كبيرا هو المسؤول عن تحول الكثير من الثوار إلى العنف المضاد بعد أن أبيدت نصف عائلاتهم، بعد أن فقدوا أبناء وأقارب وأصدقاء في معتقلات التعذيب، وبهذا أصبح الثوار أكثر عنفا. ولكن منطَلق الأمور هو العنف الذي يمارسه النظام بصورة لم نراها لا في ليبيا ولا غيرها من الدول العربية.

ولكن النظام يتحدث عن مؤامرة وعن جهات خارجية تستهدف سوريا. ألا ترى أن هناك تدخلات خارجية في سوريا؟

نعم. الإيرانيون والروس يقدمون دعما مفتوحا للنظام، يقدمون خبراء عسكريين وأسلحة وذخيرة وأموال. هناك مجموعات قتالية إيرانية موجودة داخل سوريا إلى جانب النظام. بينما على الجانب الآخر رأينا قبل أشهر كيف أن وزارة الدفاع في فرنسا وأمريكا ما زالتا مختلفتين حول إمكانية إرسال مناظير ليلية للثوار وما إذا كان ذلك يعتبر مساعدة عسكرية زائدة عن الحاجة. أما الدعم المباشر للثوار فغير موجود. الأوضاع كما تبدو الآن: المعارضة تحصل على الدعم بشكل شبه حصري من تبرعات السوريين في الخارج.

فقط؟

هناك مساعدات أخرى أقل حجما تأتي من حكومات قطر والسعودية. وهناك تبرعات يتولاها أشخاص كالداعية العرعور وغيره، حيث يجمعون المساعدات من سوريين مقيمين في الخارج ومن مواطنين خليجيين في السعودية والكويت وقطر ودبي. هذه الأموال الأخيرة تذهب لمساعدة الإخوان المسلمين أو مجموعات إسلامية أخرى.
وهذا يؤدي بالنتيجة إلى عكس ما يريده الغرب؛ أي انتقال ديمقراطي للسلطة. لأن القوى الإسلامية تزداد قوتها، فهم يحصلون على المال وبإمكانهم شراء السلاح، أما القوى المعتدلة في الثورة فهي مفلسة ماليا.

وما هي نسبة كل من القوتين الآن في صفوف المعارضة السورية؟

في المناطق التي زرناها في محافظات حلب وإدلب ودير الزور وريف دمشق وحمص وحماة، أي ما يعادل حوالي 70 إلى 80 % من مساحة الأراضي المأهولة بالسكان في سوريا. زرنا تلك المناطق خلال 9 رحلات طويلة قمنا بها – المعارضون في تلك المناطق يفضلون بأن تكون لهم مستقبلا دولة تشبه تركيا مثلا؛ دولة ذات صبغة إسلامية ولكن بانتخابات وعملية ديمقراطية وحرية فردية. ولكن إذا لم تلقَ هذه المعارضة الدعم، فذلك سيؤدي إلى نمو قوى أخرى لا أحد يرغب بوجودها لا في سوريا ولا في واشنطن. وهذا قد يقود فعلا إلى واقع تقوم فيه واشنطن بمحاربة أولئك الناس الذين كان يمكن أن تكسبهم كأصدقاء. وهذا أمر مأساوي بالمطلق.

إذن الأمور تتجه نحو مزيد من العسكرة؟

ماذا يمكن لمجموعة صغيرة من ناشطي المعارضة السلميين الذين يجدون أنفسهم على بعد 500 متر فقط من دبابات النظام التي تحاصرهم وليس أمامهم سوى خيارين اثنين: إما الدفاع عن أنفسهم أو سيموتون. الكثير منهم ينزحون من ديارهم: حوالي ثلاثة أرباع مليون مهاجر خارج البلاد، وحوالي مليوني شخص نزحوا إلى أماكن أخرى داخل البلاد. ولكن من لم يغادر فليس أمامه سوى الدفاع عن نفسه أو الموت.

ماهي الأسلحة التي يملكها المقاتلون المعارضون؟

يتفق رويتر مع الأخضر الابراهيمي بأن "الكثير من المدن السورية تبدو مثل برلين عام 1945".صورة من: Reuters

الأسلحة الحديثة قليلة؛ أي الأسلحة المضادة لدبابات تي 72 أو تي 90 والأسلحة المضادة للطيران. أهم مصدر للأسلحة بالنسبة للثوار هو الاستيلاء عليها من مخازن أسلحة النظام، وثاني أهم مصدر هم الضباط الفاسدون في صفوف قوات النظام الذين يبيعون الأسلحة مقابل المال، ومن بين تلك الأسلحة هناك أسلحة حديثة مثل صواريخ روسية صغيرة مضادة للطيران وكذلك أسلحة قنص. والمصدر الثالث للأسلحة هم الضباط المنشقون الذين لديهم مهارة بتصنيع الأسلحة بشكل ذاتي، كصنع صواريخ أو عبوات ناسفة. وبهذا تتجه موازين القوى العسكرية للسير في مصلحة الثوار الذين يسيطرون على القسم الأكبر من مساحة سوريا.

ولكن النظام يبدو متماسكا حتى الآن!

المدن الكبرى لازالت تحت سيطرة النظام، ورغم أن الثوار لم يفرضوا سيطرة كاملة على أي مدينة كبرى يزيد عدد سكانها على نصف مليون نسمة، إلا أنهم يسيطرون على مئات القرى والمدن الصغيرة. وباستثناء دمشق والمناطق ذات الأغلبية العلوية (الغربية) فإن النظام باتت لديه مشكلة كبيرة في إمداد قواعده العسكرية وقواته في حلب ودير الزور وإدلب، وقوات النظام باتت تستسلم أحيانا ليس بسبب نفاد الذخيرة، وإنما بسبب الجوع، لأنها محاصرة. هذا هو الوضع. وبهذا فإن الثوار سينتصرون في النهاية ولكن الثمن سيكون مرعبا.الأمر قد يستغرق شهورا وقد يكلف آلاف القتلى، وهذا أمر يمكن تلافيه فيما لو تم تسريع إيقاع الحرب.

ما هي حقيقة وجود الإسلاميين القادمين من الخارج، ومدى فعاليتهم في العمليات القتالية؟

مشاركتهم أصغر مما يتم تصويرها من المخابرات الغربية، وقبل كل شيء أصغر مما يسوقه النظام. ولكنهم يزدادون. في حلب هناك بضع مئات، وفي دير الزور هناك بضع مئات. وهنا يجب أن نميز بين جهاديين يقاتلون بقوة واحترافية ولديهم خبرات قتالية قادمين من الشيشان ووسط آسيا، وهؤلاء قلة. وهناك أيضا أشخاص لديهم أفكار أصولية. التقينا برجال قادمين من الأردن وتونس والسعودية، ولكن هؤلاء يتعبون من المعركة وقسوتها بحيث يسأمون ويغادرون بعد أسابيع قليلة أو ربما لا يشاركون أصلا في المعركة، لأنهم كانوا يتوقعون بأن القتال عبارة عن وضع عبوة ناسفة أو ماشابه ذلك، ولكن المعركة هنا تشبه ما كان عليه الوضع في ستالينغراد خلال عامي 1942- 1943، حيث يبقى المقاتل تحت النيران بشكل متواصل مع هجمات للطيران. معركة قاسية جدا تدفع الكثير من الجهاديين الأجانب إلى مغادرة أرض المعركة، وهذا ما رأيناه عندما التقيناهم مجددا في مدن أنطاكية وأورفة وغازي عينتاب التركية.

وما يتعلق بالقيادة العسكرية للقوات فهي كليا بيد السوريين، سواء مدنيين باتوا يتبوؤون مواقع عسكرية قيادية أو ضباط منشقين عن جيش النظام، وليس هناك أجانب في مواقع قيادية – على الأقل لم نقابل أو نسمع عن أجنبي في موقع قيادي، ونحن نعرف معظم كتائب الثوار بشكل جيد - وإن وجدوا فهم قلة.

تقارير دولية عدة تحدثت عن انتهاكات من جانب النظام ومن جانب مقاتلي المعارضة، كجبهة النصرة مثلا.

الأمر لا يتعلق بجبهة النصرة بحد ذاتها، ولكن هناك إعدامات ميدانية بحق جنود نظاميين أو بحق مقاتلي ميليشيات الشبيحة مباشرة بعد المعركة قبل أن يعرضوا على أي محكمة من المحاكم التي أنشأها المعارضون. وهذا الأمر عمل إجرامي كجرائم النظام، ولكن يبقى محدودا جدا من جانب المعارضة، كما إن هذا العمل لا يلقَ الدعم أو الموافقة من قبل ممثلي المجالس العسكرية أو ممثلي المجالس المدنية التي لديها إجماع واضح يقول بأنه لا يجوز إعدام هؤلاء بدون محاكمة، ولكن هذا الأمر حصل للأسف.

هناك هالة إعلامية وتقارير كثيرة حول جبهة النصرة في سوريا، وواشنطن صنفتها كمنظمة إرهابية. كيف رأيت الأمر على الأرض؟

جبهة النصرة هي مجموعة صغيرة يتوسع نفوذها، ولكنه يتوسع ليس بسبب المعارك وإنما لأن لديها الكثير من المال الذي تحصل عليه من جهات عدة من السعودية أو من أثرياء سوريين مغتربين. ومقاتلوها لهم حضور في حلب لأنهم يقومون بأعمال أخرى، مما أكسبهم شعبية لدى السكان. يهتمون بالجانب الإغاثي الإنساني وبتوزيع المواد الغذائية وأدوات التدفئة والطبخ، مثل توزيع الطحين بأسعار رخيصة على المخابز، كما وزعوا الغاز والديزل بأسعار رخيصة. إنهم يهتمون بالمسائل الإنسانية، وبهذا حققوا نجاحا كبيرا، بالمقارنة مع الجيش السوري الحر أو غيره من المجموعات، التي هي في الواقع مفلسة ماليا. والنصرة من حيث عدد أعضائها مازالت مجموعة صغيرة، في حلب فقط ربما بضعة مئات بالمقارنة مع أكثر من عشرة آلاف من المقاتلين المعتدلين. ولكن النصرة تحظى بالشعبية كما ذكرت، بينما المجموعات الأخرى لا تحصل على مال ولا على أسلحة من الخارج.

هل هناك معارك مفتوحة أو صراع بين كتائب المعارضة المختلفة؟

ليس هناك معارك مفتوحة أبدا. هناك تنسيق أحيانا بين الكتائب المختلفة. ولكن هناك منافسة أيضا وعدم ثقة من جانب مقاتلي الجيش الحر لأن لديهم شعور بأن العديد من مقاتلي النصرة لا يريدون دولة ديمقراطية وإنما دولة دينية. عموما الآن هدف الجميع موحد وهو محاربة النظام ولذلك هناك تعاون مشترك.

كيف تنظر للتغطية الإعلامية في الصحافة الغربية حول سوريا؟

هناك أمران يؤثران في هذا السياق: الأول السطحية أو الحيرة في التعامل، لأن الصحافيين الذين يدخلون سوريا قليلون جدا وكذلك الذين يلتقون بسوريين لاجئين خلف الحدود التركية أو اللبنانية أو الأردنية، فتكتفي الصحافة هنا بما يأتي عبر وكالات الإعلام أو بالفيديوهات التي تنشر عبر اليوتيوب، دون أن تتمكن من التحقق من ذلك.
والخطورة هنا تتمثل في وجود الكثير من الأخبار المدسوسة المحرفة والمزورة والتي تتسرب إلى الإعلام عبر وكالات إعلام روسية فتأخذ طريقها إلى وكالة AP (أسوشيتد برس) أو وكالة الأنباء الألمانية مثلا وإلى كثير من الصحف في أمريكا وأوروبا، ليصبح المصدر مجهولا.

هناك مخاوف في الغرب من تنامي نفوذ الإسلاميين المتشددين في صفوف المعارضة المسلحة في سورياصورة من: Reuters

المشكلة الأخرى هي ذات المشكلة التي يحملها أي صراع طويل المدى، بحيث أصبح مقتل 150 سورياً أمرا اعتياديا بعد مرور مايقارب السنتين، ولم يعد ذلك يمثل خبرا لدى وسائل الإعلام. ما يجري في سوريا يجري منذ وقت طويل مما جعل اهتمام الجمهور بالأمر يتلاشى ويختفي أحيانا. فتنشر الصحافة ما يهتم به الناس. الآن الحرب في مالي مثلا يهتم بها الناس لأن ذلك خبر مثير، أما سوريا فلم تعد أخبارها تحمل الإثارة.

كيف ترى مستقبل سوريا؟

النظام سيسقط حتما.إنه يتهاوى. أجزاء واسعة من البلاد محطمة ومدمرة من قبل النظام، بخطة وضعها لقصف البنى التحتية في المناطق المحررة بسلاح الطيران.مباني المجالس المحلية، مخازن الحبوب، محطات الوقود، المخابز. هذا النظام لا يمكن له أن يستمر، وحتى لو سلمنا جدلا بأنه سينتصر الآن عسكريا، فليس لديه الإمكانية للاستمرار بالوقوف في وجه ثلثي البلاد؛ صاروا يكرهون هذا النظام.

ولكن السؤال هو متى سيسقط النظام. إذا حدث ذلك بسرعة فإن الأمل أكبر بأن من سيقولون: "قمنا بهذه الثورة لبناء نظام ديمقراطي" سيفرضون رأيهم وسينجحون في تولي السلطة. ولكن إذا استمرت الثورة لستة أشهر أخرى مثلا، فهناك خطر ينمو بأنه ربما لن يكون لدينا سوريا أساسا، لأن هناك مجموعات عسكرية تتشكل في كل مكان وتزداد قوة وقد تتجه لحرب أهلية، وعندها لن يمثل سقوط الأسد نهايةً للحرب وإنما نهاية مرحلة منها فقط. أي ستبدأ حرب أهلية بدون الأسد، فقد نرى حربا بين كتائب سنية ضد كتائب علوية أو كتائب عربية ضد كتائب كردية.
لنكون بالتالي أمام وضع مشابه لما كان موجودا في لبنان أو الصومال. ومثل هذه الحرب لا يمكن إيقافها لأنها بدون ديكتاتور، إنها تتغذى من الانتقام والانتقام والانتقام.
سيصبح الأمر صعبا جدا، ليس فقط لسوريا، وإنما لدول الجوار أيضا، سواء أرغبت بالانجرار إلى مثل تلك الحرب أم لم ترغب.

تقول إن النظام دمر البنى التحتية، هل تم ذلك بشكل مقصود أم في إطار حربه على المقاتلين ضده؟

النظام دمر البنى التحتية بشكل مقصود وممنهج. كنا في عدة أماكن في الشمال، ورأينا ذلك بأنفسنا.

لماذا يفعل ذلك؟

لأنه أراد تدمير ما لا يستطيع السيطرة عليه. أذكر هنا أنه قبل أن تُجبر دبابات النظام على الخروج من مدن سورية كثيرة كتب جنوده على الجدران: "الأسد أو نحرق البلد". رأينا ذلك بأنفسنا، وهذا يبدو إعلانا مبرمجا ومخططا له، وهذا ما يحصل فعلا، فهم يهاجمون بالطائرات بشكل مباشر على الأبنية الهامة. هاجموا المخابز وطوابير الناس الذين يقفون أمامها في أكثر من موقع. دمروا المشافي في حلب مثلا. مخازن المواد الغذائية، الحبوب والبطاطا. تحديدا في تلك المواقع التي فقدوا السيطرة عليها كليا.

كريستوف رويتر: صحفي ألماني، من مواليد 1968. بعد دراسته للعلوم الإسلامية والسياسية والأدب الألماني اتجه للصحافة. كتب لصحف ومجلات ألمانية كبرى مثل GEO، Die Zeit، Stern، وأخيرا استقر في شبيغل. كتاباته وتقاريره كانت من العالم الإسلامي من قرغيزستان إلى المغرب. نال جوائز عدة منها جائزة أكسل شبرينغر للصحافة في عام 1997. له عدة مؤلفات، من بينها: كتاب "حياتي سلاح" وكتاب "مقهى بغداد".

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW