مرور مائة يوم من رئاسة ترامب - أمريكا في قلب "العاصفة"
٣٠ أبريل ٢٠٢٥
منذ تنصيبه في 20 يناير/ كانون الثاني 2025 رئيساً للولايات المتحدة للمرة الثانية، غيّر دونالد ترامب الكثير في السياسة الأمريكية إلى درجة قد تبدو معها فترة مائة يوم فترة قصيرة جدا، يستحيل تقريبا أن يقع خلالها هذا التغيير البالغ 180 درجة. وسواء تعلق الأمر بإجراء تغيرات جذرية في السياسة الخارجية أو فرض رسوم جمركية على المنتجات من جميع أنحاء العالم، فنادراً ما مرّ يوم من هذه الأيام المائة دون أن تصل أخبار عاجلة من البيت الأبيض إلى الشعب الأمريكي والعالم.
يقول باتريك مالون، أستاذ الإدارة العامة والسياسة في الجامعة الأمريكية في واشنطن، في مقابلة معه حول ولاية ترامب الثانية حتى الآن: "بغض النظر عن الجانب الذي تقف فيه، فإن معظم الناس يتفقون على أن الكثير قد حدث". من المؤكد أن الرئيس كان "يطلق النار على كل الجهات منذ البداية". ويقول الخبراء إن هناك استراتيجية وراء ذلك: التقارير المستمرة عن التدابير المتطرفة تهدف إلى شل حركة المعارضين السياسيين أو "تجميدهم"، إن جاز التعبير.
المواطنون الأمريكيون الذين لا يتفقون مع المسار الجديد لا يعرفون ما الذي يحتجّون عليه أولاً: هل هو تجاهل ترامب الكامل لتغير المناخ وخططه لزيادة التنقيب عن النفط؟ أم تقويض مبدأ الفصل بين السلطات عندما تقوم الحكومة بترحيل المهاجرين ضد أوامر واضحة من القضاة الفيدراليين؟ أم تقييد حرية الصحافة وحرية التعبير عندما يتم حظر وسائل الإعلام غير المرغوب فيها من البيت الأبيض أم إغلاق صنبور التمويل للباحثين غير المرغوب فيهم، وحتى الجامعات بأكملها؟
إن إدارة ترامب الثانية تعمل على تقسيم البلاد كما لم يحدث من قبل. ولكن يبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى نفذ الرئيس الأمريكي في بداية ولايته الثانية ما وعد به أنصاره قبل انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2024؟
لا سلام في أوكرانيا خلال 24 ساعة
في مايو/ أيارعام 2023، أعلن ترامب خلال فعالية في ولاية نيو هامبشاير أنه في حال تم انتخابه، فسوف ينهي الحرب في أوكرانيا في وقت قصير. وقال ترامب في ذلك الوقت: "إنهم يموتون، الروس والأوكرانيون. أريد أن يتوقفوا عن الموت". وتابع: "سوف أقوم بذلك، سأقوم بذلك خلال 24 ساعة".
لكن الحرب لا تزال مستعرة حتى الآن. وقد أدرك ترامب أيضاً أنه ليس باستطاعته إنهاء الصراع في غضون يوم واحد. وتعمل الولايات المتحدة الآن على التوصل إلى حل دون تنسيق كبير مع حلفائها، وهي أقرب إلى الجانب الروسي منها إلى الجانب الأوكراني. وفي أول محادثة هاتفية له مع رئيس الكرملين فلاديمير بوتين، قدم ترامب تنازلات بعيدة المدى للرئيس الروسي.
من جهة أخرى، تعرض الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، للتوبيخ من قبل ترامب ونائبه، جيه دي فانس، في البيت الأبيض بسبب زعم ترامب بأن زيلينسكي "جاحد للجميل". وقد تم تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا. ومؤخرا، انتقد ترامب كييف لإصرارها على إعادة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا بدلا من تسليم شبه الجزيرة للعدو باسم السلام. والآن يشعر الشعب الأوكراني الذي مزقته الحرب بالصدمة بسبب التحول الكبير الذي حدث في موقف أهم دولة داعمة لبلاده.
ترامب: تخلصوا من المجرمين المتعطشين للدماء
كانت سياسة الهجرة واحدة من المواضيع المفضلة لدى ترامب خلال الحملة الانتخابية. وفي فعالية أقيمت في نيويورك في أكتوبر/تشرين الأول 2024، وعد ترامب في حال فوزه في الانتخابات بأنه سوف يبادر ببدء أكبر برنامج ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة. وقال إنه "سيضع المجرمين المتعطشين للدماء في السجن ثم نخرجهم من بلادنا في أسرع وقت ممكن".
وفي فبراير/شباط، وهو الشهر الأول لترامب في منصبه، رحلّت الإدارة الأمريكية نحو 11 ألف مهاجر. وفي فبراير/شباط 2021، الشهر الأول من إدارة الرئيس السابق جو بايدن، كان هذا العدد حوالي 12 ألفاً. لكن في عهد ترامب، أصبح عدد الأشخاص القادمين إلى الولايات المتحدة عبر الحدود الجنوبية مع المكسيك أقل، بحسب ما ذكرت شبكة "إن بي سي نيوز". ويقول مالون إن ترامب بالتأكيد جعل الهجرة أكثر صعوبة: "البعض قد يعتبر ذلك نجاحاً، والبعض الآخر قد يعتبره غير متوافق مع القيم الأمريكية".
الاقتصاد: "أمريكا عادت"
وكان ترامب قد وعد بأن الاقتصاد الأمريكي سيشهد انتعاشا كبيراً تحت رئاسته. وأحد وعوده كان هو "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" تحت رئاسته، وأن الأسعار سوف تنخفض منذ اليوم الأول لرئاسته، مثل كلامه عن حرب أوكرانيا. وقد حدث هذا في بعض المناطق، على سبيل المثال فيما يتعلق بالبنزين. وانخفضت أيضًا أسعار الرحلات الجوية والإقامة في الفنادق، وكذلك التضخم الإجمالي. وارتفعت الأسعار الأساسية، أي متوسط أسعار السلع باستثناء تكاليف البنزين والمواد الغذائية المتقلبة للغاية، بنسبة 2.8 في المائة في مارس/آذار مقارنة بالعام السابق وهو أدنى زيادة فيما يقرب من أربع سنوات، حسبما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" للأنباء.
وقال ستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، في مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي" إنّ "سياسات الرئيس ترامب تعمل على إبقاء التضخم تحت السيطرة". وأضاف: "وهذا، إلى جانب ما يحدث في التجارة حالياً، يسمح لنا بالقول: إن أمريكا عادت". ولكن بالنسبة للعديد من الأمريكيين، فإن الذهاب إلى السوبر ماركت لا يزال مكلفاً كما كان في بداية ولاية ترامب. يمكن أن تتجاوز تكلفة التسوق الأسبوعي لأسرة مكونة من شخصين 150 دولاراً، حتى خارج المدن الكبرى باهظة الثمن.
رسوم ترامب الجمركية: وفاء بالوعد أم سبب للقلق؟
بعد انتخابه، أعلن ترامب أنه سينهي سياسة "الحدود المفتوحة المثيرة للسخرية"، التي تنتهجها الولايات المتحدة والعجز التجاري. ويريد فرض رسوم جمركية مساوية لتلك التي يفرضها الشريك المعني على المنتجات الأمريكية. وقد قام بذلك في أبريل/ نيسان. وفي كثير من الحالات، كانت الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة أعلى من ذلك. إذن: تم الوفاء بالوعد. ومع ذلك هذا يجعل بعض المنتجات أكثر تكلفة بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين ويعرض العلاقات التجارية القائمة للخطر. وبحسب استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث، أصبح الأمريكيون الآن أكثر انتقادا للوضع الاقتصادي ومستقبل بلادهم مقارنة بما كانوا عليه في فبراير/شباط، بعد وقت قصير من تولي ترامب منصبه وقبل الإعلان عن رسومه الجمركية.
وفي ذلك الوقت، قال 40 في المائة من المشاركين إنهم يتوقعون أن يتحسن الاقتصاد الأمريكي في فبراير/شباط المقبل. وتوقع 37 بالمائة أن تتدهور الأوضاع. أما في أبريل/نيسان، فاعتقد 36 في المائة فقط أن الظروف الاقتصادية في الولايات المتحدة سوف تتحسن خلال عام. وفي المقابل، يعتقد 45 بالمائة أن الوضع الاقتصادي في بلادهم سوف يزداد سوءاً.
"ليس لدينا استقرار في الإدارة"
قد ينشأ بعض من عدم اليقين بشأن ما إذا كانت إدارة ترامب ستعمل على تعليق أو سحب الرسوم الجمركية بالسرعة نفسها التي تم فرضها بها. ويوضح مالون من الجامعة الأمريكية بأن هذا التردد يعد أمراً سيئاً بخصوص "الاستقرار"، الذي يعتبر الركيزة الأساسية لأي حكومة تعمل بشكل جيد.
وأردف أستاذ العلوم السياسية: "كانت الأيام المائة الأولى بمثابة عاصفة، لكننا لم نحقق فيها تقدماً فحسب". لقد فرضت إدارة ترامب أشياء كثيرة ثم تراجعت عنها. وقد ظهر ذلك في الرسوم الجمركية، ولكن أيضا في تسريح الموظفين في العديد من الوزارات. في البداية، تم تسريح الآلاف من الأشخاص وعندما اكتُشِف بعد ذلك بفترة وجيزة أن بعض هؤلاء الموظفين، على سبيل المثال في مجالات الطيران أو السلامة النووية، كانوا لا غنى عنهم، أُعيد تعيينهم.ويتابع مالون: "من الصعب تماما إدارة حكومة بهذه الطريقة، فجميع الحكومات بحاجة إلى الاتساق وأن يكون لديها بعد نظر وتتمتع بالاستقرار. وهذا ليس موجودا عندنا في الوقت الحالي".
أعدته للعربية: إيمان ملوك/ تحرير: صلاح شرارة