ضبطت شرطة حماية التراث الثقافي في العاصمة الإيطالية روما تمثالا مسروقا من تدمر بسوريا، عرض في الدورة الـ30 لمؤتمر (إيكروم )لإعادة إعمار التراث الثقافي، والذي سلط الضوء على قضية الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية.
إعلان
الدمار طال جزءا لا يستهان به من الإرث الثقافي في سوريا، الذي اعتبره علماء الآثار مركزاً لإحدى أقدم الحضارات في التاريخ، حيث يضم 6 مواقع مدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي. لم تسلم هذه المواقع من كل أشكال التخريب: دمار، تنقيبات غير شرعية، سرقة ونهب ومتاجرة. كما تسلم منها مناطق أخرى من العالم تدميها النزاعات المسلحة.
تنظيم داعش قام -خلال سيطرته على مدينة تدمر الأثرية المدرجة ضمن قائمة اليونيسكو للتراث العالمي- بتدمير الكثير من المواقع الأثرية المهمة، مثل معبد بل وبعل شمين، فضلاً عن السرقة والنهب، والتنقيبات غير الشرعية، والاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية وغيرها من الجرائم المتعمدة، التي حلت على العديد من المواقع التاريخية والدينية.
تمثال سرق في تدمر، وضبط في روما
في منزل أحد الأشخاص المهتمين بجمع القطع التاريخية في مدينة أتسي بإيطاليا، وجد تمثال جنائزي أثري كان قد تعرض للسرقة في مدينة تدمر، وتم تصديره إلى إيطاليا بطريقة غير شرعية، كالعديد من القطع التاريخية الأخرى، التي ربما قد تشردت في أنحاء العالم عبر المتاجرة غير المشروعة، ولم تكتشف بعد. وبجهود قيادة الشرطة لحماية التراث الثقافي "الكارابينييري"، تمت استعادة التمثال، الذي عرض ضمن معرض بعنوان "تدمر: النهوض من الدمار"، إلى جانب نموذج آخر من تراث مدينة تدمر، نسخة طبق الأصل من معبد بيل، قد أعيد إحياؤه من جديد من خلال التكنولوجيا الحديثة. وذلك قبل أيام في افتتاح الدورة الثلاثين للجمعية العامة للمركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية (إيكروم)، في العاصمة الإيطالية روما.
وقال السيد ستيفانو دي كارو، المدير العام لمنظمة (ايكروم) لـDW العربية، إن الهدف من عرض هذا التمثال في هذه الفعالية هو "لفت الانتباه إلى الاتجار غير الشرعي بالقطع التراثية، الذي لا يزال مستمراً حتى اليوم. إذ تم التنقيب عن هذه القطعة بطريقة غير شرعية في تدمر"، وأضاف أن "العمل الذي قامت به قيادة الشرطة لحماية التراث الثقافي "الكارابينييري" رائع، ومعترف به على الصعيد الدولي لوقف عمليات النهب والاتجار بالقطع التراثية والتاريخية". ولفتت السلطات إلى أن التمثال سيعاد إلى سوريا عندما تصبح الظروف آمنة وتسمح بذلك.
"كل التراث غالٍ ومهم"
وأكد المتحدثون في هذه الفعالية، التي استمرت لمدة ثلاثة أيام من النقاش والعروض التقديمية والاجتماعات بين المشاركين، الذين قدموا من 135 دولة من الدول الأعضاء لمنظمة (إيكروم) في العاصمة الإيطالية روما، على أهمية تدعيم وتقوية التعاون الدولي في حفظ وترميم الممتلكات والتراث الثقافي، ومواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.
وكما قال السيد دي كارو لـ DW: إن المدينة القديمة في حلب، والموقع الأثري لتدمر، هما من أكثر المواقع المشهورة التي تعرضت للجزء الأكبر من الضرر، بالإضافة إلى مواقع أخرى ذات أهمية وقيمة تاريخية كبيرة مؤكداً أن: "كل التراث غالٍ ومهم".
كما تضمن المؤتمر جلسة نقاش موضوعي بشأن "إعادة الإعمار بعد الصراع - التعافي والمشاركة المجتمعية"، ومعرض للصور الفوتوغرافية بعنوان "ماذا بعد اليوم: ظلال التراث"، الذي شمل مجموعة من الصور التي استعرضت التراث الثقافي المدمر في أربع دول في الشرق الأوسط وهي: ليبيا، العراق، سوريا، واليمن. وكان تنظيم هذه الفعالية برعاية ايكروم – الشارقة، المركز الإقليمي لحفظ التراث المادي العمراني والأثري في العالم العربي، الإمارات العربية المتحدة، بالتعاون مع الأكاديمية المصرية في مدينة روما، وسيستمر المعرض لمدة شهرين بعد انتهاء المؤتمر. وقالت الدكتورة جيهان زكي، مديرة الأكاديمية المصرية في روما: "يهدف المعرض إلى زيادة الوعي، من خلال عرض الدمار والضرر الكبير الذي لحق بهذه المواقع، للتأكيد على ضرورة التحرك السريع للمجتمع الدولي وبشكل جماعي لحماية وترميم والحفاظ على هذه الكنوز المعروضة من أجل الأجيال القادمة".
فيمؤتمر إيكروم..
وفي اليوم الثالث والأخير للمؤتمر، أعلن عن مجموعة من التوصيات، التي أكدت على دور منظمة (ايكروم) كمنصة عالمية تقدم النصح والتوجيه، والمناهج لمجتمع الخبراء، والشبكات، وصانعي القرار والمؤسسات المسؤولة عن حفظ وحماية التراث الثقافي المهدد بالخطر ، ومن بينها الامتثال للاتفاقيات العالمية الأخيرة، التي أقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومنها التي يتعلق بإدانة تدمير التراث الثقافي في العراق وسوريا، والقرار المكرس لحماية التراث الثقافي من الخطر. وتطوير الاستراتيجية والمناهج وخطط العمل لإعادة الإعمار بعد الصراع، الأمر الذي يحتاج إلى الوقت والتخطيط الطويل من النواحي الاجتماعية والبيئية.
وكما أوضح السيد زكي أصلان، مدير ايكروم – الشارقة لـDW أن ماتقوم به منظمة (ايكروم) بخصوص سرقة الآثار والاتجار غير المشروع بالقطع الأثرية، يتمثل من خلال مذكرة التفاهم للتعاون المشترك مع الإنتربول الدولي، كما سيطلق برنامج لتدريب قوات الشرطة، وتيسير المعلومات مع البلدان المعنية بشأن القطع المفقودة. وقال: "نشجع أيضاً جميع الدول الأعضاء في المنطقة على التصديق على اتفاقية الاتجار غير المشروع، التي تم اقرارها في عام 1970، وسوف نطلق برنامجا آخراً للمشاركة في تمكين وتحسين التشريعات الخاصة بالتراث الوطني، فضلاً عن بناء قدرات المحامين والوحدات القانونية العاملة في إدارات التراث في جميع أنحاء المنطقة".
ريم ضوا
صروح أثرية في مواجهة الحروب والتشدد الديني
بعد سيطرة حركات متشددة على مدن أثرية، كما حصل في العراق وسوريا، حذرت منظمات دولية من ضياع كنوز أثرية وإسلامية، تدمرها الحروب وتعمل معاولها فيها، أفكار متشددة تعتبر أن وجود آثار حضارات مضت يشكل "تهديداً للإسلام" نفسه.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Al-Rubaye
أعلنت القوات العراقية أن تنظيم "داعش" السني المتطرف فجر منارة الحدباء التاريخية وجامع النوري الكبير الذي شُيد عام 1172 وشهد الظهور العلني الوحيد لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في المدينة القديمة بغرب الموصل. تفجير المسجد الذي يحمل قيمة رمزية كبيرة للتنظيم، اُعتبر بمثابة إقرار بـ"هزيمة" التنظيم.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Al-Rubaye
اثأر سقوط مدينة تدمر الأثرية تحت سيطرة تنظيم "داعش" مخاوف من أن تلقى مدينة التاريخ هذه مصير كثير من المواقع الأثرية في سوريا، والتي انتهت إلى التدمير والحرق والنهب خلال المعارك بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام. بعد سيطرة "داعش" قال الأزهر في بيان له أن الدفاع عن تدمر هو "معركة الإنسانية بأكملها".
صورة من: picture-alliance/CPA Media/Pictures From History/D. Henley
جراء الحرب الأهلية في سوريا دمرت مواقع أثرية يرجع تاريخ بعضها لأكثر من 5000 عام، فقد أحرقت نيران هذه الحرب سوق حلب القديم، الذي يمثل أحد أقدم الأسواق في العالم، ولم تسلم قلعة الحصن بحمص من تدمير هذه الجماعات بعد أن استخدمها تنظيم "داعش" كمخبأ للقناصة.
صورة من: Reuters
بلدة معلولة، التي تستمد شهرتها من الأديرة التاريخية، وقعت هي الأخرى ضحية حركة "النصرة" المتشددة عام 2013، ونهب مسلحو التنظيم صلبانا وأيقونات أثرية وباب دير سركيس. وخلال سيطرتهم على البلدة هرب أغلب سكانها المسيحيين.
صورة من: picture-alliance/akg-images/Hedda Eid
تتعاظم هذه المخاوف بعد أن دمر تنظيم "داعش" مدينة الحضر الأثرية في العراق بعد ان سيطر عليها، كما دمر مقاتلوه مدينة نمرود جوهرة الإمبراطورية الأشورية التي تأسست في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، إضافة إلى تدميرهم لكثير من الآثار التي تعود للحقبة الآشورية والمعروضة في متحف مدينة الموصل التي يحتلها التنظيم منذ عام .
صورة من: picture-alliance/dpa/Quelle: Islamischer Staat/Internet
لكن تقرير للأمم المتحدة كشف أن التنظيم لم يدمر جميع التماثيل الآشورية، التي يصفها متطرفو التنظيم بـ"الأصنام"، بل قام ببيع القطع الأثرية الأهم في السوق السوداء لدعم تمويل عملياته المسلحة في العراق وسوريا.
صورة من: picture-alliance/dpa/Quelle: Islamischer Staat/Internet
كان تدمير مدينة الحضر في اطراف الموصل بأعمدتها الشهيرة خسارة كبيرة للتراث الإنساني. نشأت مملكة الحضر في القرن الثاني الميلادي ودامت حوالي مئة عام. واشتهرت بهندستها المعمارية وفنونها وصناعتها، وتنتشر فيها الكثير من النقوش المنحوتة والتماثيل.
صورة من: picture-alliance/Bildagentur-online/Tips Images
عمليات تدمير المواقع الأثرية المدرجة على لائحة التراث الإنساني لمنظمة اليونسكو، لم تقتصر على آثار آشور، وإنما شملت أيضاً مراقد إسلامية مقدسة، كمقام النبي يونس في الموصل، الذي نسفه تنظيم "داعش" لـ"إبعاد الشرك عن الإسلام"، كما تنص رؤية التنظيم الدينية المتشددة.
صورة من: picture-alliance/dpa/EPA
طالما وصفت ليبيا بأنها "خزانة التاريخ" لما تحتويه من مدن أثرية لا تزال شبه كاملة من الحضارتين الإغريقية والرومانية. بعد الحرب الأهلية التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي، قام المتشددون بجرف عدد من الأضرحة أو نبشها في مختلف أنحاء البلاد، انطلاقا من اعتقادهم بأن وجودها "يخالف تعاليم الإسلام".
صورة من: REUTERS
وفي مكان غير بعيد عن ليبيا، وقعت أضرحة الأولياء في مالي وما تحتويه من مخطوطات أثرية هامة ضحية للرؤية الدينية الضيقة، فقد قامت جماعات متشددة على الطريقة الوهابية بتدمير هذه الأضرحة معتبرة أن تكريم الأولياء من "عبادة الأوثان".
صورة من: picture-alliance/abaca
خلال حكم الإخوان المسلمين لمصر تسربت أنباء عن تقديم بعض قيادي التنظيم مقترحاً لبيع الآثار الفرعونية، كما دعت أصوات متشددة أخرى خلال تلك الفترة أيضاً إلى هدم الأهرامات وأبو الهول ونزلة السمان على اعتبار أنها "أصنام".
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Scholz
وفي الآونة الأخيرة بدأ تنظيم "داعش" يعمل بشكل ممنهج على التنقيب عن الآثار في مصر للبحث عن مصدر جديد لتمويل عملياته، وذلك عن طريق تهريب وبيع الآثار التي يعثرون عليها .
صورة من: picture-alliance/dpa
مطلع عام 2014، لحق بمتحف الفن الإسلامي في القاهرة تدمير شامل إثر انفجار قنبلة في مبنى مديرية أمن القاهرة التي تقع أمام المتحف مباشرة. دمر التفجير كثير من الآثار المرتبطة بتاريخ الإسلام نفسه، وقالت الجهات الأمنية إن جماعة الإخوان المسلمين كانت وراء الاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa
قبل سيطرة تنظيمات متشدد أفرزتها ثورات "الربيع العربي" وقادت إلى تدمير صروح أثرية، كانت حركة طالبان الأفغانية قد سبقت كل هؤلاء مطلع 2001 بتفجيرها لتمثالي بوذا في باميان. وتوافد مئات من عناصر الحركة من ارجاء افغانستان وعملوا طيلة 25 يوما على تدمير التمثالين بالقذائف والمتفجرات، انطلاقاً من الأفكار الوهابية التي يعتنقها مقاتلو الحركة.
صورة من: Getty Images
الأفكار الوهابية قادت هي الأخرى إلى تدمير آثار إسلامية في بلد بعيد عن "الربيع العربي، فقد دقت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية ناقوس الخطر بشأن هدم المواقع الأثرية في السعودية بحجة توسيع الحرمين الشريفين. كما أكد مفتي البلاد أن ما هدم من آثار في الحرمين الشريفين "لا مانع منه، بل إنه من الضرورة"، مشيراً إلى أن توسعة الحرمين تقتضي ذلك.
صورة من: picture-alliance/dpa/Saudi Press Agency/Ho