مسرحية الذئب الأبيض- البحث عن دوافع القتل لأسباب عنصرية
١١ فبراير ٢٠١٤ثلاث شخصيات وظفها لوتار كيتشتاين كاتب المسرحية الألمانية "الذئب الأبيض"، ليبرز من خلالها ثلاثة قتلة حقيقيين: رجلان (أوفيه بونهارد و أوفيه موندلوس) وامرأة (بيآتيه تشيبه)، الثلاثي المكون لخلية اليمين المتطرف العنصرية التي اقترفت في ألمانيا على مدى سنوات عديدة، خلال العقد الأول من الألفية الثالثة سلسلة من أعمال القتل العنصرية، فقامت بقتل ثمانية مهاجرين أتراك ويونانيا واحدا وشرطية ألمانية. ما دفع بالمؤلف لكتابة هذه المسرحية، التي عرضت في مسرح (شاوشبيل) بمدينة فرانكفورت الألمانية، هو مشاهدته "لإحدى صور الرجلين المجرمين وهما ينظران فيها بمكر ويضحكان كما لو كانا في إجازة"، علما بأن هذين الرجلين انتحرا عام 2011 بعد مرور خمس سنوات على اقترافهما لآخر جريمة لهما ضد مهاجرين في ألمانيا، بالاشتراك مع المرأة التي لا تزال على قيد الحياة وتُحاكم حاليا في ميونخ.
ولكن ما الذي دفع بهؤلاء النازيين الجدد للقيام بذلك ولماذ قام الرجلان بالإنتحار. هل هو الشعور بالذنب؟ سؤال دار في ذهن كاتب المسرحية قبل فترة طويلة في مايو/ أيار 2013 ، حين بدأت في ميونخ محاكمة المرأة المتهمة، الباقية على قيد الحياة. ويقول كاتب المسرحية في هذا السياق: "كان لدي عدد قليل من الحقائق والمعطيات. وكان من الواضح أننا أمام سلسلة من جرائم قتل اقترفها الثلاثي: رجلان وامرأة يربطهم شعور اقتراف الجريمة. فلم يتطلب الأمر البحث عن كثير من الممثلين".
الشخصيات الثلاث على خشبة المسرح تنتابها أوهام وهواجس مخيفة. فهم لا يحلمون فقط بحياة برجوازية صغيرة، بل أيضا بمثاليات تعكس تصورات لا يجدونها في حياتهم الواقعية مثل نظام الدولة ونقاء العرق والمواقف العنصرية: "بلادنا تنهار بسبب وجود الأجانب بها". جاء مصدر إلهامهم من أعماق الذاكرة الجماعية للماضي النازي السحيق الذي خيم على ألمانيا، فرغبوا في نهج حياة لا تقتصر على مجرد التسوق، بل على أن يظهر فيه الأشرار كأبطال، في عالم تسوده البرية، حيث يعيش الذئب الأبيض.
ثمة لحظات تبدو فيها شخصيات المسرحية لطيفة ويظهر فيها البعد الرومانسي. وفي هذا الصدد يقول كاتب المسرحية لوتار كيتشتاين: "أنا متأكد من أن القتلة كانوا في الحقيقية أكثر غباءً من الشخصية المسرحية، حيث يصعب الأرتياح إليهم، كما إنهم أكثر مللا وابتذالاً ". ويضيف: "غير أنه يجب ترك الخصوصية للشخصية المسرحية أثناء الكتابة لأنها لا تريد دائما فعل ما يريده الكاتب. وفي هذه الحالة تتجه المسرحية باتجاه الرومانسية غيرالحقيقية . فالشخصيات الثلاث تجسد مرتكبي جرائم قتل حقيقيين، لديهم حنين خطير إلى تاريخ ألماني سحيق".
إنه توق خطير إلى ماضٍ نازي متوحش ربما كان يصول ويجول في أذهان القتلة الحقيقين. شيء مخيف وماضٍ مليء بالدماء والعنصرية والتطرف. ويقول كاتب المسرحية في هذا السياق: "وقد تختبئ في نفس من النفوس ذرات صغيرة وخافتة من هذا الحنين البالغ الخطورة ولكن بدرجات متفاوتة تحت غطاء الديمقراطية، التي نتمتع بها لحسن الحظ". القتلة الثلاثة ينتمون إلى الجزء الشرقي من ألمانيا، ولكن أما كانوا ليقوموا بتلك الجرائم لو أنهم ولدوا في الجزء الغربي من ألمانيا؟ المسرحية لا تجيب عن هذا التساؤل، غير أنها تطرح بمشاهدها مجموعة أسئلة على المشاهدين وتحظهم على التدبر والتمعن.