مسلمو أمريكا... صورة إعلامية مشوهة رغم اندماجهم
١٠ سبتمبر ٢٠١٠تشير إحصائية قامت بها صحيفة واشنطن بوست في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن ثلثي الأمريكيين لا يوافقون على بناء مسجد ومركز إسلامي بالقرب من الموقع السابق لمركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك. ويبدو أن وجود عدد من نواد التعري والحانات في نفس الشارع الذي سيبنى فيه هذا المسجد لا يلعب أي دور في هذا القرار، كون هذه الأماكن لا تجذب الإرهابيين والمتطرفين الذين دمروا مركز التجارة العالمي، مستغلين الإسلام لتنفيذ أعمالهم.
الإعلام يساهم في ترسيخ السلبيات
ومنذ أن هزت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الولايات المتحدة والعالم بأسره يعرب كثير من الأمريكيين عن قلقهم حيال الإسلام، وذلك بحسب جيم كولبه، الخبير في شؤون المهاجرين بمؤسسة صندوق مارشال الألمانية. ويضيف كولبه أن "هؤلاء لا يواجهون أي مشاكل مع المسلمين الذين يعرفونهم بشكل شخصي، لكن عندما يسمعون عن أعمال مرتبطة بشكل خاطئ بالإسلام، فإنهم يخرجون بصورة سيئة عن هذا الدين".
وبالرغم من أن الخبير في شؤون المهاجرين يعني بذلك أن الأمريكيين ليسو معادين للإسلام، إلا أن نتائج الإحصائية التي أجرتها واشنطن بوست تشير إلى أن 49 في المائة من الأمريكيين ينظرون إلى الإسلام بشكل سلبي. ويعود هذا في معظم الأحيان إلى التغطية الإعلامية في الولايات المتحدة، كما يقول الدكتور جون إسبوسيتو، مدير معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة جورجتاون الأمريكية، مشيراً إلى أن الإسلام يذكر في وسائل الإعلام في نفس السياق الذي يذكر فيه المتطرفون، والهجمات الانتحارية والتفجيرات، وأشخاص يعادون الولايات المتحدة.
ويوضح إسبوسيتو أنه "يوجد لدينا منذ عدة سنوات مذيعو برامج حوارية في التلفزيون، معظمهم يعملون في قناة فوكس نيوز المحافظة، إضافة إلى كتاب أعمدة في الصحف، وقساوسة، ومتشددين. كلهم يقومون بحملات تحريضية ضد الإسلام"، وهي حملات يتعرض لها الرأي العام الأمريكي بشكل مستمر. وبالإضافة إلى الإعلاميين، هناك السياسيون أيضاً، الذين ينشرون تصريحات معادية للإسلام، خاصة في حملاتهم الانتخابية. وقد يعلل هذا احتدام النقاش حول بناء المركز الإسلامي في نيويورك قبل شهرين فقط من انتخابات الكونغرس الأمريكي.
معاداة ناتجة عن جهل
ما يسهل استقبال هذه الرسائل والتصريحات المعادية للإسلام هو أن نسبة ضئيلة من الأمريكيين فقط تعرف مسلمين بشكل شخصي، إذ أن المسلمين يشكلون أقلية صغيرة بالمقارنة مع عدد سكان الولايات المتحدة البالغ 300 مليون نسمة. وبالرغم من الحملة التي تشن ضدهم، فإن المسلمين يُعتبرون مندمجين بشكل جيد في المجتمع الأمريكي، بحسب عدد من الأبحاث التي أجريت والتي يقتبسها أستاذ الدراسات العربية والإسلامية إسبوسيتو، مضيفاً أن "المسلمين الأمريكيين، بعكس أقرانهم في أوروبا، مندمجون في المجتمع الأمريكي اقتصادياً وتعليمياً، وبدؤوا مؤخراً في الاندماج سياسياً أيضاً". وتشير الدراسات أيضاً إلى أن دخل كثير من المسلمين يفوق متوسط الدخل في الولايات المتحدة.
وبالرغم من هذه الحقائق، فإن الرأي العام الأمريكي لا يزال يتقبل التصريحات السلبية بحق المسلمين التي قد تسبب سخطاً وهرجاً إعلامياً إذا ما صدرت بحق أقليات أخرى مثل الأمريكيين من أصول أفريقية أو اليهود. فعلى سبيل المثال لم يتجرأ أحد أن يهاجم باراك أوباما أثناء حملته الانتخابية الرئاسية بسبب كونه أمريكياً من أصول أفريقية، بل تمت مهاجمته من ناحية اعتقاده الديني، إذ كان قد "اتهم" بكونه مسلماً. وكل الهدف من هذا "الاتهام" هو إضفاء نكهة سلبية مستقاة من صورة الإسلام في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من اعتراف أوباما علناً بأنه يعتنق الدين المسيحي، إلا أن 20 في المائة من الأمريكيين لا يزالون يصدقون بأن أوباما مسلم.
دعم معنوي من أعلى المستويات
وفي ظل الوضع الاقتصادي المتردي في الولايات المتحدة، تحول المسلمون هناك إلى "كبش فداء" تنحى عليه باللائمة. وتساهم نسبة البطالة المرتفعة وتشديد سياسة مكافحة الهجرة غير القانونية هناك في ترسيخ هذه الصورة عن المسلمين، كما يشرح مقتدر خان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ديلاوير الأمريكية. ويضيف خان الهندي الأصل والذي يعيش في الولايات المتحدة منذ عشرين عاماً، إن "الكثير يعتقدون بأن أمريكا قد تغيرت، فانتخاب شخص أسود يحمل اسماً ثانياً مسلماً رئيساً للولايات المتحدة ساهم في ذلك ... المسيحيون البيض يخافون من هذه التغيرات، ومن أن يتحولوا إلى مجموعة مهمشة في بلادهم".
لكن أستاذ العلوم السياسية مقتدر خان لا يزال يعتقد بأن الولايات المتحدة بلد عظيم، وأنه لا يرغب بأن يعيش في أي مكان آخر. إلا أنه يعرب عن تخوفه من أن يخلف النقاش الدائر حالياً بعض الآراء السلبية التي قد تضر بشكل دائم بصورة المسلمين. وقد لا يتجلى ذلك في تفتيشهم بشكل خاص في المطارات فحسب، وإنما قد يمتد إلى التمييز ضدهم عند التقدم إلى وظيفة ما أو في ما يتعلق بشؤون الحياة اليومية.
من جهة أخرى يرى مقتدر خان أن عدداً من كبار الساسة في واشنطن، كالرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، يقدمون دعماً للمسلمين، مضيفاً أن "حتى (الجمهورية المحافظة) ساره بيلين والمحاور التلفزيوني غلين بيك المعروف بمعاداته للإسلام، أدانا خطة حرق نسخ من القرآن". ويأمل خان أن يدرك الساسة والناشطون اليمينيون المتطرفون أنهم قد تمادوا، وأن يقللوا من مهاجمتهم للإسلام. إلا أن عبء التخلص من الصورة السلبية المحيطة بالإسلام سيكون ثقيلاً للغاية، وخصوصاً في ظل استمرار تردي الوضع الاقتصادي الأمريكي وقرب موعد إجراء انتخابات الكونغرس.
كريستينا بيرغمان/ ياسر أبو معيلق
مراجعة: طارق أنكاي