مسيحيو العراق وهاجس الخوف من أوقات الأعياد
٢٠ أبريل ٢٠١٤يشعر يوسف البالغ من العمر ثمانية وثلاثين عاماً بالخوف كلما اقترب موعد الأعياد المسيحية. ويدفعه ذلك إلى حزم حقائبه ومغادرة بغداد نحو قره قوش (بخديدا) التي تبعد بحوالي 40 كيلومتر عن الموصل. يملك يوسف شقة صغيرة في هذه المدينة المسيحية، وبحكم انتقاله المتكرر لها أصبح معروفاً في نقطة التفتيش الواقعة على الطريق المؤدية لهذه المدينة.
"كيف هو الوضع في بغداد، وكم من قنبلة انفجرت أمس هناك؟" يسأل رجال الشرطة كل من يمر عليهم. يرد يوسف قائلا بأن اثنين من قذائف الهاون استهدفتا المطار، كما انفجرت سيارة ملغومة في حي الكرادة التجاري. بالإضافة إلى تفجيرات أخرى لم يذكرها لكثرتها.
وبخلاف بغداد فإن الوضع هادئ نسبيا في منطقة الدورة جنوب بغداد، حيث يقطن يوسف. لكن فترة أعياد الميلاد شهدت عدة اعتداءات في هذه الضاحية قبل عام، إذ انفجرت سيارة مفخخة عند خروج المؤمنين المسيحيين من الكنيسة بعد إقامتهم لقداس بمناسبة عيد الميلاد. وبعدها بيوم واحد تعرض سوق يقصده مسلمون ومسيحيون للقصف، مما خلف خمسين قتيلاً. ويخشى يوسف من أن تتواصل الأعمال الإرهابية تزامنا مع احتفالات عيد الفصح المسيحي، خصوصا وأن العنف في العراق بلغ مستويات قياسية بعد التراجع الكبير الذي سجله بين أعوام 2009 و2011. ففي شهر مارس وحده قتل حوالي ستمائة شخص وجرح ألف أغلبهم في بغداد.
قره قوش ملاذ آمن للمسيحيين؟
قبل عشر سنوات لم يكن أحد يعرف قرية قره قوش الواقعة في محافظة نينوى، والتي لم يكن عدد سكانها في السابق يتجاوز ثلاث آلاف نسمة. كانت الزراعة وتربية المواشي المصدران الرئيسان للدخل هناك. لكن وبعد الغزو الأمريكي والبريطاني للعراق، وما أعقبه من فرار أكثر من ثلاثة ملايين شخص خوفاً من الإرهاب، تحولت قره قوش إلى ملاذ آمن للمسيحيين.
وفي خضم ذلك أصبحت هذه القرية الصغيرة مدينة متوسطة يبلغ عدد سكانها حوالي 50 ألف نسمة، وتحولت إلى مركز تجاري بشوارع جديدة ومحلات تجارية ومطاعم ومنازل جميلة. وتحيط بالمدينة قوات أمن خاصة مدججة بأسلحة ثقيلة تتولى حماية الحدود ومنع الإرهاب من الوصول إليها.
عشية عيد "جميع القديسين" عام 2010 تعرض يوسف لصدمة لن ينساها مدى حياته، إذ فقد ثمانية من أفراد عائلته دفعة واحدة، عندما اقتحم أفراد تابعين لجماعة دولة العراق الإسلامية التابعة للقاعدة حينها، كنيسة سيدة النجاة في حي الكرادة في بغداد واحتجزوا 200 مؤمن مسيحي كان يحضر القداس. وبعد تدخل قوات الأمن العراقية بدأ الإرهابيون يطلقون النار على الرهائن واحداً تلو الآخر في منظر رهيب، شاهدت فيه النساء أزواجهن وأبنائهن وهم يقتلون أمام أعينهن. وكانت الحصيلة 68 قتيلا من بينهم ثمانية أفراد من عائلة يوسف.
موجة الهجرة في أوساط المسيحيين
قبل الاجتياح الأمريكي للعراق في مارس 2003 كان عدد المسيحيين هناك يبلغ حوالي مليون ونصف. أما اليوم فأصبح عددهم يقدر بحوالي أربعمائة ألف شخص فقط. يرغب كثير من مسيحي العراق في الالتحاق بأفراد عائلاتهم الموجودين بالخارج. كما قدم يوسف بدوره طلباً للهجرة إلى كندا، التي تستقبل أصحاب الشهادات العليا من العراقيين المسيحيين. وبحكم تخصصه في الهندسة يأمل يوسف في أن يبدأ حياة جديدة هناك.
يحذر بطريرك الكنيسة الكلدانية لويس رافائيل ساكو من "انقراض المسيحيين من العراق". فهو يعلم جيداً واقع هذه الفئة في كركوك، حيث تولى هناك لسنوات منصب رئيس الأساقفة. ويدرك حجم المعاناة التي يتعرض لها المسيحيون في تلك المدينة الغنية بالنفط بسبب غياب الأمن، مما يجعلهم يفكرون دائما في الرحيل. رغم ذلك، يحاول البطريرك البالغ من العمر 65 عاما تشجيع المسيحيين على البقاء في العراق، وقد قام بتوجيه نداء للدول الغربية لتكثيف جهودها للتخفيف من حدة التوترات العرقية في العراق بدلا من استقبال المسيحيين الراغبين في مغادرة البلاد. إلا أن هذه النداءات لا تجد من يستجيب لها في بعض الأحيان. وعن التواجد المسيحي في العراق يقول رافائيل ساكو " نعيش هنا منذ أكثر من 2000 سنة. كما أننا نعيش منذ قرون جنبا إلى جنب مع إخواننا المسلمين". ويضيف "عالمنا يغلب عليه طابع التعدد، ونحن نحتاج إلى بعضنا البعض".
ساكو سيخلف الكاردينال عمانوئيل دلي الذي وافته المنية مؤخرا وهو ما سيضطره إلى ترك كركوك والتوجه إلى العيش في بغداد. ويحظى عيد الفصح بأهمية كبيرة لدى الكنيسة الكلدانية، وعن الفرق بينها وبين الكنيسة الكاثوليكية في هذه النقطة يقول ساكو " روما تبرز دائما معاناة المسيح، أما نحن فنركز على الأمل. فقيامة المسيح هي جوهر اعتقادنا لأنها ترمز للحياة وللتجديد". و من هذا المعتقد يستمد ساكو القوة التي تجعله يستمر في نشاطه. فعيد الفصح بالنسبة له أمر لا يمكن الاستغناء عنه. وهو ما يرغب في التأكيد عليه، عندما يلتقي مع أبناء عقيدته في قداس سينظم في كنسيته بمناسبة عيد الفصح.