مشروع المربع.. خطوة جديدة من بن سلمان لـ"تحديث المملكة"؟
١٢ مارس ٢٠٢٣
هل تتجه السعودية نحو مزيد من تحديث الهوية؟ مشروع جديد في العاصمة الرياض يحاكي شكل الكعبة، وذلك في سياق يشهد تحولا من القيادة السعودية نحو تخفيف البعد التاريخي الديني.
إعلان
مشروع ضخم أعلن عنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تحت اسم "مشروع المربع" في العاصمة الرياض، بعرض وارتفاع وطول 400 متر، الذي سيكون في وسط الرياض، بهدف تطوير أكبر "داون تاون"، حيث تخطط القيادة السعودية لكي يكون أكبر وسط مدينة في العالم.
يضم المشروع "متحفا مبتكرا وجامعة متخصصة في التقنية والتصميم ومسرحا متعدد الاستخدامات ومناطق للعروض الحية والترفيهية" حسب ما أعلنته وكالة الأنباء السعودية قبل أيام، ومن المخطط أن ينتهي بناؤه عام 2030.
ويشبه المشروع الكعبة في شكلها الهندسي، وهو الأمر الذي خلّف جدلاً كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي. ويقول برونو شميدت فويرهيرد، محلل سياسي من جامعة كامبريدج ، لـ DW إنه "في المجال العام السعودي ، يتم استبدال الدين بالثقافة بشكل متزايد"، نافياً أن تكون العمارة على شكل مكعب أمرا خاصاً بالكعبة.
تغيير تاريخ التأسيس
وهذا المربع الجديد ليس هو التغيّر الوحيد في السعودية، فقد سبقته خطوات أخرى تؤكد توجهاً نحو عصرنة البلد. من ذلك الاحتفاء لأول مرة بيوم ذكرى تأسيس الدولة السعودية العام الماضي، وحددت المناسبة يوم 22 فبراير/ شباط من كل عام، وهو المعروف باسم "يوم التأسيس"، وذلك زيادة على اليوم الوطني السعودي المحتفى به يوم 23 سبتمبر/ أيلول من كل عام، ويعود إلى مناسبة توحيد السعودية عام 1932.
وأهم ما في إقرار "يوم التأسيس" هو تغيير تاريخ تأسيس البلاد من عام 1744 إلى عام 1727. إذ يرتبط عام 1744 بالاتفاق بين أسرة آل سعود الحاكمة ورجل الدين محمد بن عبد الوهاب زعيم ما يعرف بالإسلام الوهابي الذي بقي مسيطراً على السعودية لعقود طويلة.
الاتفاق يتضمن دعم عبد الوهاب لآل سعود في سلطة الحكم، وذلك من منطلق ديني، بينما تدعم الأسرة الحاكمة الوهابية مالياً وتتيح لها أن تكون ذات سلطة على التعليم والأخلاق العامة، وحتى القوانين كانت بنفس وهابي.
أما عام 1727، فهو يرتبط بصعود محمد بن سعود إلى السلطة باعتباره مؤسس الدولة السعودية الأولى، وذلك بعد سيطرته على إمارة الدرعية الواقعة شمال الرياض. ويعلّق شميدت فويرهيرد: "من الواضح أن التفسير الجديد لميلاد الدولة يقلّل من أهمية دور الدين"، مبرزاً أن "الهدف هو حملة قومية للاحتفال بأعياد غير دينية".
كما أعلنت السعودية بداية هذا الشهر عن "يوم العلم" وفق ما جاء في مرسوم ملكي، وهو يوم يحتفى به رسمياً للمرة الأولى يوم 11 مارس/ آذار 2023، ويعود إلى اليوم الذي أقرّ فيه الملك عبد العزيز العلم السعودي الحالي. أشار المرسوم الملكي إلى شهادة التوحيد باعتبارها ترمز إلى "رسالة السلام والإسلام" بينما يرمز بالسيف إلى "القوة والأنفة وعلو الحكمة والمكانة".
كما أعلنت وزارة الشؤون الإسلامية السعودية عن تغييرات كبيرة في قواعد شهر رمضان، ومن ذلك الحث على عدم إحضار الأطفال إلى المساجد، ومنع جمع التبرعات داخل المساجد، وعدم التغيب عن العمل إلا للضرورة القصوى، ومراعاة ظروف الناس في صلاة التراويح وفي الأدعية، ومنع استخدام الكاميرات في المساجد.
تغيير ضمن سياق عام
حظيت هذه التغييرات بشكل عام بقبول عدد كبير من السعوديين، ويشير شميدت فويرهيرد إلى عدة تفسيرات لهذه الظاهرة، منها إرسال عشرات الآلاف من السعوديين إلى الخارج بتمويل حكومي كامل، جعلهم يتقبلون هذه التغييرات الثقافية في البلاد.
كما أضحى التعليم وخلق الوظائف للشباب السعودي من أولويات المملكة، وهما جزء أساسي منرؤية 2030 التي أعلن عنها ولي العهد السعودي إبان صعود نجمه في السياسة، أي منذ أن كان وليا لولي العهد. ومنذ 2016 إلى الآن، أعلن محمد بن سلمان عن مجموعة من القرارات لتغيير وجه المملكة المحافظة.
من ذلك تنويع الاقتصاد بعدم جعله مركزاً على النفط، وتحديث البنى التحتية في البلاد، وخلق سياسة ترفيهية سمحت بإقامة المهرجانات الغنائية وفتح دور السينما، ومن أكبر المستفيدين، نساء المملكة اللواتي خفت القيود عليهن، ومن ذلك السماح بقيادة السيارة وبالحج والعمرة دون محرم، وأضحى الاختلاط أمرا عاديا، فضلاً عن إلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الحرية غير مضمونة بعد!
لكن مع ذلك لم يصل هذا التحديث إلى ضمان حريات حقيقية للمواطنين، واستمر التضييق والسجن بسبب الآراء، إذ أمضت الناشطة لجين الهذلول ثلاث سنوات في السجن لدفاعها عن حقوق المرأة، والعام الماضي حُكم على سلمى الشهاب البالغة من العمر 34 عامًا بالسجن 34 عاماً بسبب إبداء الإعجاب أو عادة تغريد تغريدات على تويتر حول حقوق الإنسان في المملكة، وحُكم على نورة بنت سعيد القحطاني بالسجن 45 عاماً للسبب نفسه.
"في حين هناك المزيد من الحريات الاجتماعية، تريد الدولة أن تظل هي المالكة للتغيير". يقول شميدت فويرهيرد، مضيفاً: "لذلك يتم إحباط أي شكل من أشكال النشاط السياسي، وتصوير المنتقدين والمعارضين على أنهم خونة للأمة".
جينيفير هوليز/إ.ع
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
فاجأت السعودية العالم بخبر إلغاء عقوبة الجلد في قضايا التعزير وعقوبة الإعدام بحق القصر. لكن هل ستنعكس هذه الإصلاحات على أرض الواقع؟ وماذا عن سجناء الرأي الحاليين؟
صورة من: Getty Images/M. Ingram
إلغاء عقوبة الإعدام بحق القاصرين
بعد عدة ساعات على قرار إلغاء عقوبة الجلد في قضايا التعزير، أعلنت السعودية أيضاً إلغاء حكم الإعدام بحكم المدانين القصّر واستبداله بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات في منشأة احتجاز للأحداث. وجاءت هذه القرارات لتساعد "على صياغة قانون للعقوبات أكثر عصرية" بحسب ما تناقلته وسائل إعلامية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Nabil
محاولة للتجميل بعد مقتل خاشقجي؟
جاء ترحيب الحقوقيون ومنظمات حقوق الإنسان بهذه القرارات بشكل حذر، حيث اعتبر غيدو شتاينبيرغ من مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) ببرلين أن هذه القرارات صحيحة، ولكنها لا تعبر بالضرورة عن إتجاه إصلاحي في السعودية وقال: "إنها محاولة لتلميع صورة الدولة". وكانت سمعة المملكة على الساحة الدولية تراجعت بشدة بعد قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/L. Pitarakis
محاولة لكسب الغرب
ويرى غيدو شتاينبيرغ أن السعودية تهتم بشكل خاص بسمعتها في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، إلا أن ولي العهد محمد بن سلمان مازال يحكم بقبضة من حديد. فالإصلاحات التي قام بها صاحبتها إجراءات قمعية لكل معارضة داخلية. ولم تسلم العائلة المالكة نفسها من هذه الإجراءات.
صورة من: Reuters/Courtesy of Saudi Royal Court/B. Algaloud
شخصيات بارزة رهن الإعتقال
وطالت الإجراءات القمعية في السعودية أيضاً أفراد بارزين من العائلة المالكة، حيث شهدت أواخر شهر مارس/آذار حملة جديدة من الإعتقالات شملت إبن عم محمد بن سلمان وولي العهد السابق محمد بن نايف (يسار الصورة) بتهمة "الخيانة وتدبير انقلاب". وبحسب شتاينبرغ فإن هذه رسالة للجميع بأن أي معارضة سياسية لن يتم التسامح معها.
صورة من: picture-alliance/abaca
رسالة للعائلة المالكة
كما قام ولي العهد السعودي بإبعاد أي منافس محتمل له من العائلة المالكة عن طريق حملات توقيف بحق أفراد من العائلة ومنهم متعب بن عبد الله، وهو رئيس الحرس الوطني السعودي السابق. ويقول شتاينبيرغ: "يريد محمد بن سلمان إرسال إشارة للعائلة أن المملكة لديها حاكم جديد، وانهم يستطيعون الحفاظ على إمتيازاتهم بشرط عدم إظهار أي معارضة".
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Yalcin
الأميرة السجينة بسمة بن سعود
يعرف عن الأميرة بسمة بنت سعود أنها ناشطة في مجال حقوق الإنسان ومعارضة للممارسات القمعية ضد المرأة في السعودية. في عام 2019 إختفت الأميرة دون أثر، لتظهر منذ فترة قصيرة بنداء استغاثة اطلقته عن طريق خطاب طالبت فيه بإطلاق صراحها. وكتبت الأميرة البالغة من العمر 56 عاماً أنه يتم احتجازها دون موافقتها وبدون سند قانوني في سجن الحاير السعودي.
صورة من: Getty Images/M. Ingram
الناشطة لجين الهذلول
قبل إطلاق سراحها في شباط/ فبراير 2021 تعرضت الناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة للسجن ثلاث سنوات بتهم من أبرزها "التآمر" مع جهات أجنبية. وبحسب تصريحات أختها لينا، فقد تعرضت لجين للتعذيب والتحرش الجنسي خلال الحبس. وقالت عائلة لجين أنها تلقت خلال السجن عرضاً بإطلاق سراحها بشرط قيامها بنفي التعرض للتعذيب.
صورة من: Getty Images/AFP/Facebook/Loujain al-Hathloul
محاولة للإلهاء
يرى مراقبون أن قرارات إلغاء عقوبتي الجلد والإعدام جاءت كمحاولة لإلهاء الناس عن خبر وفاة الناشط الحقوقي عبد الله الحامد (يسار الصورة) في السجن. وكان الحامد توفي منذ أيام قليلة بسبب جلطة دماغية لم يتلق بعدها العناية الطبية الكافية بحسب ما تناقلته التقارير الإعلامية. ومازال الناشطان الحقوقيان وليد أبو الخير ومحمد فهد القحطاني (يمين الصورة) في السجن بسبب نشاطهما السياسي.
صورة من: picture-alliance/dpa/right livelihood award
رائف بدوي
يُعد رائف بدوي أحد أكثر معتقلي الرأي شهرة في السعودية. وكان المدون والناشط الحقوقي أُعتقل في عام 2013 بتهمة "إهانة الإسلام" وحُكم عليه بألف جلدة وبالسجن عشر سنوات. وتسبب تنفيذ حكم الجلد عليه علناً في إثارة انتقادات دولية واسعة للسعودية. يقول شتاينبرغ أن رد الفعل هذا قد يكون سبباً في إلغاء عقوبة الجلد، ولكنه ينبه:" ليس معنى ذلك أنه سيتم إطلاق سراحه الآن".
صورة من: picture-alliance/dpa/empics/Canadian Press/P. Chiasson
سمر بدوي
تقبع سمر بدوي، أخت رائف بدوي، ايضاً في السجن منذ 2018، ومعها نسيمة السادة، وهما من الناشطات في مجال حقوق الإنسان في المملكة. وكانت السلطات شنت في 2018 حملة إعتقالات على مجموعة من الناشطات، تم بعدها الإفراج عن بعضهن مثل أمل الحربي وميساء الماعن، بينما تنتظر الأخريات، مثل سمر ونسيمة، البت في قضيتهن.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Wiklund
سلمان العودة
يعد الداعية سلمان العودة أحد الدعاة الدينيين السلفيين المعتدلين والمعروفين على الساحة، وهو قريب من جماعة الإخوان المسلمين التي تحظرها السلطات السعودية. يعرف عن العودة انتقاده للسياسات الداخلية والخارجية للمملكة، وفي 2017 حُكم عليه بعقوبة الإعدام، إلا أن الحكم لم ينفذ حتى اليوم.
صورة من: Creative Commons
علي محمد النمر
بعد إلغاء عقوبة الإعدام بحق القُصر تتجه الأنظار لعلي محمد النمر الذي أعتقل وهو في السابعة عشرة من عمره بسبب مشاركته في مظاهرات تطالب بالإصلاح وإطلاق صراح سجناء الرأي في 2012. وكان عمه نمر النمر أحد الدعاة الشيعة البارزين في السعودية. ويتوقع خبير شئون الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ أن حكم الإعدام لن ينفذ بحق علي محمد النمر، لكنه سيبقى في السجن.