1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مصريات يتحدين "التابو" لنشر الوعي بالصحة الجنسية

١٢ يناير ٢٠١٩

في مجتمعٍ يُصنف كل ما له شأن بالممارسات الجنسية كخطٍ أحمر لا يمكن تجاوزه، اختارت نسوة مصريات الصحة الجنسية وسلامة الإنجاب كمجال للتخصص وموضوع للعرض والنقاش، في تحدٍ صارخ لتقاليد محافظة تخلط الموضوع بالحدود المجتمعية.

Sexuelle Belästigung in Ägypten
صورة نادرة لحالة تحرش جنسي جرت في القاهرة عام 2011صورة من: privat

نورهان وإيمان ومي يسعين لرفع الوعي المجتمعي بقضايا الصحة الجنسية وسلامة الإنجاب بمصر والعالم العربي، في مواجهة مفاهيمٍ مغلوطةٍ تؤدي بالبعض لاختياراتٍ خاطئة لن يقتصر أثرها على الجسد وإنما يمتد للذهن والقلب أيضا.

رغبة نورهان سلامة في لعب دور إيجابي بالمجتمع دفعها بعد انتهائها من دراستها الثانوية للتطوع في مشروع للتوعية بفايروس نقص المناعة (الإيدز). تقول الطبيبة نورهان ل DW عربية :"قابلت أثناء عملي التطوعي أفراد حاملين للفايروس وتعرفت على ما يحدث لهم من إقصاء بسبب تدني الوعي المجتمعي، بالرغم من عدم ارتكاب عدد كبير من حاملي هذا الفايروس لأي سوء. ومن هنا بدأ اهتمامي بمجال الصحة الجنسية والإنجابية".

ووفقا لدراسة أجراها المجلس القومي للسكان في مصر عام 2014، تتسم معلومات الشباب والمراهقين عن طرق انتقال فايروس نقص المناعة بالضعف وهو ما يزيد بدوره من خطر الإصابة به.

استمر شغف نورهان بقضايا الصحة الجنسية وسلامة الإنجاب خلال فترة دراستها بكلية الطب وامتد حتى حصولها على ماجستير الصحة العامة بالجامعة الأمريكية واختيارها عضوة بالمجلس التنفيذي للتحالف الدولي لتنظيم الأسرة، والذي يعمل ب 82 دولة حول العالم.

التوعية بالصحة الجنسية ليست قلة أدب

أدركت الطبيبة الشابة من خلال دراستها وعملها مدى صعوبة الوصول للمعلومات بسبب الخلط الشديد للمعرفة الجنسية بالمعتقدات الدينية حتى لدى عدد من أساتذة الطب أنفسهم، وتقول: "لا يستطيع البعض التمييز بين ما هو عيب اجتماعياً وما هو مُحرّم دينيا، كما يتجاهل الناس حقيقة أنّ الممارسة الجنسية تتطلب استعداد نفسياً وتتضمن مشاعر إنسانية متبادلة وليس مجرد فاعل ومفعول به".

وبينما يُعتبر السعى لنشر الوعي وتقديم الدعم لمحتاجيه الدافعان الأساسيان لنورهان سلامة، فإنّ عدم القدرة على مد يد العون في أقصى لحظات الحاجة له كان الحافز الأول للمصورة الصحفية إيمان هلال.

إيمان هلال صحفية (برلين 2015)صورة من: privat

تحكي إيمان ل DW عربية عن واقعة التحرش بالمشارِكات في مسيرة ووقفة إحياء اليوم العالمي للمرأة في منطقة وسط البلد بالقاهرة في مارس 2011 "بعد تدخل قوات الأمن لنجدة المشاركات بالمسيرة ومساعدة الفتاة الموجودة بالصورة، قمت بترك المكان لأرى فتاة آخرى محاطة بالمتحرشين بعيدا عن مرأى ومسمع قوات الأمن. صرخت ولم أجد أمامي سوى الابتعاد خوفاً من أن يتم الاعتداء علي. بكيت بشدة لعدم قدرتي على مساعدة الفتاة، وقررت بعدها العمل على قصة صحفية عن الأثار النفسية والاجتماعية للتحرش الجنسي في مصر، حيث كان على أحدٍ القيام بالخطوة الأولى". 

وتُعد إيمان هلال أول مُصورة صحفية مصرية تنشر قصة كاملة عن التحرش الجنسي بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية ومجلة بولكا الفرنسية.

بعض القصص الصحفية لإيمان، والحائزة على عدة منح وجوائز دولية ومحلية، جعلت عدد من زملائها يصفها ب "قلة الأدب". لكن ما يعتبره البعض "قلة أدب" هو ما تحاول مي الحُسيني، الكاتبة المتخصصة في مجال التوعية بالصحة الجنسية والإنجابية، تناوله بأسلوب علمي سليم ليتوقف المجتمع عن التعامل معه باعتباره "أمر مُخجل".

 تتحدث مي الحُسيني ل DW عربية عن النقص الشديد في المحتوى العربي الخاص بالصحة الجنسية والإنجابية كدافع خلف قرارها بالتخصص في الكتابة عنها. تقول مي: "الانتشار الضخم للكثير من المغالطات وعدم قدرة العديدين على تمييز الحقائق العلمية عن القناعات القائمة على تجارب شخصية وعادات وتقاليد اجتماعية هو ما قادني للكتابة عن الصحة الجنسية، خاصة وأنّ الكثيرين ليس لديهم القدرة على تصفح المواقع الأجنبية المتخصصة في ذات الموضوع".

النساء راغبات في المعرفة والرجال متخوفون من الحديث علناً 

بعد سنوات من العمل بمجال الصحة الجنسية وسلامة الإنجاب، ترى الكاتبة مي الحُسيني أن النساء بالعالم العربي أكثر رغبة في المعرفة وأكثر استعدادا للتغيير عن الرجال، وتُرجع هذا لاقتناع الرجل العربي بوجوب امتلاكه شخصية قوية وبالتالي التمسك بوجهات نظره ومواقفه وعدم تغييرها بسهوله. وتقول مي: "أعلم جيداً أن العديد من الرجال يتعرضون لما نقدمه من محتوى، حتى وإن كانوا لا يتحدثون عن هذا".

مي الحسني كاتبةصورة من: privat

أما الدكتورة نورهان سلامة فقد لاحظت من خلال ما شاركت فيه من ندوات وجلسات أنّ النساء والرجال يتساوون من حيث الرغبة في المعرفة عن الصحة الجنسية والإنجابية وتقول بهذا الخصوص: "لدى النساء والرجال العديد من الأسئلة التي يقومون بطرحها فور الشعور ببعض الثقة نحو المتحدث. ويرغب الجميع في التأكد من سلامته، واكتساب المعلومات الصحيحة هو السبيل الوحيد للقضاء على أي خوف أو توتر ناتج عن جهل أو سوء فهم". وتشرح نورهان أن ما يقع أحيانا هو تفضيل الجمهور من الذكور عدم التحدث في وجودها قائلة: "كوني فتاة لا يعني عدم معرفتي، وتوجيه الأسئلة لي لا يتسبب في إحراجي، وامتلاكي للإجابة الصحيحة لا يُسيئ إلى لأن هذا عملي ومجال تخصصي".

من جانبها توضح دعاء حسين، الاستشارية في قضايا النوع الاجتماعي ل DW عربية، أن السائد في مجتمعاتنا هو عمل النساء في مجال الصحة الجنسية والإنجابية وخاصة بالمناطق الأكثر مُحافظة حيث ترفض الغالبية من الرجال زيارة زوجاتهم لطبيب رجل. وتُضيف دعاء: "يتخوف بعض الرجال من امتلاك نسائهم لمعلومات مستفيضة عن الصحة الجنسية والإنجابية لقلقهم من قيامهن يوما بمواجهة أو محاسبة رجالهن، حتى وإن لم يعاني الرجل من أي مشكلة صحية أو نفسية. لدى الرجل رغبة دائمة في أن تكون له اليد العليا على المرأة".

مبادرات التوعية الجنسية في تحدٍ للعوامل المقاومة لها

لا تقتصر مقاومة مبادرات الصحة الجنسية والإنجابية على بعض الرجال فقط، حيث روت المصورة الصحفية إيمان هلال قصة نشرتها عن فتاة بالمرحلة الإعدادية تعرضت للتحرش أثناء عودتها للمنزل بعد انتهاء اليوم الدراسي. عْبرت الطفلة عما حدث من خلال موضوع تعبير بحصة اللغة العربية، وهو ما رفضته مديرة المدرسة لتهدد الطفلة بالطرد لو كررت الحديث عن الموضوع باعتباره تجاوز لا يمكن السماح به. تقول إيمان: "اشعر بالحزن عند توثيقي للآثار التي تنتُج عن غياب الوعي بالحقوق والصحة الجنسية، لكن زيادة عدد الفتيات والنساء اللاتي يتحدثن ويقاومن يعطينا أمل".

الدكتورة نورهان سلامة، طبيبة وناشطة في التوعية بقضايا الصحة الجنسية وسلامة الانجابصورة من: privat

مقاومة مبادرات التوعية بالصحة الجنسية وسلامة الإنجاب بالمجتمعات المحافظة، لم تمنع مي الحسيني من ملاحظة تغيير إيجابي لدى الشباب بحكم المرحلة العمرية التي يمرون بها ودخولهم في علاقات عاطفية وتخطيطهم للارتباط وزواج عدد كبير منهم. لكن يبقى العمل على نشر الوعي في المدارس بأساسيات الصحة الجنسية هو ما تحلم مي بتحقيقه. ولدى نورهان سلامة حلم مشابه، حيث تؤمن بضرورة الاهتمام بصحة المراهقين والعمل على تزويدهم بمعرفة سليمة اليوم لوقايتهم بالغد.

وفقا للمجلس القومي للسكان، فقد قام أقل من 34% من المراهقين والشباب في مصر عام 2014 بالحديث مع أفراد اسرهم عن مظاهر البلوغ لديهم، بما يؤكد أهمية وجود مصادر آخرى موثوق بها للمعلومات حول الصحة الجنسية والإنجابية.

وتأمل نورهان أن يتم التنسيق بين المؤسسات المختلفة العاملة بالمجال وأن يكون التعامل مع قضايا الصحة الجنسية والإنجابية في مصر باعتبارها طويلة المدى حيث تحتاج لسنوات طويلة من العمل بدون توقف لتحقيق تغيير إيجابي ملموس.

وتُثني دعاء حسين على كل ما يتم بذله من مجهود، لكنها تؤمن بأن دولة في حجم مصر وبتعداد سكانها مازالت في حاجة للمزيد من المبادرات.

دينا البسنلي- القاهرة

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW