مصر - المزح والمعاكسات الهاتفية تعرقل خدمات الإسعاف
٢٠ ديسمبر ٢٠١٤ موظفة الاتصال شيماء خلف متوترة لكنها تحافظ على هدوئها وهي تجيب المتصل على الهاتف قائلة: هل عندك حالة طوارئ أم لا ؟
تعودت شيماء على مثل هذه المواقف، وقبل إرسال سيارة الإسعاف يجب عليها التأكد من أن الحالة طارئة وتستلزم سيارة إسعاف لإنقاذ مصابين، وأن الإتصال لم يكن محاولة مزح مع الموظفة. شيماء تبلغ من العمر 31 عاما وتعمل منذ أربع سنوات في مركز الاتصالات الأولي التابع لهيئة الإسعاف المصرية.
الاتصالات الهادفة إلى المزح وطلب سيارات الطوارئ لأسباب وهمية هي أحدى المشاكل الكبيرة التي يعاني منها مركز الاتصالات. ويستقبل المركز يوميا نحو 86 ألف اتصال، 5 آلاف اتصال منها فقط جادة وتحتاج إلى مساعدة حقيقية. وعن ذلك تضيف شيماء خلف لـ DWقائلة: "هذا إزعاج بالنسبة لنا لأننا نخسر معظم وقتنا مع أشخاص لا يعملون شيئا سوى اللهو والمعاكسة".
ورغم الأعداد الكبيرة من الاتصالات المزعجة هذا العام، إلا أن أعدادها انخفضت مقارنة بالأعوام الماضية، إذ بلغت في العام الماضي أكثر من 150 ألف اتصال. ولتقليص أعداد الاتصالات المزعجة قامت هيئة الإسعاف المصرية بتعيين 60 موظفا في مركز الاتصالات في منطقة "القرية الذكية " بالمنطقة التجارية غرب العاصمة المصرية، مهمتهم تلقي الاتصالات الأولية وتمييز الجادة منها قبل تحويلها لمركز الطوارئ.
قبل الحديث مع موظف الاتصالات يتم إشعار المتصل بأن سوء استخدام رقم الطوارئ أوالاتصال لأسباب اللهو والمزح قد يتسبب له في مشاكل قانونية. وقد أدى ذلك إلى تقليص أعداد اتصالات المزح، على الرغم من عدم وجود قانون في مصر يعاقب على ذلك.
وما ساعد أيضا في تقليص عدد الاتصالات المزعجة هو توظيف الرجال بدل النساء في مركز الاتصالات. رغم ذلك ينجح بعض المتصلين المزعجين في عبور هذه الحواجز والانتقال إلى مركز اتصالات الطوارئ، لأنهم أصبحوا يعرفون الأسئلة التي ستطرح عليهم وكيف يمكن التجاوب معها، فهؤلاء "لا يعلمون أن اتصالاتهم تعيق عمل خدمات الإسعاف". كما تلاحظ شيماء.
دقيقتان من العمل المركز
وتسعى هيئة الإسعاف المصرية إلى حل هذه المشكلة جذريا، حيث قامت بحملة إعلامية لتوضيح عملها وأهميتها لعامة الناس. وليست الاتصالات المزعجة هي المشكلة الوحيدة التي تواجه الدائرة، إذ يتوصل كل موظف باستقبال المئات من الاتصالات يوميا، إذ يجلس في المكتب 14 موظفا يقومون بعملهم من خلال الحديث بالهاتف وهم يتحدثون بأصوات مرتفعة، مما يؤثر سلبيا على عملية التركيز في العمل، كما تقول شيماء.
بعد تحويل الاتصال إلى مركز الطوارئ يجب على موظف الاتصال ملئ استمارة خاصة. وإذا تعلق الأمر بحالة طوارئ يتم توضيح موقع المتصل والاتصال بأقرب سيارة إسعاف للوصول إلى مكان الحدث بأسرع وقت.
حسب لوائح العمل يجب أن تتم هذه العملية الطويلة في أقل من دقيقتين، غير أنها تحتاج في غالب الأحيان إلى وقت أطول. ففي بعض الأحيان لا توجد عنوانين صحيحة لمكان الحادث، أو أن الحادث يقع في منطقة بنيت بشكل غير قانوني دون أسماء الشوارع أو أرقام المباني.
المساعدة عبر تحديد موقع المتصل أوتوماتيكيا
الدكتور أحمد الأنصاري رئيس هيئة دائرة الطوارئ المصرية يشير في حوار مع DWإلى أن هيئته بدأت العمل سنة 2008. وهو يرغب في أن يتم تحديد موقع المتصل أثناء الاتصال لتحديد سيارة الإسعاف القريبة منه. لكن قبل البدء بعملية تحديد موقع المتصل يجب حل مشكلة تسمية الشوارع غير المعروفة، والتي "تشكل تحديا كبيرا لنا"، كما يقول الأنصاري.
المشكلة الأخرى التي تواجه خدمات الطوارئ والإسعاف هو الازدحام الكبير في العاصمة المصرية، فهناك أكثر من 20 مليون نسمة في القاهرة، أكبر مدينة في القارة الإفريقية. وتجوب شوارع العاصمة يوميا أكثر من ثلاثة ملايين سيارة، وتتقاسم السيارات الطرق مع الدراجات الهوائية والنارية وعربات "التك تك" التقليدية والباصات والعربات التي تجرها الحيوانات. وهذا ما يشكل فوضى في حركة النقل.
وفي خضم هذا الازدحام والفوضى يكون سائق سيارة الإسعاف مطالبا بالوصول إلى مكان الحادث بسرعة، مما يؤدي إلى نزاعات مستمرة مع سائقي المركبات الأخرى والذين لا يحترمون صفارات سيارة الإسعاف. وينتظر من سائقي سيارات الإسعاف الوصول إلى مكان الحادث خلال ثمانية دقائق من لحظة استلامهم أوامر التوجه للإسعاف، وإذا تعذر عليهم ذلك فإنهم قد يحالون إلى لجان التحقيق للنظر في ظروف تقصيرهم. وقد يتعرض سائقو سيارات الإسعاف إلى عقوبات مالية إذا ثبت تقصيرهم في عملهم، غير أن معاقبة السائقين هي حالات نادرة فقط.
ويوضح أحمد الأنصاري أن بعض الناس لا يثقون في خدمات الطوارئ رغم خدماتها منذ 30 عاما. فهم لا يعرفون أرقام الاتصال وتعودوا على الاعتماد على بعضهم البعض أثناء حالات الطوارئ. "والسبب الأخر الذي جعل الناس تنفر من الطوارئ هي ثورة ،2011 حيث اتهمت دائرة الطوارئ بأنها متواطئة مع بعض الأحزاب. وبعض الناس يعتقد أن مركز الطوارئ يقف بجانب الحكومة ويرسل المصابين إلى أقسام الشرطة، وآخرون يعتقدون أن سيارات الإسعاف تنقل الأسلحة للإسلاميين. ولذلك تتعرض سيارات الإسعاف إلى مضايقات من قبل بعض الناس في الشارع وفي بعض الأحيان لا يسمح لها بالمرور لإتمام عملها. وعلينا الآن أن نعيد الثقة بين مراكز الطوارئ والإسعاف وبين الناس"، كما يوضح الأنصاري.
سيارة إسعاف لكل 45 ألف مواطن
لاتفتقد دائرة الإسعاف في القاهرة إلى ثقة المواطن فقط وإنما أيضا إلى موظفين وإلى السيارات الكافية لتغطية حاجيات عدد السكان. نحو 16 ألف شخص يعملون حاليا في هيئة الإسعاف، منهم 13 ألف موظف إسعاف. وتقوم الدولة بتأهيل الكثير منهم سنويا، لكن عددا كبيرا منهم ينتقل للعمل في منطقة دول الخليج بعد انتهاء فترة الإعداد، بسبب الرواتب المغرية هناك، بينما لا تتجاوز رواتبهم في مصر 300 يورو شهريا. ولذلك تعاني هيئة الإسعاف في مصر من نقص في هذه الأيدي العاملة.
وتسعى الهيئة إلى تحسين فرص العمل والزيادة في الرواتب وشراء سيارات إسعاف حديثة لاستقطاب موظفين جدد في هذا القطاع، إذ لا تملك الهيئة سوى 2500 سيارة إسعاف وطائرتي هليوكوبتر وثلاثة قوارب إنقاذ بحرية موزعة على طول البلد. في القاهرة وحدها يتم استخدام 440 سيارة إسعاف، ويعني ذلك سيارة إسعاف واحدة لكل 45 ألف مواطن. وهذا عدد قليل جدا خاصة مع ظروف العمل التي تعاني منها هيئة الإسعاف، كما يؤكد الدكتور أحمد الأنصاري.