بعد عامين على عزل الجيش الرئيس الإسلامي محمد مرسي لا تزال مصر تشهد اعتداءات دامية ينفذها جهاديون، أسفرت حتى الآن عن مئات القتلى من المدنيين وقوات الجيش والشرطة، فيما تواصل السلطات حملة قمع دامية ضد أي جهة معارضة.
إعلان
تشهد أكبر دولة عربية موجة اعتداءات غير مسبوقة منذ أن قام القائد السابق للجيش الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بإزاحة الرئيس الإسلامي محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو 2013 بعد تظاهرات ضخمة احتجاجاً على حكمه بعد عام مضطرب قضاه في السلطة.
وشهد هذا الأسبوع أعمال عنف هزت مصر حيث تم الاثنين اغتيال النائب العام هشام بركات في تفجير استهدف موكبه في القاهرة وبعد يومين شن جهاديون من تنظيم "الدولة الإسلامية" سلسلة هجمات منسقة على عدة مواقع للجيش في شبه جزيرة سيناء أسفرت عن عشرات القتلى.
العنف يدق إسفينا جديدا في نعش التعايش السلمي بمصر
أحداث عنف خطيرة هزت الشارع المصري هذا الأسبوع، بدأت باغتيال النائب العام ولم تنته بالعمليات العسكرية الكبيرة في شمال سيناء. نستعرض في صور التطورات الأخيرة في مصر.
صورة من: picture-alliance/dpa/Egyptian Presidency
تمثلت بداية موجة العنف التي عصفت بمصر هذا الأسبوع، باغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، يوم الاثنين (29 يونيو/حزيران). جماعة غير معروفة كثيرا تسمي نفسها "المقاومة الشعبية في الجيزة" أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم. عملية الاغتيال عرفت إدانة عربية ودولية واسعة.
صورة من: Reuters/M. Abd El Ghany
عقب اغتيال النائب العام توعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتشديد القوانين لتنفيذ العقوبات الجنائية ضد المتشددين بشكل أسرع. وقال السيسي، فيما كان محاطا بأقارب بركات بعيد حضوره الجنازة، "يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين. لن ننتظر على هذا. سنعدل القوانين التي تجعلنا ننفذ العدالة في أسرع وقت ممكن"، حسبما أفاد التلفزيون الرسمي. وبالفعل أقرت الحكومة المصرية قانونا جديدا "لمكافحة الإرهاب".
صورة من: picture-alliance/dpa/Egyptian Presidency
القيادة في مصر اتهمت جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف خلف عملية الاغتيال. وشنت هيئة الاستعلامات المصرية، التابعة لرئاسة الجمهورية، هجوما قويا على الجماعة، واعتبرت أن اغتيال بركات هدفه "إشاعة الفوضى" في مصر. غير أن الجماعة نفت مسؤوليتها وأعلنت في بيان "رفض القتل"، وحملت السلطات الحاكمة المسؤولية عن "العنف والإرهاب" في البلاد.
صورة من: Reuters
يوم الثلاثاء أصدرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) تقريرها السنوي، متهمة مصر بأنها أصبحت "دولة قمعية"، مع أكثر من 41 ألف معتقل منذ 2013، ومنددة بالصمت الدولي. وتحدث التقرير عن وجود 160 شخصا في حالة "اختفاء قسري". وذكرت المنظمة أن القمع بدأ ضد الإسلاميين فقط ثم توسع سريعا ليشمل كل المشهد السياسي المصري. الخارجية المصرية أدانت تقرير أمنستي ووصفته بـ"الكاذب".
صورة من: DW/H. Kiesel
يوم الأربعاء استيقظ المصريون على أنباء وقوع أكثر من 70 قتيلا وعشرات الجرحى، معظمهم جنود، في هجمات متزامنة على حواجز ومواقع أمنية في منطقتي الشيخ زويد ورفح بشمال سيناء. جماعة "ولاية سيناء" التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" أعلنت المسؤولية عن الهجمات، وذلك في بيان على موقع تويتر.
صورة من: Reuters
الجيش المصري رد بغارات جوية مكثفة. حيث قصفت طائرات حربية مواقع لمسلحين تابعين لتنظيم "الدولة الإسلامية" – ولاية سيناء. ومساء الأربعاء أعلنت "قيادة لجيش المصري عن مقتل ما لا يقل عن مئة من العناصر الإرهابية"، وعن تدمير 20 من عرباتهم.
صورة من: picture-alliance/dpa/epa AFP
وبالتوازي مع أحداث سيناء، قُتل 13 من الإخوان المسلمين، بينهم قيادي بارز يوم الأربعاء، خلال عملية مداهمة نفذتها الشرطة المصرية في القاهرة بحسب ما أعلنت الجماعة، التي أكدت أن القتلى هم أعضاء "لجنة كفالة أسر الشهداء والمعتقلين". في حين قالت الشرطة إن القتلى "إسلاميون مطلوبون لارتكابهم أعمالا إجرامية وتخريبية".
صورة من: Reuters
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أرسل برقية إلى الرئيس المصري لتعزيته باغتيال جنود الجيش المصري. وفي تصريحات صحفية قال نتانياهو إن «الإرهاب بدأ يقرع أبواب إسرائيل»، موضحا أن إسرائيل ومصر ودولا أخرى كثيرة في الشرق الأوسط والعالم تقف في خندق واحد لمحاربة الإرهاب الإسلامي المتشدد. واتهم نتنياهو إيران وتنظيم الدولة الإسلامية وحركة حماس برعاية الإرهاب، بحسب قوله.
صورة من: DAN BALILTY/AFP/Getty Images
8 صورة1 | 8
وبموازاة ذلك قال محمد نبيل العضو في حركة "شباب 6 ابريل" التي تضم نشطاء شبان من العلمانيين واليساريين حظرها القضاء في 2014 "نشهد (في مصر) عودة القمع والاعتقالات التعسفية"، معتبراً أن "الفشل السياسي (للسلطات) كامل وعلى جميع الأصعدة". وخلال الأشهر التي تلت عزل مرسي قتل أكثر من 1400 شخص معظمهم من الناشطين الإسلاميين بأيدي شرطيين وجنود، بينهم 700 خلال ساعات لدى تفريق اعتصامين لأنصار مرسي. كما سجن عشرات الآلاف وحكم على المئات بالإعدام في محاكمات جماعية سريعة.
إعدامات بالجملة
كذلك صدرت أحكام بالإعدام على مرسي نفسه وعلى عدد من قادة جماعة الإخوان المسلمين. وفي المقابل قامت الحركات الجهادية بقتل مئات الشرطيين والجنود مؤكدة أنها تتحرك رداً على عمليات القمع، ما يطرح تحدياً كبيراً للرئيس السيسي الذي يبقى هدفه الأول إعادة الأمن إلى البلاد وإنعاش اقتصاد متدهور. وبدأت حملة القمع باستهداف الإسلاميين لكنها سرعان ما اتسعت لتشمل أيضاً الحركات العلمانية واليسارية التي شكلت رأس الحربة في ثورة 2011 التي أطاحت حسني مبارك.
وقالت حسيبة حاج صحراوي نائبة مدير منظمة العفو الدولية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في بيان إن "السلطات المصرية أظهرت أنها لن تتراجع أمام شيء في محاولاتها لسحق كل من يتحدى سلطتها". وفور اغتيال بركات وعد السيسي بتسريع المحاكمات وبتشديد التشريعات "لمكافحة الإرهاب" وبعد أقل من يومين صادقت الحكومة على قانون جديد لمكافحة الإرهاب "بما يحقق العدالة الناجزة والقصاص السريع لشهدائنا". ولا يزال السيسي الذي انتخب رئيساً بعد عام على إزاحة مرسي يتمتع بالشعبية لدى شريحة واسعة من السكان.
شعبية السيسي
ورأى اريك تراغر من "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" إن "العديد من المصريين يدعمون بشكل واسع حملة القمع وقد سئموا انعدام الاستقرار السياسي وباتوا يشعرون بالهلع إزاء تزايد الهجمات الإرهابية في المدن الكبرى". لكن بعد عامين على إزاحة مرسي لا يزال إنعاش الاقتصاد من التحديات الكبرى المطروحة على السيسي في وقت تعاني البلاد من تضخم بلغ نسبة 13,5 بالمائة وعجز في الميزانية بنسبة 12 بالمائة.
وحددت الحكومة لنفسها هدفا طموحا يقضي بتحقيق نسبة نمو بمستوى 7 بالمائة في حين يعاني قطاع السياحة الذي يشكل دعامة الاقتصاد المصري من انعدام الاستقرار. وفي عام 2014 لم يتجاوز عدد السياح الذين زاروا مصر 9,9 ملايين بالمقارنة مع حوالي 15 مليونا عام 2010.
وسعياً منه لتحريك الاقتصاد نظم السيسي مؤتمراً اقتصادياً ضخماً في آذار/ مارس أتاح للسلطات توقيع اتفاقيات مع دول عدة، كما دشن في 6 آب/ أغسطس قناة جديدة موازية لقناة السويس ستضاعف القدرة الاستيعابية لحركة الملاحة في هذا الممر المهم بين البحر الأحمر والمتوسط. ومن المتوقع عندها أن تزداد عائدات القناة من 5,3 مليار دولار (حوالي 4,7 مليار يورو) متوقعة عام 2015 إلى 13,2 مليار (11,7 مليار يورو) عام 2023.
كما تسعى السلطات لتطوير المنطقة الممتدة على ضفاف القناة لتجعل منها مركزاً لوجستياً وصناعياً وتجارياً، ولا سيما بإقامة عدة مرافئ وتقديم خدمات للسفن التجارية التي تعبر القناة. وقال الخبير الاقتصادي انغوس بلير مدير معهد "سيغنيت" إنه ينتظر من السلطات "مشاريع إنمائية أخرى في مجال البنى التحتية من أجل تشجيع استحداث الوظائف". ولفت إلى أن "النمو الاقتصادي الحالي هو بنسبة 5 بالمائة في حين يتحتم تحقيق نمو يتراوح بين 7 و8 بالمائة على ضوء النمو الديموغرافي البالغ 2,6 بالمائة".