وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع مصر تم بموجبها رفع مستوى العلاقات إلى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" وزيادة التنسيق والتعاون بين الجانبين في مجالات عديدة تتعلق بالهجرة ودعم الاقتصاد المصري، ولأسباب أخرى جيوسياسية.
إعلان
أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين عن سعادتها للتوقيع على اتفاقية للتعاون وتعزيز العلاقات مع مصر، وقالت في مؤتمر صحفي في القاهرة "يمثل هذا اليوم علامة تاريخية فارقة بتوقيعنا على الإعلان المشترك لشراكة استراتيجية شاملة". وتراست فون دير لاين وفدا أوروبيا زار القاهرة يوم الأحد (17 مارس/ آذار) ضم رئيسة وزراء إيطاليا ورؤساء وزراء بلجيكا والنمسا واليونان والرئيس القبرصي. وخلال الزيارة وقعت فون دير لاين مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على اتفاقية للشراكة بقيمة 7,4 مليار يورو.
ويستهدف هذا الاتفاق تعزيز الحوار بين مصر والاتحاد الأوروبي، ودعم الإصلاح الاقتصادي في مصر. وفي هذا الإطار سيضمن الاتحاد الأوروبي لمصر قروضا بقيمة 5 مليارات يورو حتى عام 2027، واستثمارات بقيمة 1,8 مليار يورو في مجالات مختلفة مثل الرقمنة والتحول في مجال الطاقة. وتقديم منح بقيمة 600 مليون يورو.
بالإضافة إلى ذلك تم الاتفاق على التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة. وبشكل خاص ينبغي مكافحة أسباب الهجرة غير الشرعية وفتح طرق للهجرة الشرعية إلى أوروبا. وسيتم تخصيص 200 مليون يورو لإدارة مسألة الهجرة.
التعاون مع مصر في مجال الهجرة
بالنسبة للتعاون في ملف الهجرة بين الاتحاد الأوروبي ومصر، فإنه ليس بالأمر الجديد تماما، تقول فيكتوريا ريتيغ، مديرة برنامج الهجرة في الجمعية الألمانية للعلاقات السياسية، في حوارها مع DW، حيث هناك تعاون بين الطرفين منذ عدة سنوات.
فمنذ عام 2004 هناك اتفاقية شراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، تنظم العلاقة بين الطرفين. وبحسب المفوضية الأوروبية تم حتى الآن الموافقة على ما مجموعه 171 مليون يورو لإدارة ملف الهجرة، ودعم مصر في إدارة الحدود ومكافحة الاتجار بالبشر والتهريب، وتشجيع العودة الطوعية للمهاجرين.
وحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، تأوي مصر حوالي نصف مليون لاجئ. لذلك فإن القلق من زيادة الهجرة إلى أوروبا هو أحد أسباب توقيع هذا الاتفاق مع مصر.
"بالنسبة للاتحاد الأوروبي، يعتبر التعاون مع مصر في مجال السيطرة على الهجرة نجاحا أكبر من التعاون مع البلدان الأخرى" توضح ريتيغ لـ DW. وتضيف أن هذا يعود إلى أن "النظام المصري يستطيع استخدام ضوابط أكثر صرامة لضمان أن يكون عدد القوارب التي تنطلق من مصر قليلا جدا"، حيث هناك نظام استبدادي في مصر يستخدم وسائل عسكرية، ولا يهتم كثيرا بمسألة حقوق الإنسان، تضيف ريتيغ.
وضع حقوق الإنسان في مصر!
يحكم نظام السيسي الاستبدادي مصر منذ عام 2014. ويقول مركز دراسات "فيريدم هاوس/Freedom Haouse" في الولايات المتحدة، إن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر. ويشير على سبيل المثال إلى اعتقالات لدوافع سياسية والحد من حرية الصحافة والتجمع.
ويقول أنطوني دوركين، كبير الباحثين السياسيين لدى مركز دراسات، المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن وضع حقوق الإنسان لا يزال إشكاليا ويثير القلق، ويضيف بأن الحكومة المصرية حاولت في الآونة الأخيرة تقديم الوضع بصورة مختلفة. لكن على الحكومات الأوروبية ألا تتغاضى عن ذلك، ويجب أن تضغط من أجل تحقيق مزيد من التقدم.
وتنفي القاهرة باستمرار الاتهامات بانتهاكات لحقوق الإنسان وتشير إلى أنها أطلقت الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في أيلول/ سبتمبر الماضي من العام 2021 وشكلت لجنة للحوار بمشاركة الأحزاب والفصائل السياسية.
لكن لدى الاتحاد الأوروبي أسباب وجيهة لتوقيع هذه الاتفاقية مع مصر، وهي بالدرجة الأولي أسباب جيوسياسية، تؤكد فيكتوريا ريتيغ، الباحثة المختصة في شؤون الهجرة لـ DW وتضيف متسائلة "إذا لم نتعاون مع مصر، من سيتعاون معها حينها؟". فإذا لم تتعاون أوروبا مع مصر "سيكون هناك فراغ جيوسياسي" ستملأه روسيا والصين ودول الخليج.
في بداية شهر مارس/ آذار الجاري وافق صندوق النقد الدولي على زيادة قيمة قروضه لمصر إلى 8 مليارات دولار. وقبل ذلك كانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد أعلنت عن استثمارات بقيمة 35 مليار دولار في الاقتصاد المصري. حيث تعاني مصر من أزمة اقتصادية حادة ومستويات قياسية من التضخم.
وهذا التعاون مع الاتحاد الأوروبي بالنسبة لمصر، هو واحد من اتفاقيات تعاون عديدة، تؤكد ريتيغ، وكذلك يعتقد دروكين أن الاتحاد الأوروبي يريد أن يخوض اللعبة من خلال هذه الاتفاقية. وبحسب رأيه فإن هذه الاتفاقية اقتصادية بالدرجة الأولى، وهي تمثل اعترافا من الاتحاد الأوروبي بالدور الذي تلعبه مصر في إدارة ملف الهجرة.
وعلاوة على ذلك فإن لمصر الآن أهمية جيوستراتيجية كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي. فهي تلعب دورا حاسما فيما يتعلق بالأمن والاستقرار في المنطقة، حسب ما أكدته رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في القاهرة. كما أثنت فون دير لاين على الدور والجهود "الشخصية" للسيسي في السعي إلى وقف إطلاق النار في غزة.
أعده للعربية: عارف جابو
الهجرة غير الشرعية.. مواقف وأوضاع شركاء أوروبا بشمال أفريقيا
تكثف دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً مساعيها من أجل كبح جماح الهجرة غير الشرعية نحو أراضيها، وذلك من خلال عقد شراكات وثيقة مع دول شمال أفريقيا، لكن كيف هي أوضاع ومواقف هذه الدول من أزمة اللاجئين والهجرة غير الشرعية؟
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/GettyImages
مصر: بلد عبور يثير القلق
في السنوات الأخيرة تحولت مصر إلى أحد بلدان العبور إلى أوروبا المثيرة للقلق. ولا توجد أرقام دقيقة من جانب السلطات المصرية عن أعداد اللاجئين والمهاجرين السريين، الذين انطلقوا من السواحل المصرية على متن قوارب الصيد. لكن بحسب الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، فقد انطلقت عام 2016 نحو ألف سفينة تهريب بشر من مصر. كما شكلت مصر كابوساً للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عام 2016.
صورة من: picture-alliance/dpa
مصر: موقف متحفظ
أثار قرار إقامة مراكز لجوء أوروبية في دول شمال افريقيا، بينها مصر انتقادات المنظمات الحقوقية التي تعنى بشؤون اللاجئين، و تتهم هذه المنظمات نظام عبد الفتاح السيسي بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وأبدت مصر عن موقف متحفظ إزاء إقامة أوروبا مراكز لاستقبال اللاجئين على أراضيها. في المقابل يُشاع أن مصر تسعى للدخول في مساومة مع أوروبا لمنع تدفق المهاجرين إلى أوروبا مقابل مساعدات مالية.
صورة من: DW/M. Hashem
ليبيا: هاجس بدون حل
تعد ليبيا واحدة من أهم دول عبور المهاجرين واللاجئين السريين نحو أوروبا. ظلت موجة الهجرة المتدفقة من هذا البلد تمثل هاجساً للزعماء الأوروبيون، الذي لم ينجحوا لحد الآن في إيجاد حل له. في عام 2008 اُبرم اتفاق أوروبي ليبي لمكافحة الهجرة مقابل 500 مليون دولار. وكان الزعيم الليبي معمر القذافي قد تنبأ بتدفق ملايين المهاجرين لأوروبا وطالب آنذاك بروكسل بدفع خمسة مليارات يورو سنويا لليبيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/Küstenwache Lybien
ليبيا: موقف رافض
في عام 2017 وصل حوالي 150 ألف مهاجر إلى أوروبا عبر المتوسط. و من أجل كبح جماح هذا التدفق اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي على خطة جديدة وكان أهم مقترحاتها إقامة مراكز خارجية لاستيعاب المهاجرين في دول شمال أفريقيا. وقوبل هذا المقترح الأوروبي بالرفض من أغلب دول شمال أفريقيا، بينها ليبيا، التي أعلنت رفضها لأي إجراء يتعلق بإعادة المهاجرين السريين إليها.
صورة من: AP
تونس: ارتفاع عدد الرحلات غير الشرعية
بالرغم من تشديد الحكومة اليمينية الشعبوية في إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي من استقبال قوارب المهاجرين ومراكب المنظمات الناشطة لإنقاذ المهاجرين في البحر، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت موجة رحلات هجرة غير شرعية انطلقت من السواحل التونسية باتجاه ايطاليا. فبحسب أرقام للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية، فإن 3811 مهاجرا تونسيا سري وصلوا السواحل الإيطالية هذا العام حتى نهاية آب/أغسطس.
صورة من: DW
تونس: رفض معسكرات المهاجرين
لا يختلف موقف تونس عن موقف دول شمال أفريقيا الرافضة لقرار تقديم الاتحاد الأوروبي المزيد من الدعم المالي لدول شمال أفريقيا مقابل المساعدة في التصدي للهجرة غير الشرعية من خلال إقامة معسكرات للمهاجرين.
صورة من: dapd
الجزائر: أكبر دول المنطقة
الجزائر هي أكبر دول منطقة شمال افريقيا، التي يعبرها المهاجرون باتجاه البحر المتوسط نحو أوروبا. ولا توجد إحصاءات رسمية جزائرية بشأن عدد المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين، غير أن تقريرا نشرته في عام 2015 منظمة "ألجيريا ووتش" (غير حكومية)، استنادا إلى الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، وضع الجزائر في المرتبة التاسعة بين الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية عبر الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي .
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Batiche
الجزائر ترفض مراكز الاستقبال
تتعاون الجزائر مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة غير الشرعية، وذلك عن طريق إعادة المهاجرين السريين القادمين من دول جنوب الصحراء إلى وطنهم، إذ رحلت خلال الأربع والخمس سنوات الماضية حوالي 33 ألف مهاجر و لاجئ أفريقي إلى بلدانهم بجنوب الصحراء. كما ترفض الجزائر من جانبها بناء مراكز لإيواء المهاجرين الأفارقة على أراضيها.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
المغرب: عودة الهجرة بقوة
عرفت السواحل الإسبانية هذا العام تدفقاً لما يعرف بـ "قوارب الموت" التي تنطلق من الطريق البحرية بين إسبانيا والمغرب والجزائر. فمن أصل 74.501 مهاجرسري وصلوا أوروبا بحراً، استقبلت إسبانيا لوحدها حوالي 43 بالمئة منهم (32.272)، وذلك في الفترة بين الأول من كانون الثاني/ يناير و12 أيلول/سبتمبر 2018، ممّا يجعلها الوجهة الأولى للهجرة السرية عبر البحر الأبيض المتوسط.
صورة من: picture alliance/AP Photo
المغرب: حسابات سياسية ومالية
منذ سنوات يحاول الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاق مع المغرب بخصوص عودة المهاجرين من دول افريقيا جنوب الصحراء. ولكن المغرب يرفض ذلك لأسباب سياسية ومالية، أهمها أن ذلك يتعارض مع مسعى المغرب لتقوية علاقاته مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء، والاستفادة منها اقتصادياً من خلال شراكات تجارية، وأيضاً لدعم موقف المغرب في النزاع حول الصحراء الغربية.