مطالب كردية بسوريا فدرالية: حل أم بداية تقسيم؟
١١ يوليو ٢٠٢٥
أربعة أشهر مضت على توقيع الاتفاق الذي وُصفَ بالتاريخي بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائدقوات سوريا الديموقراطية (قسد) مظلوم عبدي، ولم يتم تطبيق بنوده بعد.
تنفيذ بنود الاتفاق الذي وُقعَ عليه في 10 آذار/ مارس الماضي، ونص على دمج قوات قسد العسكرية ومؤسساتها المدنية ضمن إدارة الدولة السورية، ما زال معلقاً إلى اليوم، حتى بعد انتهاء الاجتماع بين وفدي الحكومة السورية وقسد الأخير الذي أفضى إلى لا شيء.
رغم ترحيب دمشق، فإنها تتهم قسد بالمماطلة وفقاً للمبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس باراك الذي قال إن استجابة قوات سوريا الديمقراطية للانضمام إلى الحكومة السورية بطيئة، وشدد على أنه لا يوجد أمامها سوى طريق واحد فقط يمر من دمشق.
وهو ما يثير التساؤلات حول الخيارات المطروحة اليوم أمام دمشق وقسد من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي يرضي الطرفين. فهل يمكن أن يكون نظام الحكم الفدرالي إحدى هذه الخيارات، أم أن اللامركزية الإدارية هي الحل؟
حكومة الشرع ترفض الفدرالية بشكل قطعي
أبدت دمشق رفضها القاطع لنظام حكم فدرالي في سوريا، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا: "موقف الجمهورية العربية السورية واضح بهذا الخصوص، وتم التصريح به على لسان السيد رئيس الجمهورية (أحمد الشرع) ووزير الخارجية السوري (أسعد الشيباني) وأيضاً وزارة الداخلية".
وأضاف البابا في حوار مع DW عربية: "طرحنا هو طرح دولة واحدة موحّدة مركزية يمكن أن تضم نظام لا مركزي إداري، تقرره لاحقاً القوانين الصادرة عن الجهات المختصة، أما بالنسبة لموضوع التقسيم والفدرلة فموقف الجمهورية العربية واحد وهي ضد هذا الطرح".
وحذر مصدر حكومي سوري في تصريح لقناة الإخبارية السورية من أن أي تأخير في تنفيذ الاتفاقات الموقّعة لا يخدم المصلحة الوطنية، بل يعقّد المشهد، ويُعيق جهود إعادة الأمن والاستقرار إلى جميع المناطق السورية، بحسب وكالة فرانس برس، وذلك على خلفية اجتماع وفدَي دمشق وقسد بحضور المبعوث الأمريكي توماس باراك الأربعاء الماضي.
هل يمكن أن يفضي الحكم الفدرالي إلى تقسيم سوريا حقا؟
ترفض بعض مكوّنات الشعب السوري فكرة تحويل سوريا إلى دولة فدرالية، تخوفاً من تهديد وحدة البلاد. وبهذا الصدد يقول الكاتب والباحث السياسي السوري حسام طالب لـ DW عربية: "معظم السوريين لا يوافقون على نظام الحكم الفدرالي في سوريا لما له من تبعات وتعقيدات كبيرة جداً على الداخل السوري وعلى سيادة ووحدة الأراضي السورية".
ومن جانبه يؤكد الباحث والمحلل السياسي عباس شريفة أن الفدرالية ليست الخيار الأنسب لسوريا، وفي مقابلة مع DW عربية قال: "الفدرالية نظام حكم يتم اللجوء له من أجل توحيد دولة مفككة، لا تقسيم دولة موحدة مثل سوريا".
كما أن تصريحات بعض الأحزاب القومية الكردية تعزز من مشاعر الخوف من تقسيم البلاد، فقال شريفة إن أحزاباً كردية قد عقدت اجتماعاً في نيسان/ أبريل الماضي تحت اسم "روج آفا"، ما يعني أنهم يعتبرون هذه المنطقة جزءاً من كردستان الكبرى وليست جزءاً من سوريا، ليفسرها شريفة بأنها تهدف إلى استقلال كردستان الكبرى وضم فدراليات العراق وسوريا وتركيا وإيران إليها.
وأضاف شريفة أن هناك تخوّف من ضم عناصر أجنبية من الأكرد الأتراك، ما سيشكل تهديداً أمنياً لتركيا، وبالتالي سيكون ذريعة لتركيا للتدخل في سوريا من أجل إنهاء هذا المشروع ما سيؤدي إلى التوتر وعدم الاستقرار.
الفدرالية في سوريا لن تكون ذريعة لتدخل تركيا فحسب، بل ستؤدي إلى تدخلات إقليمية ودولية عدة في سوريا بحسب الكاتب والمحلل السياسي حسام طالب، فمع تنوّع مكونات المجتمع السوري المدعوم كل منها من جهة خارجية إقليمية أو دولية سيحوّل سوريا إلى مناطق نفوذ دولي على حدّ تعبيره.
عراقيل عدّة أمام فدرلة سوريا
يرى شريفة أنه لا يمكن تطبيق هذا النظام دون موافقة الشعب السوري الذي يقرر من خلال انتخابات حرة نزيهة. وأضاف أن الرئيس الشرع لا يمكنه أن يمنح فدرالية لأحد، فهو رئيس مؤقت وليس لديه شرعية دستورية ليشكّل النظام السياسي في سوريا من تلقاء نفسه دون الرجوع إلى السوريين، خاصة أن الأغلبية في المناطق التي يتواجد بها الأكراد هي ذات غالبية عربية.
ومن جانبه يرى طالب أن الحكم الفدرالي سيؤدي إلى فرض سيطرة جهة واحدة على معظم ثروات الشعب السوري من غذاء ونفط وغاز، التي يتواجد حوالي 70 بالمئة منها في شمال شرق سوريا، الأمر الذي سيؤثر على باقي المحافظات السورية. والحل الأمثل من وجهة نظره يكمن في اللامركزية الإدارية.
في المقابل يقول الصحفي الكردي مكسيم العيسى لـ DW عربية: "وجود العرب والسريان والآشوريين والأرمن في مناطق كردستان سوريا (المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا التي هي جزء من كردستان أٌلحق بسوريا) لا ينفي أنها مناطق كردية"، مشيراً إلى وجود فدراليات عديدة في العالم يوجد فيها أقاليم داخل أقاليم مثل إيطاليا – روما – الفاتيكان.
ولهذا فإن نظام الحكم الفدرالي هو أفضل نظام يمكن أن يُطبّق في سوريا من وجهة نظره، فقال: "سوريا دولة متعددة الشعوب والأديان والطوائف ولكي يتم ضمان حقوقها جميعاً يستلزم ذلك توزيعاً عادلاً للسلطة والثروة بين المركز والأقاليم وهذا هو جوهر الحكم الفدرالي".
وأضاف أن النظام المركزي قد أثبت فشله على مدى عقود، ومن غير المنطقي أن يستمر ممثلاً عن قومية واحدة ودين واحد وسلطة استبدادية.
وعن موقف السوريين من الحكم الفدرالي يعتقد العيسى أن نسبة المكونات السورية التي ستطالب بحكم لا مركزي أو فدرالي ستزداد خلال الفترة القادمة، بسبب استمرار السلطة في انتهاكاتها وتجاهل المطالب المحقة للسوريات والسوريين بنظام ديمقراطي ودستور عصري والإصرار على اللون الواحد والعقيدة الواحدة.
اللامركزية الإدارية هي الحل؟
اللامركزية الإدارية فكرة مقبولة ومُطالب بها من قبل فئة كبيرة من أكراد سوريا، وهي الحل الأمثل من وجهة نظر الكاتب السوري دارا عبدالله الذي شدد على أن اللامركزية تعني مركزية في الجيش والاقتصاد والسياسة الخارجية، في حين يكون المجلس المحلي للمحافظات منتخب محلياً، وكذلك المحافظ، إلى جانب إشراك المجتمعات المحلية في قضايا الأمن والشرطة.
ويعتقد أن الفدرالية لا يمكن أن تنجح في سوريا خصوصاً وأن الأكراد لا يشكّلون غالبية مطلقة في المناطق التي يعيشون بها، فالجزيرة السورية بها عرب سوريين، وداخل سوريا يتوزع الأكراد على كامل الجغرافيا السورية، والمناطق الكردية السورية ليست متصلة مع بعضها البعض جغرافياً.
ومع ذلك يرى عبدالله أن اللامركزية مرفوضة من قبل حكومة دمشق وتركيا، التي تخشى أن ينعكس أي استحقاق كردي في سوريا على وضع الأكراد داخلها. ويعتقد أن لتركيا دور أساسي في عرقلة أي تقدم في هذه المفاوضات.
وأضاف أن دمشق ترفض المطالب الكردية وتصورها كأنها دعوة للفدرالية، رغم أن قائد "قسد" لم يطالب بذلك صراحة في أي من تصريحاته.