مظاهرات الغضب إزاء تيران وصنافير – زوبعة في فنجان؟
شمس العياري٢٥ أبريل ٢٠١٦
موجة غضب واحتقان لدى أوساط واسعة من المصريين، إزاء "التفريط" في جزيرتي تيران وصنافير للسعودية من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي. فهل يكون ذلك بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد سحابة عابرة؟
إعلان
فيما وافق مجلس الشورى السعودي بالإجماع اليوم الاثنين (25 أبريل/نيسان 2016) على مشروع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين المملكة ومصر بشأن جزيرتي تيران وصنافير، تسود في أرض الكنانة حالة من الاحتقان بسبب الاتفاقية ذاتها. ودعت عدة شخصيات سياسية وأحزاب ليبرالية وحركات شبابية إلى تظاهرات اليوم الاثنين، الذي يتزامن مع ذكرى الانسحاب الاسرائيلي من سيناء وعودتها الى مصر في عام 1982، احتجاجا على سياسات السيسي وإن كانت الحجة الرئيسية -بحسب مراقبين- هي الاعتراض على اتفاقية وقعتها مصر مع السعودية في الثامن من نيسان/أبريل الجاري تمنح الأخيرة حق السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في مدخل خليج العقبة.
وقد نشرت حركة 6 أبريل الشبابية اليوم على صفحتها على فيسبوك صور مسيرات، داعية فيها المصريين للانضمام إليها. كما شهد وسط القاهرة يوم الجمعة (15 نيسان/أبريل) تظاهرات محدودة فرقتها الشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع. والتظاهرات في مصر ممنوعة بموجب قانون، يسمح فقط بالتظاهرات التي تحصل على ترخيص من وزارة الداخلية.
غضب إزاء "التنازل عن أرض مصرية"
الرئيس السيسي ووزير الداخلية مجدي عبد الغفار وعدا أمس الأحد بمواجهة "حازمة" لأي محاولات "للخروج عن القانون"، و"المساس بمؤسسات الدولة". وخلال الأيام القليلة الماضية وقوات الأمن المصرية تقوم بحملة اعتقالات للشباب من منازلهم ومن المقاهي وسط القاهرة، وفق محامين ومنظمات غير حكومية. فهل تنبئ هذه التطورات بانقلاب الأمور على الرئيس عبد الفتاح السيسي؟ وهل يكون "التفريط"، كما يقول ناقدوه، في جزيرتي تيران وصنافير القشة التي تقصم ظهر البعير؟
"أعتقد أن التنازل عن الجزيرتين دون تقديم أي وثيقة جادة والطريقة التي تم فيها ذلك على جناح الليل بعلم إسرائيل والسعودية، وقبل معرفة الشعب المصري بالأمر، هي حلقة ضمن سلسة التجاوزات والاستهتار بالدستور والحريات والفشل الاقتصادي"، على ما يقول جمال عيد، المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في القاهرة، في تصريح لـDW عربية. ويضيف الحقوقي المصري قائلا: "السيسي رغم أنه رئيس الدولة إلا أنه ليس إلا موظف كبير يدير ولا يملك ولا يحق له التنازل عن الجزيرتين بهذه الطريقة (...) وبالتالي فقد منح ما لا يملك لمن لا يستحق".
وقد أثار توقيع اتفاقية نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير في مدخل خليج العقبة إلى السعودية غضبا واسعا لدى الأوساط السياسية والحقوقية المصرية. ولهذا اُطلقت حملة "مصر مش للبيع"، والتي يشارك فيها العديد من القوى والأحزاب ومن بينها حزب الدستور، الذي أسسه السياسي البارز محمد البرادعي، وحزب مصر القوية الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، ومنظمات شبابية وطلابية، بالإضافة لسياسيين وبينهم المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي وعشرات النشطاء. وقد شدد المشاركون في حملة "مصر مش للبيع" على "رفض اتفاقية ترسيم الحدود و(رفض) التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية."
"تيران وصنافير جزيرتان سعوديتان"
من جهته، يرى الدكتور خطار أبو دياب، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، أن اتهام السيسي بالتنازل عن أرض مصرية مبالغ فيه، ويذكر في حوار مع DW عربية: "لقد قرأت قبل فترة في كتاب الراحل محمد حسنين هيكل "خريف الغضب" إقراره بأن الجزيرتين سعوديتان. ويقول هيكل إن عبد الناصر نفسه أقر بسعودية هذه الجزر وأن مسألة سيطرة مصر عليها كانت بسبب علاقة ذلك بالأمن القومي وبالصراع مع إسرائيل." يذكر أن مسؤولين مصريين أكدوا بأن السعودية طلبت من مصر تأمين الجزيرتين في 1950، بعد عامين من إعلان دولة إسرائيل. ما تقوم به مصر الآن هو ردهما إلى المملكة.
ويضيف أبو دياب قائلا: "مصر كانت ولازالت من البلدان التي تدافع عن سيادتها. (فمثلا) بالرغم من اتفاقية كامب ديفيد انتزعت مصر من خلال التحكيم الدولي طابا القريبة من شرم الشيخ. (...) وبالنسبة لموضوع تيران وصنافير – على ما يبدو خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك – كان هناك دوما مطالب سعودية (لاستردادهما) وكان مبارك يؤجل الموضوع." وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد دافع عن الاتفاقية قائلا: إنه استعان في قراره بوثائق سرية خاصة بوزارة الخارجية والمخابرات العامة والجيش، لكنه لم يكشف عن أي منها.
إذن هل يخفي هذا الاحتقان المعلن ضد التفريط في جزيرتي تيران وصنافير سببا آخر خلفه؟
أبو دياب يفسر إطلاق حملات مثل حملة "مصر مش للبيع" والدعوات للتظاهر ضد السيسي بأنها مجرد "ذريعة لكي تقوم بعض القوى السياسية، وخاصة الإخوان المسلمين المحظورة، للتعبير عن السخط في مواضيع أخرى (مثل القمع المسلط عليهم)."
الربيع العربي- انتكاسة يتخللها بريق أمل
في الذكرى الخامسة لما عُرف إعلاميا بالربيع العربي، والذي انطلق من تونس وامتد إلى مصر وليبيا وسوريا والبحرين فاليمن، تقرع موجات اللاجئين والنازحين المليونية أبواب الإنسانية. حصيلة العام الخامس "للربيع العربي" في صور.
صورة من: Reuters/P. Hanna
بدأت احداث "الربيع العربي" في تونس بمدينة سيدي بوزيد بعد أن احرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على مصادرة عربته مصدر رزقه، فخرج الشباب والعاطلون عن العمل وعمال النقابات متظاهرين محتجين ونجحوا في وقت قياسي في اسقاط حكومة زين العابدين بن علي الذي فرّ من البلد الى السعودية .
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Salah Habibi
ارسى التغيير في تونس ديمقراطية ودستورا جديدا شاركت في صياغته مختلف القوى السياسية. ونجحت القوى الإسلامية متمثلة بحزب النهضة بالفوز في الانتخابات التشريعية لكنها فشلت في تحقيق مطالب الشعب. وفي انتخابات 2014 نتحقق التغيير الديمقراطي وفازت أحزاب جديدة في البرلمان، رغم ذلك ما زالت فئات كبيرة من الشعب ترى أنها لم تنل أي نصيب من "الكعكة الديمقراطية".
صورة من: DW/S. Mersch
أراد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011 الاحتفال بيوم الشرطة التقليدي ومنع التظاهرات خوفا من شرارة قد تقود إلى انتفاضة ضد حكمه، رغم ذلك خرجت تظاهرات حاشدة عمت مدن مصر ونادت بإسقاط نظام حكم مبارك الذي تربع على راس هرم السلطة لثلاث عقود.
صورة من: Reuters/M. Abd El Ghany
التغير في مصر أوصل "الإخوان المسلمين" ومحمد مرسي إلى الحكم، لكن فئات كبيرة من الشعب استاءت من تعامل "التنظيم الإسلامي" مع السلطة وخرجوا بالملايين مدعومين من الجيش مطالبين بإسقاط "حكم الإخوان". البعض عد ذلك "نكسة للديمقراطية" فيما وصفه آخرون بـ"العملية التصحيحية".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Khalil Hamra
مر الربيع العربي في ليبيا بشكل مختلف تماما عن تونس ومصر، إذ لم تستطع القوى المدنية إنهاء حكم معمر القذافي الذي قمع الثورة بشتى الطرق، وسرعان ما تحولت الثورة بعد ذلك إلى صراع مسلح تمكن فيه "الثوار" بمساعدة قوات الناتو من قتل القذافي واسقاط نظامه، لكنهم عجزوا بعدها عن الاتفاق على نظام بديل.
صورة من: DW/E. Zouber
العملية الديمقراطية في ليبيا بدأت وما زالت متعثرة حتى اليوم رغم الاتفاقات الكثيرة التي حصلت بين الأطراف المتصارعة. ومنذ صيف عام 2014 تتنافس حكومتان إحداهما في طرابلس والأخرى في الشرق على إدارة البلد. وفي تطور جديد أعلن المجلس الرئاسي الليبي هذا الشهر عن تشكيل حكومة وفاق وطني جديدة، في إطار خطة الأمم المتحدة لتوحيد الفصائل المتناحرة في ليبيا.
صورة من: imago/Xinhua
"الربيع العربي" ربيع الشباب في اليمن، انطلق في شباط/ فبراير 2011، مطالبا بإنهاء حكم علي عبد صالح الذي استمر لأكثر من ثلاثين عاما. وبعد ضغط محلي وخليجي كبير وافق صالح على تسليم السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي وغادر اليمن في كانون الثاني/ يناير 2012.
صورة من: picture-alliance/dpa
نفي علي عبد ألله صالح من اليمن لم ينه نفوذه في البلد. وبقيت فئات من الشعب والجيش موالية له عشائريا وسياسيا. في 2015 نجح "الثوار" الحوثيون وبالتعاون مع قوات موالية لصالح في نزع السلطة من الرئيس هادي، ما جعل دول الخليج وبقيادة السعودية تدخل حربا مباشرة لإعادة السلطة لهادي.
صورة من: Reuters/K. Abdullah
تظاهرات الربيع العربي بدأت سلمية في سوريا في مارس/ آذار 2011 مطالبة بإنهاء سلطة حزب البعث و حكم عائلة الأسد المستمر منذ عام 1971. لكن بشار الأسد واجه "التظاهرات" بإصلاحات "شكلية" تضمنت منح الأكراد بعض الحقوق ورفع حالة الطوارئ وتشكيل حكومة جديدة، فيما واصل قمعه للمحتجين وبدأ بشن عمليات عسكرية ضدهم.
صورة من: dapd
بعد أشهر من الاحتجاجات اتخذ الربيع العربي في سوريا منحى آخر وأصبح البلد يعج بكثير من الفصائل المسلحة التي فشلت في توحيد صفوفها ضد النظام. الفراغ الأمني والسياسي في سوريا هيأ الأجواء لتنظيمات مسلحة ذات توجهات إسلامية إيدلوجية متطرفة، مثل تنظيم "داعش"و" النصرة" للسيطرة على مناطق واسعة من البلد.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Aboud
في البحرين بدأت الاحتجاجات في شباط / فبراير 2011 في ساحة اللؤلؤة ونادت بتغييرات سلمية وإصلاحات سياسية لصالح الأغلبية الشيعية في البلد وإنهاء سيطرة العائلة المالكة على الحكم وسلطة مجلس الوزراء التابع لها، ما أثار حفيظة دول الخليج وخاصة السعودية فأرسلت قوات تحت مظلة قوات درع الجزيرة وقمعت الحركة، لكن الاضطرابات ما زالت تتفجر من وقت لآخر.
صورة من: picture-alliance/dpa
بعد مرور خمسة أعوام على " الربيع العربي" لم يتبق من هذا التغيير إلا بعض النقاط المضيئة، كما في التجربة التونسية وبعض الامتيازات للشباب في مصر. اما ليبيا واليمن وسوريا والبحرين فما زالت ابعد ما تكون عن الاستقرار، والمستقبل فيها يبدو بلا افق مضيء. نتاج الربيع العربي قوافل من النازحين ، وملايين اللاجئين يتدفقون على اوروبا والمانيا على وجه الخصوص.
صورة من: Reuters/P. Hanna
12 صورة1 | 12
وقد عبر كثيرون في مصر عن رفضهم للاتفاقية، ملمحين إلى أن نقل تبعية الجزيرتين سببه أن السعودية أغدقت الكثير من المال على مصر، بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في منتصف 2013، إثر احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر حوالي عام. لكن السيسي أكد أن تنفيذ الاتفاقية مرهون بموافقة مجلس النواب. وبالتالي، فإن القرار النهائي لا يحسم بعد، على حد قول خطار أبو دياب الذي يقول: "خلافا للموجة الإعلامية التي تعتبر أن السيسي تخلى عن تيران وصنافير لصالح السعودية، يتوجب علينا انتظار البرلمان المصري، فهو صاحب السيادة وهو من سيقرر في نهاية المطاف."