كلنا يعرف مدى صعوبة الفصل بين العمل والحياة الشخصية في الوقت الحالي، فعن طريق الهاتف الجوال يمكن الوصول إلى كل شخص في كل وقت وكل مكان حتى أثناء إجازته السنوية أو وهو يقضي أمسية سعيدة مع العائلة أو مع الأصدقاء. كما أننا أصبحنا نسمع يومياً عن الشركات والجهات التي تسيء استخدام المعلومات الخاصة المتاحة على شبكة الانترنت، والتي كثيراً ما نضعها دون وعي، خاصة على بعض المواقع الاجتماعية المنتشرة. وبينما لا يفكر معظمنا جدياً في خطورة هذه الممارسات، سعى طلبة معهد هاسو بلاتنر Hasso Plattner Institut إلى توعية الجماهير بمثل هذه القضايا، وإلى دفعهم للتفكير في حلول لتلك المشاكل.

البحث عن حلول "إنسانية" بعيداً عن المكاسب المادية

بالتعاون مع فرع المعهد في كاليفورنيا، الولاية الشريكة لمعرض سيبت لتكنولوجيا المعلومات لهذا العام، قام الطلبة بالبحث عن حلول جديدة مبتكرة تجعل تكنولوجيا المعلومات "أكثر إنسانية". وفي هذا السياق قال المتحدث الصحفي عن المعهد، هانز يواخيم ألجاير، في تصريح لموقعنا: "نحن نسعى لإيجاد الأفكار في كل الموضوعات التي يركز عليها معرض سيبت، مثل التكنولوجيا الخضراء والتعليم الالكتروني والعلاج عن بعد. ونحن نبحث في معمل الابتكار الخاص بنا عن حلول من مجال تكنولوجيا المعلومات ويمكن تطبيقها ولكن حلول إنسانية، إذ أن الحلول الموجودة حالياً حلول تقنية بحتة وتسيطر عليها المكاسب الاقتصادية، لكننا نحاول أن نبدأ بحثنا عن الحلول انطلاقاً من احتياجات الأشخاص وبعد ذلك نبحث عن الإمكانية العملية لتحقيق ذلك وقيمته الاقتصادية".

و خصص الطلبة كل يوم من أيام المعرض لمناقشة مشكلة ما، حيث عرضوا تلك المشكلات على بعض الخبراء ليفهموا منهم كل أبعادها، ثم يخرجون بأسئلة يطرحونها على زائري معرض سيبت. ومن خلال الإجابات يعمل الطلبة معاً على إيجاد أفكار لحلول عملية، ثم يعرضونها مرة أخرى على الجمهور، للوقوف على نقاط الضعف ومكامن القوة. ويشاركهم في هذه العملية زملاؤهم من الطلبة الأمريكيين في كاليفورنيا، عبر شبكة الانترنت.

برنامج يرشدك إلى ما هو منشور عنك في الإنترنت!

هاتف محمول لا يرن مساءاً إذا ما كان الرقم الطالب خاص بزملاء العمل، أو التشويش على الهاتف الخاص بالعمل في فترة الإجازة أو في المساء، أو برنامج كمبيوتر يعرفك بالمعلومات التي تعرفها عنك "شبكة الانترنت" ويسمح لك بمحي ما لا تريد أن يعرفه الآخرون عنك... هذه هي بعض أفكار الشباب التي ابتكروها أثناء معرض سيبت، والتي لاقت إعجاب الجمهور بشكل كبير، حيث يقول فريد، أحد الطلبة في هذا المعهد: "أعجِب الجمهور مثلاً بفكرة البرنامج الذي يعرفهم بالمعلومات المنشورة عنهم في شبكة الانترنت، لأن الكثير منهم غير واعين على الإطلاق بكم تلك المعلومات. وقد يكون لبعض تلك المعلومات أثراً سلبياً على حياتهم العملية أو الشخصية".

هذه الأفكار التي خرج بها الشباب لا تفاجئ فقط جمهور المعرض، لكنها أحياناً ما تفاجئ الطلبة أنفسهم مثلما يؤكد روبن مير، الذي أنهى سنته الدراسية الأولى وجاء إلى سيبت لمساعدة الطلبة، والذي كثيراً ما يظن أن تلك المشكلة التي يطرحونها لا حل لها، لكنه دائماً ما يجد أن هناك فكرة ما قد نتجت في النهاية. وهو يرجع هذا الأمر إلى كون الطلبة يأتون من خلفيات دراسية مختلفة، مما يجعلهم يكملون بعضهم البعض". يؤكد روبن أن ابتكاراتهم لا تجذب فقط الجمهور من غير المتخصصين، لكنها أيضاً تجذب العاملين في المجال بشكل خاص لأنهم اعتادوا تلك المشكلات لدرجة تجعلهم لا يفكرون فيها.

الإبداع ليس فقط موهبة..

لمعهد هاسو بلاتنر "للتفكير الإبداعي والابتكار" فرعان، أحدهما في كاليفورنيا والآخر في مدينة بوتسدام. ويدرس في بوتسدام حوالي 42 طالب وطالبة من 32 تخصص مختلف، من العلوم والفيزياء والهندسة إلى الفن والتاريخ والاقتصاد. هذا العدد المحدود من الطلبة يجعل الاهتمام بهم من قبل المدرسين مكثفاً كما يحول جو العمل بينهم إلى جو عائلي رائع كما أكد سبتاستيان ماير، أحد الطلبة في المعهد. ويختار المعهد أفضل الطلبة المتقدمين من هؤلاء الذين اقتربوا من إنهاء دراستهم الجامعية أو دراساتهم العليا، وتستمر الدراسة في هذا المعهد لمدة سنة دراسية.

الكاتبة: سمر كرم

المحرر: عبده جميل المخلافي