مع استئناف لم الشمل.. لاجئون يخشون من أن يطول الفراق أكثر
١ أغسطس ٢٠١٨
أخيراً وبعد سنوات من مرارة البعد، فتحت ألمانيا باب لم شمل العوائل للأشخاص الحاصلين على الحماية الثانوية، إلا أن بعض أولئك اللاجئين مازالوا يخشون من أن يطول الفراق أكثر، بسبب العدد الكبير من الطلبات.
إعلان
قبل ثلاث سنوات وصل الطبيب السوري طاهر لاجئاً إلى ألمانيا، تاركاً وراءه زوجته، على أمل أن يلتم شملهما في وقت قريب، لكن حصوله على حق الحماية الثانوية التي لم يكن يسمح للحاصلين عليها بلم شمل عوائلهم من آذار/مارس 2016 وحتى آب/أغسطس 2018، جعل السنوات الثلاث تمر ومايزال الزوجان بعيدان عن بعضهما.
ورغم فتح باب لم الشمل للحاصلين على الحماية الثانوية بدءاً من اليوم (الأول من آب/أغسطس 2018)، إلا أن طاهر ليس متفائلاً بإمكانية لم شمل زوجته. يقول طاهر لمهاجر نيوز: "من كثرة الوعود التي قطعتها لزوجتي بقرب لمّ الشمل، فقدت الثقة بي وطلبت الطلاق"، ويتابع: "ورغم جميع محاولاتي بأن نبقى سوية، إلا أنها ترفض بسبب عدم وجود أيّ بصيص أمل لإمكانية لمّ شملها".
وقد يكون سبب تشاؤم طاهر من إمكانية لم شمل زوجته بسرعة هو العدد الكبير من الطلبات التي قدمها الحاصلون على الحماية الثانوية للمّ شمل عوائلهم، إذ أن هنالك 34 ألف طلب بهذا الخصوص في البعثات الألمانية في الخارج، وخاصة في الدول المجاورة لسوريا، في حين أنه سيتم السماح بقدوم ألف شخص كحد اقصى شهرياً عن طريق لم الشمل.
الأولوية للحالات الإنسانية
وتحدد القواعد الجديدة للم الشمل شروط اختيار القادمين عن طريق لم الشمل من خلال إعطاء الأولوية للحالات الإنسانية، مثل وجود حالة مرضية خطيرة، أو ابتعاد أفراد العائلة عن بعضهم منذ فترة طويلة، أو وجود طفل قاصر تتعرض حياته للخطر. كما يشترط في حالة لم شمل المتزوجين، أن يكون عقد الزواج قد تم قبل اللجوء وليس بعده.
من جانب آخر تعطي القواعد الجديدة الأولوية لمقدم الطلب الذي نجح في مجال عملية الاندماج في ألمانيا، حيث يؤخذ مدى اندماج مقدم الطلب في المجتمع بعين الاعتبار عند دراسة طلبه.
لكن حتى الآن لم يتم تحديد عدد الأشخاص الذي تنطبق عليهم المعايير التي حددتها السلطات الألمانية ، وهو ما يقلق اللاجئ السوري أحمد، 42 عاماً، والذي يعيش منذ 3 سنوات في مدينة دورتموند بعيداً عن عائلته، حسبما يقول لمهاجر نيوز، ويضيف: "بعد فراق دام ثلاث سنوات لا يوجد أيّ ضمان يؤكد أنني سأرى زوجتي وطفلي الذي تركته رضيعاً و حرمت من رؤيته طوال هذه المدة".
ورغم أن لم الشمل للأشخاص الحاصلين على الحماية الثانوية كان معلقاً منذ آب/أغسطس عام 2016، إلا أن اللاجئين الحاصلين على حق اللجوء التام كانوا يستطيعون لم شمل عوائلهم.
أكثر من 50 ألف شخص في عام واحد
ووفقاً لما أعلنته وزارة الخارجية الألمانية يوم الأربعاء (25 تموز/يوليو) فإن حوالي 54 ألف شخص وصلوا إلى ألمانيا العام الماضي من خلال لم الشمل.
وكان جميع أولئك الأشخاص الذين وصلوا إلى ألمانيا عبر لم الشمل، من البلدان التي يأتي منها أكبر عدد من اللاجئين، مثل سوريا وأفغانستان وإريتريا والعراق وإيران واليمن.
وقد جاء معظم هؤلاء الأشخاص عبر ما يعرف بـ"لم الشمل المُسهَّل"، والذي لا يحتاج فيه اللاجئ مقدم الطلب إلى أن يثبت قدرته على دفع تكاليف معيشة أفراد عائلته الذين جلبهم إلى ألمانيا، بينما جاء البعض الآخر عبر لم الشمل العادي والذي يتطلب أن يقدم الشخص الذي يرغب بلم شمل عائلته أدلة تثبت قدرته على تأمين تكاليف معيشة عائلته.
ورغم انتهاء تعليق لم الشمل بالنسبة للحاصلين على الحماية الثانوية إلا أن تقييد العدد الأقصى للأشخاص الذين يسمح لهم شهرياً بالمجيء إلى ألمانيا بـ1000 شخص كحد أقصى، يثير انتقادات من المنظمات الإنسانية والحقوقية، حيث وصفت منظمة بروأزول، المدافعة عن حقوق اللاجئين، قواعد لم الشمل بأنها "متشددة جداً".
وفي وقت تعطي فيه هذه القواعد الأمل لبعض اللاجئين برؤية عوائلهم بعد عدة سنوات، إلا أن اللاجئ السوري طاهر مازال يعاني من آثار تعليق لم الشمل، ويسعى إلى إقناع زوجته بالبقاء معاً لكي يلتمّ شملهما من جديد، في وقت يتساءل فيه اللاجئ أحمد الذي يعيش منذ 3 سنوات بعيداً عن زوجته وطفله الرضيع: "هل سيعرفني ابني عندما يراني؟".
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش