"مع السلامة ألمانيا".. هجرة عكسية للسوريين إلى تركيا
محي الدين حسين
١٣ أبريل ٢٠١٨
يقوم المئات من اللاجئين السوريين بهجرة عكسية من ألمانيا إلى تركيا، أغلبهم للقاء عوائلهم بعد سنوات من البعد نتيجة تعليق قرار لم شمل عوائل الحاصلين على الحماية الثانوية، ومنهم السوري حسين الحسن.
إعلان
بعد حوالي ثلاث سنوات قضاها في ألمانيا مع ابنه الصغير، اضطر السوري حسين الحسن إلى العودة إلى تركيا ليلتمّ شمل عائلته مرة أخرى، كما يقول، حيث أن حصوله على حق الحماية الثانوية حرمه منرؤية زوجته وابنته خلال هذه السنوات التي يصفها بالمريرة.
يقول الحسن لـDWعربية: "لم يفلح الطعن الذي قدّمناه للحصول على حق اللجوء، ولذلك فضّلت العودة مع ابني محمد إلى اسطنبول والاستقرار مع عائلتي هنا"، ويتابع: "ألمانيا ظلمتنا، فحتى حق الحماية الثانوية لم نحصل عليه إلى بعد سنتين من الانتظار للبت بطلب لجوئنا".
لكن قصّة الحسن ليست حالة فرديّة، فالعشرات من اللاجئين السوريين يسلكون نفس الطريق الذي عبروه في رحلة لجوئهم إلى أوروبا، لكن باتجاه عكسي إلى تركيا عبر اليونان، والسبب الرئيسي لعودة الكثيرين هو عدم السماح لهم بلم شمل عوائلهم، كما كشف تحقيق صحفي للقناة الألمانية الأولى.
يقول الحسن الذي وصل قبل 15 يوماً إلى تركيا: "كان معنا في طريق العودة 63 عائلة سورية أخرى، أغلبها عاد لنفس السبب (لم الشمل). بعضها كان يريد الاستقرار في تركيا، والبعض الآخر كان يريد رؤية أهله والعودة إلى ألمانيا".
وسائل التواصل للتهريب
وغالباً ما يعتمد العائدون على المهربين للعبور من اليونان إلى تركيا عبر نهر إيفروس الذي يفصل بين البلدين، وذلك لصعوبة حصولهم على فيزا لدخول تركيا. يقول الحسن: "يدفع كل فرد بين 150 إلى 200 يورو، مقابل إيصاله من مدينة سالونيك اليونانية إلى وسط اسطنبول"، ويتابع: "يقوم حرس الحدود التركي بالتغاضي عن السوريين عند العودة، لكنه لا يسمح لأحد بالعبور من تركيا إلى اليونان".
وتوجد على وسائل التواصل الاجتماعي مجموعات لـ"الهجرة العكسية من أوروبا إلى تركيا" عبر اليونان. وفي إحدى تلك المجموعات على الفيسبوك يطرح أحد الأشخاص سؤالاً عما إذا كانت هناك عائلة أخرى تريد أن ترافق عائلة أخرى إلى تركيا لأنها لا تريد أن تكون وحدها، فينصحه أخر بألا يسلك طريق النهر "لأن هناك طريقاً برياً يستغرق 15 دقيقة بالمشي". بينما يضع آخر رابطاً لمجموعة على واتساب مخصصة لهذا الغرض، وفي تلك المجموعة أرقام ألمانية وتركية ويونانية.
أحد المهربين، والذي لم يرد أن يتم ذكر اسمه، قال لـDWعربية إن عدد "الزبائن" من اللاجئين السوريين العائدين من ألمانيا إلى تركيا ازداد في الشهرين الماضيين، وأضاف: "كثيرون يعودون لأن عوائلهم هنا. إذا كانت الحكومة الألمانية تمنع لم شمل العوائل، فنحن نساعد في ذلك".
مع السلامة ألمانيا؟ رأي السوريين في العودة إلى تركيا
02:01
"الكل يعرف ذلك"
وقد كانت السلطات الألمانية قد مددت قرار تعليق لم شمل عوائل الحاصلين على حق الحماية الثانوية حتى نهاية تموز/يوليو عام 2018، بعد أن كان معلقاً لمدة عامين.
واللاجئ السوري حسن هو واحد من المتأثرين بتعليق هذا القرار، لذلك ترك فرصة للتدريب المهني في ألمانيا بعد ثلاث سنوات من الإقامة فيها، من أجل لقاء عائلته المقيمة في تركيا، حسبما قاله في التحقيق الصحفي للقناة الألمانية الأولى.
ومسألة عودة السوريين إلى تركيا معروفة لدى معظم اللاجئين، كما يقول اللاجئ السوري ثائر، الذي هو عضو في مجموعة واتساب المخصصة لـ"هجرة" السوريين بين ألمانيا وتركيا.
يقول ثائر لـDWعربية: "صحيح أن لم الشمل هو السبب الرئيسي الذي يجعل السوريين يعودون إلى تركيا، لكن البيروقراطية الشديدة، وطبيعة الحياة الاجتماعية في ألمانيا، والمشاكل بين الزوج والزوجة هي أسباب أخرى لذلك، إذ أنها تُشعر المرء أنه في سجن كبير".
ويوافقه في الرأي السوري حسين الحسن الذي لا يخفي سعادته بـ"الخروج من السجن الكبير".
يقول حسين الحسن: "ألمانيا قامت بالتضييق على اللاجئين من خلال تعليق لم الشمل لتخفيض عدد اللاجئين المقيمين فيها، لكنني سعيد أيضاً بأنني تركتها لأكون بين عائلتي"، ويتابع: "لو أعطتني ميركل الآن فيزا إلى ألمانيا فلن أعود إليها. مع السلامة ألمانيا".
محي الدين حسين
مشاكل اندماج السوريين في تركيا ما تزال قائمة
تُعد الإشكالية اللغوية وعدم الحصول على أجور لائقة من بين المصاعب التي يواجهها اللاجئون السوريون في تركيا. ولم يتغير هذا الوضع، رغم مكوث العديد منهم هناك لأعوام كثيرة.
صورة من: DW/D. Cupolo
صبي ينظر باتجاه الشارع من داخل مدرسة في مخيم للاجئين في نصيب2 جنوبي تركيا. وقد عاش العديد من السوريين هناك لأكثر من خمس سنوات، ولكن لديهم صعوبات في الاندماج داخل المجتمع التركي، بسبب الحواجز اللغوية وظروف العمل الصعبة. يقدم هذا المخيم أماكن إقامة جيدة تتوافق مع المعايير الدولية، ولكن السكان مازالو يكافحون من أجل كسر العزلة المجتمعية.
صورة من: DW/D. Cupolo
على ضفاف نهر الفرات أقيم عام 2012 مخيم اللاجئين نصيب 2 والذي يوفر عروضا مجانية في التعليم والرعاية الصحية. وهناك أيضا محلات السوبرماركت للسكان السوريين البالغ عددهم 4500 لاجئا. وعلى خلاف الخيام التقليدية في مخيمات اللاجئين تعيش العائلات هنا في منازل على شكل حاويات، مزودة بحمامات وتدفئة وتكييف.
صورة من: DW/D. Cupolo
وفقا لأرقام وزارة التربية الوطنية التركية فإن 40 بالمائة من الأطفال اللاجئين السوريين في سن الدراسة لا يذهبون إلى المدرسة. لكن التعليم في مخيم نصيب 2 مجاني ومتوفر للطلاب بجميع المراحل الدراسية باللغة العربية والتركية والانجليزية، غير أن بعض اللاجئين انتقدوا أن تعلم اللغة التركية لا يتوافق مع طموحاتهم للعمل مستقبلا بأجور جيدة.
صورة من: DW/D. Cupolo
بالنسبة للأطفال، فالتعليم الأفضل يكون خارج المخيم، حيث لا يتم تعلم اللغة التركية بداخلها بشكل سريع، وهم يريدون تعلما أسرع من اجل الالتحاق بالصفوف المدرسية التي يتواجد بها طلاب أتراك. كما يعتبر مصطفى عمر الذي يدرس اللغة الإنجليزية وهو في الأصل من مدينة حمص، أن "اللاجئين يشعرون بالأمان داخل المخيم مع مواطنيهم، وهو الأمر الأهم بالنسبة لنا".
صورة من: DW/D. Cupolo
"التفاعل بين الأطفال السوريين والأتراك مهم لتخفيف التوترات الاجتماعية، كما يقول عمر كادكوي، وهو باحث متخصص في مجال التكامل الاقتصادي والاجتماعي للاجئين. ولكنه يلاحظ: "ومع ذلك، فالمدارس الحكومية ومراكز التعليم المؤقتة تعاني من نقص في وجود موظفين مؤهلين لتعليم التركية كلغة ثانية"
صورة من: DW/D. Cupolo
هناك قصص نجاح واضحة. ماهر إسماعيل، 17عاما، درس اللغة التركية لمدة عام واحد ويلاحظ "إنها سهلة التعلم "، ويقول إسماعيل في لقائه مع DW. "أستطيع أن أفهم نسبة 70 في المائة من الكلام بالتركية". وعندما يُنهي المدرسة الثانوية فهو يأمل في دراسة الهندسة بجامعة غازي عنتاب القريبة ، كما ذكر مدير المخيم إبراهيم خليل دمير
صورة من: DW/D. Cupolo
نسبة البطالة مرتفعة بين السوريين، ولكن العديد يعثرون على وظائف متدنية المهارات، خاصة في قطاعات يكون العمل فيها شاقا، في حين ينشأون آخرون شركات خاصة بهم. ستة آلاف من الشركات السورية تم إنشاؤها في تركيا بين 2011 و 2017. نسبة 13 في المائة منها موجودة في غازي عنتاب القريبة. ويسعى العديد من السوريين نقل مهاراتهم المهنية إلى السوق التركية.
صورة من: DW/D. Cupolo
كهرمان مراش، 24 عاما، يقيم في المخيم في زيارة لجديه في يوم عطلة، وهو يعمل 12 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع في محل لبيع الكباب في مدينة قريبة مقابل 1000 ليرة تركية أي ما يوازي 256 يورو، ويقول إنه يود أن يتعلم التركية والذهاب إلى المدرسة إلا أنه ليس له وقت للقيام بذلك.
صورة من: DW/D. Cupolo
الأغلبية الساحقة من سكان المخيم يفكرون في العودة إلى ديارهم في سوريا. محمد حاجي (يسار) يقوم بتعبئة الخضار والفواكه طوال اليوم براتب 35 ليرة تركية، أي ما يوازي 9 يورو. ويقول إنه لا يفكر في الذهاب إلى المدرسة هنا، حيث إنه يود العودة إلى سوريا. ويوافقه زكريا عريض (يمين) من الرقة في هذا الرأي. فهو أيضا ينتظر تحرير مدينته من داعش.
صورة من: DW/D. Cupolo
عيوش أحمد (خارج إطار الصورة) تحمل واحدة من حفيداتها. وتعيش عيوش في نصيب 2 منذ خمس سنوات، وكانت من أوائل السكان في المخيم. فحفيداتها رأين نور الحياة في المخيم. وتقول: "إذا بقينا هنا فإن حفيداتي سوف يصبحن تركيات، أما إذا عدنا إلى سوريا فسوف يبقين سوريات". (دييغو كوبلو/علاء جمعة)