هل ينجح ماكرون في تعزيز "الحماية الرقمية" في أوروبا؟
٦ يناير ٢٠٢٢
تأمل فرنسا في استغلال رئاستها للاتحاد الأوروبي خلال النصف الأول من العام الجاري، للبدء في مواجهة تحديات أبرزها مرتبط بالاقتصاد والهجرة والحماية الرقمية في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس إيمانويل ماكرون لخوض الانتخابات.
إعلان
رغم ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا في فرنسا وأوروبا، إلا أن أول اجتماع أسبوعي في العام الجديد لأعضاء المفوضية الأوروبية البالغ عددهم 27 يعقد في العاصمة الفرنسية باريس.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد كشف وحدد برنامجا طموحا للرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي على أمل مواجهة ومعالجة القضايا الرئيسية خلال فترة الرئاسة الدورية للاتحاد وهي ستة أشهر.
وقد بدا سقف ماكرون عاليا لرئاسة بلاده التكتل الأوروبي إذ قال في بيان بمناسبة تسلم فرنسا لرئاسته: "الرئاسة الفرنسية ستكون لحظة حقيقة لتنظيم ومساءلة المنصات الرقمية و تسعير الكربون على الحدود الأوروبية على الواردات وأيضا الحد الأدنى للأجور وعلاقتنا مع إفريقيا".
ويبدو أن ماكرون سيواجه خلال الستة الأشهر القادمة تحديات ليست فقط أوروبية بل أيضا في الداخل الفرنسي إذ ستجرى الانتخابات الفرنسية في أبريل / نيسان المقبل في وضع غير مألوف للدول التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي.
المحور الفرنسي- الألماني
وتسلمت فرنسا الرئاسة من سلوفينيا التي كانت ترأس المجلس الأوروبي منذ الأول من يوليو /تموز فيما تولت ألمانيا الرئاسة الأوروبية خلال النصف الأول من العام الماضي.
ومع تولي المستشار الألماني أولاف شولتس زمام الأمور في البلاد خلفا للمستشارة أنغيلا ميركل التي ظلت في منصبها لستة عشر عاما، ستكون أولوية رئاسة فرنسا الأوروبية اختبار شكل العلاقات الجديدة بين باريس وبرلين.
وفي ذلك، قال جون وورث – المدون السياسي في شؤون الاتحاد الأوروبي – "لا يزال السؤال المطروح في الوقت الحالي كيف ستستقبل برلين بشكل عام ماكرون؟"
وفي مقابلة مع DW، أضاف "هناك توتر واضح (بين ألمانيا وفرنسا) في مجالات تتعلق بسياسات الطاقة خاصة النووية، لكن شولتس سيكون أقل تشددا من الناحية المالية مما كانت عليه ميركل. كذلك لا يزال هناك تباينا في أسلوب الزعيمين إذ أن ماكرون أكثر جرأة فيما لا يبالغ شولتس في الأمور بشكل مفرط".
أما على الصعيد الرسمي، فكانت الحكومة الألمانية الجديدة برئاسة شولتس حريصة على إظهار التزامها بالعلاقات مع فرنسا، وقد بدا ذلك جليا من زيارة المستشار الألماني وعدد من كبار الوزراء إلى باريس عقب أداء اليمين الدستورية.
الأجندة الرقمية
ويرغب ماكرون خلال رئاسة بلاده للاتحاد الأوروبي في المضي قدما بسن تشريعين رئيسيين بشأن الحماية الرقمية ألا هما قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية.
وكانت المفوضية الأوروبية قد طرحت في ديسمبر/ كانون الأول عام 2020 التشريعين، فيما تأمل فرنسا في إنجاز الأمر والتصديق على التشريعين باختتام المفاوضات بين البرلمان الأوروبي وحكومات البلدان الأوروبية خلال فترة رئاستها.
وفيما يتعلق بالتشريعين، فالتشريع الأول "الحماية الرقمية" سيرمي إذا تم التصديق عليه إلى مكافحة المعلومات المضللة والممارسات الإعلانية الغامضة وأيضا المحتوى غير القانوني على شبكة الإنترنت.
أما التشريع الثاني "قانون الأسواق الرقمية" فسوف يستهدف الحد من سيطرة كبرى شركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات المهيمنة على الانترنت ومنعها من أي محاولة لإساءة استغلال قوتها ونفوذها.
وفي ذلك، قالت إليسكا بيركوفا - محللة السياسة الأوروبية في منظمة "أكسس ناو" (Access Now) المدافعة عن الحقوق الرقمية – إنها تتوقع أن تضع فرنسا نصب أعينها القضايا الخاصة بالعالم الافتراضي.
وفي مقابلة مع DW، أضافت "يمكننا أن نتوقع أن تركز الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي على تعزيز التدابير الخاصة بمكافحة المحتوى غير القانوني والذي يُنشر على الإنترنت.. وأيضا المضي قدما في تطبيق مركزي قوي للوائح قانون الحماية الرقمية في المستقبل".
التغير المناخي
من بين القضايا التي ستكون في موضع اهتمام كبير من الجانب الفرنسي خلال الرئاسة الأوروبية العمل على فرض ضريبة أوروبية جديدة على الكربون تشمل واردات كثيرة من الخارج. يشار إلى أن فرنسا كانت بين أكثر الدول المطالبة بفرض ضرائب إضافية على الواردات من الخارج والتي تتسبب في انبعاثات كربونية كبيرة.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن اعتزامه تطبيق خطط من شأنها خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55 بالمائة بحلول عام 2030. وتتضمن الخطة فرض ضريبة كربون على الواردات من الخارج في إطار خطة أطلق عليها اسم "آلية تعديل حدود الكربون/ CBAM" التي تعد الأولى من نوعها في العالم إذ ستؤثر على المنتجات المستوردة من الصناعات ذات الانبعاثات العالية بشكل خاص مثل الصلب والأسمنت والألمنيوم والأسمدة وإنتاج الطاقة.
ويرى أندريه سابير - الخبير الاقتصادي والمتخصص في الشأن الأوروبي- أن فرض ضريبة كربونية داخل التكتل الأوروبي ربما سيواجه عقبات واعتراضات من بعض بلدان التكتل. وفي مقابلة مع DW، قال "هناك تردد واضح من جانب عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي للموافقة على فرض هذه الضريبة إذ تخشى هذه الدول من رد فعل انتقامي من دول خارج التكتل سوف تتأثر بالضريبة الكربونية".
وأضاف "سيعني هذا أن الاتحاد الأوروبي سيصبح في حاجة إلى الانخراط في مفاوضات مع دول خارجه قبل فرض وتطبيق ضريبة الكربون الحدودية".
ولا يتوقف الأمر على قضايا المناخ والرقمنة بل تأمل فرنسا خلال رئاستها التكتل الأوروبي في التعاطي مع قضايا أخرى أبرزها الحد الأدنى للأجور على مستوى الاتحاد الأوروبي وتعديل القواعد الأوروبية بشأن التمويل الحكومي لتعزيز بعض الصناعات الأوروبية لتكون قادرة على التنافس مع كبرى الشركات الصينية والأمريكية.
جاك باروك / م ع
الاتحاد الأوروبي - عقود من التقدم والإخفاقات منذ اللبنة الأولى
فيما يلي المحطات الكبرى للاتحاد الأوروبي منذ تأسيس الكتلة الأوروبية وترسيخ بنائها من خطة لتحقيق التكامل بانتاج الفحم لاتحاد عابر للقوميات ومرورا ببريكسيت وأحداث منطقة اليورو وأزمة اللاجئين ووصولا إلى صعود المتطرفين.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/V. Ghirda
في التاسع من أيار/ مايو 1950...
... وضع وزير الخارجية الفرنسي روبير شومان أول حجر في البناء الأوروبي عندما اقترح على ألمانيا بعد خمس سنوات فقط على استسلامها في الحرب العالمية الثانية، تحقيق تكامل في الإنتاج الفرنسي الألماني للفحم والفولاذ في اطار منظمة مفتوحة لكل دول أوروبا. وقعت اتفاقية باريس التي نصت على إنشاء "مجموعة الفحم والفولاذ" بعد عام من ذلك فولدت أوروبا "الدول الست" (ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا).
صورة من: picture-alliance/dpa
في 25 آذار/ مارس 1957...
... وقعت الدول الست المعاهدة التأسيسية لأوروبا السياسية والاقتصادية. وقد أسست المجموعة الاقتصادية الأوروبية، السوق المشتركة القائمة على التنقل الحر مع إلغاء الحواجز الجمركية بين الدول الأعضاء. أما المؤسسات ومنها المفوضية والجمعية البرلمانية الأوروبية فلم تُنشأ إلا مطلع 1958.
صورة من: picture-alliance/AP Images
في كانون الثاني/ يناير 1973...
...انضمت بريطانيا والدنمارك وإيرلندا إلى السوق الأوروبية المشتركة، تلتها اليونان (1981) وإسبانيا والبرتغال (1986) والنمسا وفنلندا والسويد (1995). شكلت معاهدة ماستريخت الوثيقة التأسيسية الثانية للبناء الأوروبي ووقعت في السابع من شباط/ فبراير 1992. وهي تنص على الانتقال إلى عملة واحدة وتنشئ اتحاداً أوروبياً.
صورة من: picture-alliance/AP Images
اعتبارا من كانون الثاني/ يناير 1993...
... أصبحت السوق الواحدة واقعاً مع حرية تبادل البضائع والخدمات والأشخاص ورؤوس الأموال. وانتظر الأوروبيون حتى آذار/مارس 1995 ليتمكنوا من السفر بلا مراقبة على الحدود.
صورة من: picture-alliance/blickwinkel/McPHOTO
في الأول كانون الثاني/ يناير2002...
... دخل اليورو الحياة اليومية لنحو 300 مليون أوروبي. وفيما تنازلت معظم دول الاتحاد عن عملاتها الوطنية، اختارت الدنمارك وبريطانيا والسويد فقط الإبقاء على عملاتها.
صورة من: picture-alliance/D. Kalker
أيار/ مايو 2004
وبعد أن كان الأمر أقرب إلى حلم عند سقوط جدار برلين في 1989، جرى توسيع الاتحاد ليضم دولا من شرق أوروبا تدريجياً. قد انضمت عشر دول جديدة إلى الاتحاد الأوروبي في أيار/ مايو 2004 هي بولندا والجمهورية التشيكية والمجر وسلوفاكيا وليتوانيا ولاتفيا واستونيا وسلوفينيا ومالطا وقبرص. وفي 2007 انضمت بلغاريا ورومانيا إلى الاتحاد ثم كرواتيا عام 2013.
صورة من: picture-alliance/dpa
في ربيع 2005...
... دفع رفض الناخبين الفرنسيين والهولنديين للدستور الأوروبي، بالاتحاد الأوروبي إلى أزمة مؤسساتية. ولم يخرج منها إلا باتفاقية لشبونة التي كان يفترض أن تسمح بعمل مؤسسات أوروبا الموسعة بشكل أفضل وتمت المصادقة عليها بصعوبة في 2009.
صورة من: EC AV Service
أزمة مالية خانقة
في السنة نفسها، أعلنت اليونان عن ارتفاع كبير في العجز في ميزانيتها في أول مؤشر إلى أزمة مالية واسعة. طلبت اليونان ثم إيرلندا وإسبانيا والبرتغال وقبرص مساعدة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي اللذين طالبا بإجراءات تقشفية. أدت أزمة الديون هذه إلى سقوط رؤساء حكومات أوروبية الواحد تلو الآخر وعززت الشكوك في الوحدة الأوروبية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/D. Ochoa de Olza
أزمة اللاجئين
وما أن خرجت من هذه الأزمة المالية حتى واجهت أوروبا اخطر أزمة هجرة منذ 1945 مع تدفق مئات الآلاف من اللاجئين. واخفق الاتحاد الأوروبي في وضع خطة عمل مشتركة.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Hoppe
بريكسيت
جاءت بعد ذلك أزمة بريكسيت التي وجهت ضربة إلى اتحاد اضعفه صعود الشعبوية والتشكيك في جدوى الوحدة الأوروبية. وبعد حملة تركزت على الهجرة والاقتصاد، صوت نحو 17.4 مليون بريطاني (51.9 بالمئة من الناخبين) في 23 حزيران/ يونيو 2016 مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد.
صورة من: picture-alliance/abaca/D. Prezat
لكن ...
... بعد ثلاث سنوات على الاستفتاء، لم يتم تطبيق بريكسيت الذي كان مقررا في 29 آذار/ مارس 2019. وقد وافقت الدول الـ27 الأخرى الأعضاء على إرجاء الموعد إلى 31 تشرين الأول/ أكتوبر لإعطاء وقت للطبقة السياسية البريطانية للاتفاق على طريقة الانسحاب.
صورة من: picture-alliance/D. Cliff
إتمام "بريكست" في دورة 2019 حتى 2024
لكن "يوم الخروج"، جاء لاحقا. فأخيرا وقع برلمان المملكة المتحدة على اتفاق "البريكست"، الذي أعيد التفاوض عليه، ليتم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسميًا في الساعة 23:00 بتوقيت غرينتش من يوم 31 يناير/ يناير 2020، وهو يقابل الساعة "00:00: من يوم أول فبراير/ شباط 2020 بتوقيت وسط أوروبا). وتبقى بريطانيا العظمى هي الدولة الوحيدة ذات السيادة التي غادرت الاتحاد الأوروبي حتى الآن.
صورة من: Getty Images/AFP/T. Akmen
دعم واضح لأوكرانيا ضد الغزو الروسي
تعرض الاتحاد الأوروبي لاختبار شديد، حينما اندلع قتال لم يحدث له مثيل في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. فقد بدأت روسيا هجوما غير مسبوق على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022. وبكل حزم ووضوح وقف الأوروبيون، باستثناء المجر، في وجه الغزو الروسي. وبدأوا خطوات عملية لدعم أوكرانيا ومن بينها فرض عقوبات صارمة على روسيا وتخصيص مساعدات بعشرات مليارات اليورو من أجل دعم أوكرانيا للصمود.
صورة من: Virginia Mayo/AP
"قطر غيت" تهز البرلمان الأوروبي
في ديسمبر 2022، تم سجن اليونانية إيفا كايلي، نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي، احتياطياً في بروكسل في إطار تحقيق قضائي بشبهات فساد في البرلمان الأوروبي، يُعتقد أنّها مرتبطة بقطر والمغرب، تتعلق بمبالغ كبيرة قد تكون دفعتها قطر لمشرعين أوروبيين للتأثير في قرارات المؤسسة الأوروبية الرئيسية. وتم اطلاق سراح كايلي بعد عدة أشهر. وعرفت القضية باسم "قطر غيت"، ونفت قطر والمغرب أيّ علاقة لهما بهذه القضية.
صورة من: Twitter/Ministry of Labour/REUTERS
أول قانون في العالم للذكاء الاصطناعي
في مارس/ آذار 2024، أقر البرلمان الأوروبي "قانون الذكاء الاصطناعي"، كأول قانون شامل للذكاء الاصطناعي بالعالم. ويريد الاتحاد الأوروبي من خلاله تنظيم الذكاء الاصطناعي (AI) لتطوير واستخدام هذه التكنولوجيا والحماية من مخاطرها. ووافق وزراء الاتحاد الأوروبي بشكل نهائي على القانون في مايو/ أيار. ومن بنوده وجوب وضع علامة على المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي مثل الصور أو الصوت أو النص.
صورة من: Christian Ohde/CHROMORANGE/picture alliance
إقرار قوانين اللجوء الجديدة بعد سنوات من التفاوض
بعد نحو عقد من الجدل حولها، أقرّ الاتحاد الأوروبي في مايو/ أيار 2024 خطة لإصلاح تاريخي لسياساته المتعلقة بالهجرة واللجوء من أجل السيطرة على الحدود لوقف الهجرة غير النظامية. وتتألف خطة الإصلاح من 10 تشريعات، دعمتها أغلبية كبيرة بالاتحاد. ومن المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في 2026 بعد أن تحدّد المفوضية الأوروبية كيفية تطبيقها. وجاءت الموافقة قبل شهر من الانتخابات الأوروبية، رغم ذلك صعد اليمين المتطرف.
صورة من: DesignIt/Zoonar/picture alliance
زلزال الانتخابات الأوربية 9 يونيو/ حزيران 2024
في انتخابات الدورة التشريعية الجديدة للبرلمان الأوروبي 2024-2029، حدث زلزال سياسي بصعود غير مسبوق في تاريخ الاتحاد لقوى اليمين المتطرف والقوميين، الذين حصلوا على أكثر من 140 مقعدا من إجمالي 720 مقعداً. وفي ألمانيا مثلا حل حزب البديل الشعبوي (الصورة لرئيسي الحزب شروبالا وفايدل) كثاني أكبر قوة، بعد حزبي الاتحاد المسيحي المحافظ، متفوقا على الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أقدم حزب سياسي في ألمانيا.