رغم امتنان كثير من اللاجئين السوريين لألمانيا وما وفرته لهم من أمان وفرص، تتزايد بين بعضهم مشاعر العزلة والاغتراب. هذا الواقع يدفع لاجئين ومهاجرين للتفكير بالرحيل، سواء نحو سوريا أو بلدان أخرى بحثا عن حياة أفضل.
ما هي الأسباب التي تجعل بعض اللاجئين يريدون ترك ألمانيا بعدما كان حلمهم هو الوصول للعيش فيهاصورة من: Sean Gallup/Getty Images
إعلان
يُسجَّل أحيانًا انطباع بأن اللاجئين السوريين في ألمانيا جاحدون للجميل، ومع ذلك نحن ممتنون لألمانيا، لا سيما من عانوا ويلات الحرب، وجزء كبير منا ظل منتجًا وبذل جهودًا حقيقية من أجل الاندماج رغم الظروف الصعبة.
ويقول أنس: "معظم السوريين هنا لديهم شعور بعدم التواصل مع أي شخص آخر. هناك دائمًا شعور بأننا نعيش بمفردنا بلا حياة اجتماعية، واعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي لانتقاد البعض للحياة في ألمانيا. فبدون هذا الشعور بالعزلة الاجتماعية، أتوقع أن يكون الوجع أقل".
يرغب نحو نصف المهاجرين الذين لا يرغبون في البقاء بألمانيا في العودة إلى بلدهم الأصلي، بينما يرغب النصف الآخر في الانتقال إلى بلد آخر، وفقًا لمعهد أبحاث التوظيف التابع لوكالة التوظيف الاتحادية.صورة من: Johannes Simon/Getty Images
وعلى الرغم من افتقاد أنس لدفئ الحياة الاجتماعية هنا، تخطر فكرة الرحيل على بال الشاب الثلاثيني بعد حصوله على الجنسية الألمانية لأسباب تتعلق بالأساس بمدى توفر فرص عمل مناسبة تتيح له حياة أفضل. ويقول أنس: "بالنسبة لي الدافع مهني بشكل بحت. يمكنني محاولة التغلب على المصاعب الاجتماعية بشكل ما. أنا اعتدت على الحياة هنا وليس بيدي تغيير الكثير فيها. بالتالي إن أُتيحت لي فرصة عمل جيدة تناسبني، يمكنني حينها التغلب على الجانب الاجتماعي ومحاولة الوصول لحلول ما بشأنه".
كانت رحلة أحمد نحو ألمانيا طويلة حيث بدأت منذ حوالي عشر سنوات من سوريا إلى الجزائر، ومنها للمغرب، ثم إسبانيا، حتى وصل أخيرًا إلى ألمانيا.
فور وصوله، تقدم الشاب السوري بطلب لجوء واحتاج لثلاث سنوات لتعلم اللغة. ومنذ ذلك الحين بدأت حياة أحمد في الاستقرار تدريجيًا، إذ عثر على فرصة عمل في فرع لأحد الأسواق التجاريةبمدينة بون، كما تمكن من إيجار مسكن مناسب له.
وعندما ظن أن الفرصة ربما تكون سانحة للبحث عن شريكة حياته، لم يحالف أحمد التوفيق أو الحظ. وفي حوار أجرته DW عربية، يقول: "لم أتمكن من الزواج في ألمانيا، كان من الصعب أن أجد فتاة مناسبة لي نظرًا لانخفاض أعداد الفتيات السوريات التي انتقلن للعيش بها. وحتى إن رغبت في الزواج من ألمانية، لن أتمكن من التفاهم معها".
وحصل أحمد، البالغ من العمر اليوم 37 عامًا، على الجنسية الألمانية بالفعل لكنه يفكر جديا بالانتقال للعيش بشكل نهائي في سوريا حيث يقول: "لا أرغب في العيش في ألمانيا. ليست بلدي ولم اعتد على الحياة بها ولم أندمج فيها. لا يوجد حياة اجتماعية هنا بالمرة. أعيش في هذه المدينة لأكثر من ست سنوات، وحياتي ليست سوى الحركة من المنزل للعمل ومن العمل للمنزل فقط لا غير مثل الروبوت".
كشفت دراسة أجراها المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية في برلين أن الشعور بالترحيب بين اللاجئين المقيمين في ألمانيا يتراجع بشكل مطرد.صورة من: Ervin Shulku/ZUMA/IMAGO
ويضيف أحمد: "تجربتي في ألمانيا كانت صعبة، لا أحب العيش بها لكني كنت مضطرا لذلك. أما الآن، تغير الوضع في سوريا وانتهت الحرب ويمكنني العودة والمساعدة في إعادة بناء البلد، كما أنني أرغب في الزواج من فتاة مناسبة ربما أتمكن من العثور عليها في سوريا".
ويرغب حوالي نصف الذين لا يرغبون في البقاء في العودة إلى بلدهم الأصلي، بينما يرغب النصف الآخر في الانتقال إلى بلد آخر، وفقًا لمعهد أبحاث التوظيف التابع لوكالة التوظيف الاتحادية.
الجنسية الألمانية "صمام الأمان"؟
وعلى عكس أحمد، يصف بهاء (اسم مستعار) تجربته في ألمانيا، منذ وصوله لها كطالب لجوء سوري في عام 2015 وحصوله على الجنسية الألمانية في عام 2022، بأنها إيجابية بشكل عام.
وفي حوار مع DW عربية، يقول بهاء: "حياتي لم تختلف كثيرا قبل وبعد الحصول على الجنسية الألمانية، وكان يمكنني إكمال حياتي هنا بدونها. لكن مع الخوف من حدوث أي تغير سياسي ووقوع أي مشاكل، أصبحت الجنسية بالنسبة لي هي صمام الأمان".
ويرى بهاء، البالغ من العمر 32 عامًا، أن من الطبيعي المرور بمواقف سلبية أو لقاء أشخاص سيئين دون أن ينفي ذلك كون ألمانيا "بلد ممتاز"، على حد قوله. إلا أنه لا يخفي الحيرة التي تصيبه أحيانًا بشأن الحياة هنا حيث يقول: "نشعر بالحنين لبلادنا، فنحن خرجنا منها مجبورين وليس مخيرين. الأهل والأصدقاء والإخوة موجودون هناك، وتراودني كثيرًا فكرة العودة… لكني استنتجت أن ألمانيا تمثل لي حاليًا على الأقل الاستقرار وفرصه العمل والحياة التي اعتدتها والروتين اليومي والقواعد والقوانين التي صرت ألتزم بها".
2023 الأكثر خطورة للاجئين.. معاناة مستمرة ومأساة تتفاقم!
يوما بعد يوم تتفاقم مأساة اللاجئين، ويعتبر 2023 الأكثر مأساوية إذ شهد النصف الأول منه غرق المئات من المهاجرين. في هذه الصور نسلط الضوء على محنة ومعاناة الأشخاص المجبرين على الفرار من أوطانهم بمناسبة يوم اللاجئ العالمي.
صورة من: Fabrizio Villa/Getty Images
الأمل بعيدا عن الديار
اختارت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هذا الشعار: الأمل بعيدا عن الديار، للاحتفال بيوم اللاجئ العالمي لهذا العام. وهي تريد أن تركز فيه على "إﻳﺠﺎد اﻟﺤﻠﻮل ﻟﻼﺟﺌﻴﻦ وﻋﻠﻰ ﻗﻮة اندماجهم". وترى المفوضية أن ذلك يعد اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻷﻛﺜﺮ "ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ" لتمكينهم من بدء حياة جديدة في اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﻀﻴﻔﺔ ﻟﻬﻢ.
صورة من: Tessa Walther/DW
أسباب عديدة..
أسباب عديدة تجبر الناس على ترك أوطانهم واللجوء إلى دول أخرى طلبا للأمن. ولعل الحروب والنزاعات المسلحة هي السبب الأبرز، إلى جانب الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والاضطهاد لأسباب سياسية أو دينية أو ثقافية أو غيرها من الأسباب الشخصية.
صورة من: Nicoletti/dpa/picture alliance
تغير المناخ والكوارث الطبيعية
المناخ أيضا بات سببا للهجرة والنزوح حول العالم. فالظواهر المناخية المتطرفة والكوارث البيئية مثل الجفاف والعواصف المدمرة والفيضانات حول العالم ولاسيما في النصف الجنوبي للكرة الأرضية الذي يعاني من الفقر والصراعات، تدفع ملايين الناس للهجرة والنزوح ولاسيما للدول المجاورة.
صورة من: Orlando Sierra/AFP/dpa/picture-alliance
110 ملايين نازح ولاجئ حول العالم
ارتفع عدد النازحين حول العالم في عام 2022، جراء الصراعات والمجاعات وتغير المناخ، ليصل إلى مستوى قياسي تجاوز المائة مليون نازح، حسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وتقول المفوضية إن الاتجاه التصاعدي لم يظهر أي علامة على التباطؤ في عام 2023 حيث دفع الصراع في السودان إجمالي عدد النازحين في العالم إلى ما يقدر بنحو 110 ملايين نازح بحلول أيار/ مايو الماضي.
صورة من: Blaise Dariustone/DW
السودان..هروب جماعي من ويلات الحرب
شرّدت الحرب المستعرة منذ شهرين في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع أكثر من 2,5 مليون سوداني، بين نازح ولاجئ، ولاسيّما في دارفور. ويعاني السودان أصلا من الصراعات والنزوح منذ اندلاع أزمة دارفور في عام 2003. وبحلول نهاية عام 2022، كان هناك أكثر من 3.7 مليون شخص من النازحين داخلياً، يعيش معظمهم بمخيمات في دارفور. ويعيش 800 ألف سوداني آخر كلاجئين في دول مجاورة مثل تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا.
صورة من: Gueipeur Denis Sassou/AFP
حرب أوكرانيا
الحرب في أوكرانيا كانت السبب الرئيسي للنزوح في عام 2022. وقد ارتفع عدد اللاجئين الأوكرانيين من 27 ألف لاجئ في نهاية عام 2021 إلى 5,7 مليون في نهاية عام 2022، وهو ما يمثل أسرع تدفق للاجئين في أي مكان منذ الحرب العالمية الثانية، حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
صورة من: Jens Schicke/IMAGO
حلم الفردوس الأوروبي
تعتبر أوروبا الوجهة الأولى للنازحين والمهاجرين من نصف الكرة الجنوبي ويحلم الملايين بالفردوس الأوروبي ويغامرون بحياتهم من أجل ذلك، من خلال محاولة عبور الصحراء الكبرى والبحر المتوسط أو عبر طريق البلقان أو حتى الغابات الشاسعة بين بيلاروسيا وبولندا ودول البلطيق.
صورة من: Flavio Gasperini/SOS Mediterranee/dpa/picture alliance
المتوسط مقبرة المهاجرين
يعتبر عبور البحر الأبيض المتوسط من أخطر الطرق التي يسلكها المهاجرون حول العالم، حيث غرق أو فقد أكثر من 26 ألف مهاجر في البحر المتوسط منذ عام 2014. ولعل عام 2023 كان الأكثر مأساوية حيث شهد النصف الأول من هذا العام غرق مئات المهاجرين، وآخر حادثة مأساة السفينة التي غرقت قبالة السواحل اليونانية وكان على متنها نحو 750 مهاجرا لم يتم إنقاذ سوى 104 منهم.
صورة من: Gianluca Chininea/AFP
عبء كبير على أوروبا
يشكل اللاجئون عبئا كبير على الدول الأوروبية، وهو ما يدفعها للتشدد في هذا الملف والبحث عن حلول وسياسة لجوء مشتركة. وبعد مفاوضات طويلة واجتماعات ماراثونية توصل وزراء داخلية الدول الأعضاء إلى صيغة للإصلاح الشامل لإجراءات اللجوء وملف الهجرة المطروحة منذ سنوات.
صورة من: Darko Vojinovic/dpa/AP/picture alliance
البحث عن شراكات في شمال أفريقيا
يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الاتفاق والتوصل إلى شراكات مع دول شمال أفريقيا ويخوض مفاوضات صعبة مع تلك الدول، ويحاول تقديم مساعدات وإغراءات مالية لتلك الدول بغية إقناعها بالتعاون مع أوروبا في التصدي للهجرة غير الشرعية وتدفق المهاجرين. وفي هذا السياق عرض الاتحاد الأوروبي مساعدات بأكثر من مليار يورو على تونس.
صورة من: Italian Premier Office/AP/picture alliance
عبور السياج الحدودي بين المغرب وإسبانيا
السياج الحدودي بين المغرب وإسبانيا يشهد دائما محاولات عبور مستمرة، بعضها جماعية مثلما حدث الصيف الماضي حين حاول مئات المهاجرين عبور السياج الحدودي من المغرب إلى جيب مليلة الإسباني في 24 حزيران/ يونيو 2022، وتصدت لهم قوات الأمن وقتل ما لا يقل عن 37 مهاجرا.
صورة من: Javier Bernardo/AP/dpa/picture alliance
استمرار مأساة اللاجئين السوريين
ورغم مرور 12 عاما على الأزمة السورية ونزوح وملايين السوريين من ديارهم، لا يزال الملايين ينتظرون العودة من مخيمات اللجوء ولاسيما في لبنان والأردن وتركيا إلى ديارهم. فيما يحاول كثيرون منهم عبور الحدود اليونانية التركية للوصول إلى أوروبا.
إعداد: عارف جابو