مغني راب سوري يستوحي كلماته من ظلام السجن
١٩ ديسمبر ٢٠١٥يعد محمد أبو حجر من مؤسسي موسيقى الراب في سوريا. حصل على شهادة الماجستير في الاقتصاد السياسي من جامعة لاسابينزا في روما. تعرض للاعتقال بعد انطلاق حركة الاحتجاجات في سوريا وغادر البلاد عام 2012. انتقل مؤخراً إلى برلين حيث يواصل مسيرته الفنية بنجاح. DW عربية التقت به وأجرت معه المقابلة التالية:
DW عربية: غادرت سوريا لدراسة الماجستير في إيطاليا ومن ثم انتقلت إلى ألمانيا، هل يعني ذلك أنك وجدت الاستقرار في ألمانيا أخيراً؟
محمد أبو حجر:غادرت سوريا في الحادي عشر من شهر تموز/ يوليوعام 2012 بعد محاولة اعتقال من فرع أمن الدولة. لا يمكنني الجزم بأني وصلت إلى الاستقرار، هذا صعب ومعقد ومرتبط بوضع بلدي الأم سوريا إلى حد معين. وهو متعلق أيضا بتطور معرفتي بالمجتمع الألماني. لكن يمكنني القول إنني أجد مقومات كافية للاستقرار وفرص مواتية لذلك.
التواجد في بلد جديد يفرض الاندماج مع واقع وأسلوب حياة جديدين. ما هي الصعوبات التي واجهتها أو تواجهها في ألمانيا؟
أولى الصعوبات هي صعوبة وتعقيدات الإجراءات منذ اللحظة الأولى لتقديم طلب اللجوء. يبدو هذا التعقيد مقصوداً أحياناً من حيث المبالغة فيه. أنا لست متأكداً بأن ما يحصل على أبواب مراكز استقبال اللاجئين لا يمكن تفاديه، ومن ثم عامل اللغة الذي لا يُستهان به.. وبالرغم من ذلك تبدو فرص الاندماج واضحة بالنسبة إلي، وطبعاً أقصد هنا الاندماج البيئي حيث يتأثر الواصل حديثا بالمجتمع الجديد ويؤثر فيه.
أين يكمن سبب اختيارك للراب كنمط فني تعبر به عن نفسك، وما هي المواضيع التي تتناولها؟
منذ اللحظة الأولى، التي استمعت بها لهذا الفن، شعرت بشكل كامل بأنه أداتي الموسيقية للتعبيرعن الذات. كانت كمية الغضب والتمرد التي يحتويها تناسب وضعي النفسي تماماً. ويعود ذلك لكوني ابن الوسط السياسي في حي سكني يعد فقيرا نوعا ما، ومنطقة هي بالمجمل أفقر من المناطق الأخرى في سوريا (طرطوس).
أما بالنسبة للمواضيع التي تتضمنها موسيقاي، فهي تتمحور حول النقد السياسي والاجتماعي للواقع المعاش. قمت بتقديم أغان مختلفة منذ بداياتي حيث تحدثت عن الغزو الأميركي للعراق، وعن جريمة العار المسماة بجرائم الشرف، بالإضافة إلى ذلك قمت بتقديم نقد سياسي للديكتاتورية والفساد، ونقد اجتماعي للشخصيات النمطية في مدينتي طرطوس. أما في الوقت الحالي فأنا أعمل على أغنية تحتوي نقداً للواقع الديني التسلطي.
الراب نمط غنائي وموسيقي مختلف جداً عن غيره مما يجعله غريباً وصعب التقبل إلى حد ما، فكيف كان تفاعل الجمهور السوري مع هذا اللون الغنائي؟
أذكر مع انطلاقة موسيقاي في الشارع، وأنا من مؤسسي الراب السوري وأول من غنى الراب في الساحل السوري، أن الكثير من الناس كانوا ينظرون لنا باستغراب، إذ لم يتمكنوا من تحديد ما كنا نؤديه، بمعنى هل هو غناء أم كلام؟ً. نحن نتحدث عن فترة الغزو الأميركي للعراق، كثيرون اعتقدوا أننا نعمل بالتوازي مع ذلك لجلب ثقافة أمريكية للداخل السوري ولكن مع مرور الوقت استطاعوا التمييز. وفي أول حفلة راب قدمتها في سوريا، فوجئت حين قام الجمهور بالغناء معنا وكانوا قد حفظوا كلمات الأغاني غيباً.. كانت تلك لحظة رائعة!.
من المؤكد أن الأمر مختلف بالنسبة للألمان، ولكن "راب باللغة العربية؟!" كيف كانت ردود الفعل على ذلك؟
أحرص في كل الحفلات التي أقدمها، سواء في ألمانيا أو ايطاليا أو السويد، على تقديم الترجمة باللغة الإنكليزية للجمهور. ويلعب الطابع السياسي للموسيقى دوراً هاماً في سلاسة تقبلها. يقول لي الجمهور الغربي بعد عروضي غالباً: "لم نفهم كلمات الأغاني حرفياً ولكننا فهمنا الغضب في صوتك"، أو كلمات من هذا القبيل. وبالرغم من إيقاعية الموسيقى وجذبها للمستمع للرقص إلا أن قراءة الكلمات تجعل الدموع أسرع من حركة الجسد.
هل اقتصر نشاطك الموسيقي على الحفلات أم كان لأعمالك طرقا جديدة؟
قمت بتأسيس فرقة موسيقية مع موسيقيين سوريين وألمان وإيطاليين في برلين. هذه الفرقة تعمل على دمج موسيقى الراب بموسيقى الفولك والكلاسيك الغربي بالإضافة إلى عناصر من الموسيقى الصوفية على مستوى الراب. وهناك أغنية سنطلقها قريبا بالتعاون مع فرقة ألمانية تدعى "باك وود بانش" تتحدث عن موضوع اللاجئين. وستكون الأغنية على شكل حوار بين لاجئين سوريين ومواطنين ألمان. كما أن اسم الأغنية "طلوع ونزول" وقد انتهينا من تسجيلها ونعمل على إطلاق الفيديو قريباً.
من يقوم بكتابة الأغاني والتلحين؟
أنا أقوم بكتابة جميع الأغاني وقمت كذلك بإنتاج وتلحين معظم الموسيقى ولكن مع ذلك أتعاون موسيقيا مع عدد من الموسيقيين. فموسيقى أغنية "زهقنا" كانت من إنتاج ملحن أميركي فضلاً عن الأغنية القادمة بعنوان "حوار مع الله" التي ستنجز بالتعاون مع موسيقيين من إيطاليا.
هل هناك رابط بين التجارب التي اختبرتها في حياتك والموسيقى التي تقدمها؟
معظم الأغاني التي ألفتها كانت تتحدث عن حالات شخصية فأغنية "حب جريمة شرف" كانت تتحدث عن علاقتي بفتاة من طائفة أخرى مما أدى إلى تعرفي على وجود مادة في قانون العقوبات تشرع قتلنا نحن الاثنين دونما خوف من العقاب. بينما بدأت بكتابة كلمات أغنية "زهقنا" أثناء تواجدي في المعتقل، أتحدث فيها عن التعذيب وظلام ليالي الزنزانة.
هل يلازمك حلم العودة إلى سوريا؟
عندما خرجت من سوريا لم أكن أفكر بالعودة بل كنت أعيش على انتظار تلك اللحظة، وبعد مرور ثلاث سنوات ونصف يضعف الأمل ويصبح أقل واقعية خصوصاً مع تطور تعقيدات الثورة السورية. وفي الوقت الحالي أنا مقبل على تأسيس عائلة مع فتاة ألمانية مما يجعل موضوع العودة أكثر تعقيدا.. ولكن ما زالت فكرة استكمال حياتي من حيث توقفت في الحادي عشر من تموز لعام 2012 (مغادرة سوريا) تضرب عميقا في نفسي.
أجرت اللقاء: ريم ضوا
محمد أبو حجر (28) عاماً مغني راب، حصل على شهادة الماجستير في إيطاليا حيث أتقن اللغة الإيطالية. وانتقل مؤخرا إلى ألمانيا حيث أسس فرقة موسيقية مع موسيقيين أوروبيين يقوم بالتعاون معهم لإنجاز عروضه الموسيقية. وتطغى على موسيقاه النكهة السياسية.