1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مـــــا هي العلمانية من منظور خصومـــهــا؟؟

٦ أغسطس ٢٠٠٩

سهيل احمد بهجت

تحت هذا العنوان سنبدأ في البحث عن مفهوم كلمة "علمنة" و "علمانية" أو "Secularism" حسب المصطلح الإنكليزي المتداول و الذي يعني فصل الدين عن السياسة ـ العلمانية الجزئية حسب عبد الوهاب المسيري ـ و تعني لدى البعض الآخر فصل العالم المادي الزمني عن عالم الدين و الغيب ـ العلمانية الشاملة حسب المسيري مرة أخرى ـ و الحقيقة هي أن العلمانية لا تعني الإلحاد و الوقوف ضد الدين، و إن كانت توفر للمواطن الحرية لإظهار قبوله أو رفضه للدين، لكن المشكلة في العالم الإسلامي تكمن في أن أنظمة دكتاتورية استبدادية كنظام ناصر و صدام و القذافي و مبارك تعلن علمانيت ها و تواجه المعارضين المؤمنين بالدين بشعار العلمانية في خلط واضح بين العلمانية الإيجابية ـ الحيادية ـ و بين المناهج الإلحادية التي واجهت الدين بالعنف، كالشيوعيين و الماركسيين في الاتحاد السوفيتي و الصين و عبد الناصر و صدام و البعث في العراق.

هذه المواجهة شوهت العلمانية في الوعي الجمعي لهذه المجتمعات و جعلت الكثيرين لا يفرقون أو لا يميزون بين العلمانية كطريقة أو منهج للتسامح و تقبل الآخر و بين الموقف العقائدي و الفكري في رفض أو قبول الدين أو دين معين، فالعلمانية ليست ضرورية للتعايش بين الإيمان و الإلحاد فحسب بل في تعايش الأديان مع بعضها البعض و كان إدراك أهمية العلمانية خلال الحرب الدينية خلال القرنين 16 و 17 أحد أهم أسباب توجه المجتمعات الغربية إلى تبني العلمانية كمنهج لنظام الحياة، و سنرى كيف أن ظواهر الإلحاد و العنصرية القومية جاءت نتيجة تحولات فكرية رافقت نشوء العلمانية و لم تكن نتاجا مباشرا لها، بالتالي فإن العلمانية تقدم أفضل الموجود و هي لا تدعي أنها كاملة كما أن العلمانية هي صنع إنساني بحت و ليست نتاجا "شيطانيا" كما يصورها وعاظ السلاطين أو سلاطين الوعاظ "الولي الفقيه"، إنها بالأحرى وسيلة لتستمر الحياة السلمية.

نبدأ مناقشة العلمانية من خلال نظرة خصومها إليها، و ليكن النموذج الأكثر طرحا هنا هو ما كتبه المرحوم عبد الوهاب المسيري في نقد العلمانية و توابعها التنويرية و الحداثية و الرأسمالية، فالرجل قام بنقد موسع لمفهوم العلمانية و خلال قراءتنا لنقده نجد أن الرجل اعتبر كل ما هو غربي (ســـــلبيا) و العلمانية هي إحدى هذه السلبيات، و لنبدأ مع أطروحاته بكتاب ((العلمانية تحت المجهر)) و الذي ألفه مناصفة مع الدكتور عزيز العظم ـ الصادر عن دار الفكر دمشق و دار الفكر المعاصر بيروت 2000 يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري:

و كان معنى المصطلح ـ أي العلمنة ـ في البداية محدود الدلالة و لا يتسم بأي نوع من أنواع الشمول أو الإبهام، إذ تمت الإشارة إلى "علمنة" ممتلكات الكنيسة و حسب. بمعنى "نقلها إلى سلطات غير دينية"، أي إلى سلطة الدولة أو الدول التي لا تخضع لسلطة الكنيسة. و في فرنسا، في القرن الثامن عشر، أصبحت الكلمة تعني (من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية) "المصادرة غير الشرعية لممتلكات الكنيسة". أما من وجهة نظر مجموعة المفكرين الفرنسيين المدافعين عن مثل الإستنارة و العقلانية المادية و المعروفين باسم "الفلاسفة" (فيلسوف Philosophes) (و يشار إليهم أيضا باسم "الموسوعيين")، فإن الكلمة كانت تعني "المصادرة الشرعية لممتلكات الكنيسة لصالح الدولة" و لكن المجال الدلالي للكلمة اتسع، و بدأت الكلمة تتجه نحو مزيد من التركيب و الإبهام على يد جون هوليوك John Holyooke (1817 ـ 1906 ) أول من صك المصطلح بمعناه الحديث و حوله إلى أحد أهم المصطلحات في الخطاب السياسي و الاجتماعي و الفلسفي الغربي. و قد حاول هوليوك أن يأتي بتعريف تصور أنه محايد تماما (ليست له علاقة بمصطلحات مثل "ملحد" أو "لا أدري"). فعرّف العلمانية بأنها: ((الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية، دون التصدي لقضية الإيمان، سواء بالقبول أو الرفض".." نهاية الاقتباس ـ العلمانية تحت المجهر ص 12 و أنظر أيضا كتابه العلمانية الشاملة و العلمانية الجزئية ج 1 ص 15

لقد حصر المسيري مسألة العلمانية و تطور معناها و مفهومها في مستوى النظر و كأن الموضوع كله متعلق بتطور فكري "نظري" بحت لا علاقة له بالتطور الاجتماعي و السياسي و حتى السايكولوجي الفردي، فالعلمانية ليست نتاجا مدرسيا بحتا و إن كان هذا ينطبق على جزء منها، فالإنسان لا يشك في حقيقة من الحقائق إلا عندما يرى أنها لم تعد عملية أو ليس في الإمكان الاستفادة منها بأي وجه من الوجوه، و أوروبا لم تشك في نزعتها الدينية إلا عندما وجدت أن الدين أصبح مشكلة بدلا من أن يكون حلا أو أن الدين أصبح سببا في انقسام الناس لا عامل وحدة و تناغم، فعدى أن المسيحية كانت قد أصبحت في القرون الوسطى لعبة في أيدي الملوك فكان أن أخرج الملك الإنكليزي هنري الثامن بلاده من الكنيسة الكاثوليكية بسبب رغبته في الطلاق من زوجته و لأن الكنيسة الكاثوليكية كانت ترفض الطلاق إلا لعلة الزنا، و لأن ملوكا آخرين شنوا حروبا باسم الحفاظ على "الدين القويم"، إظافة إلى ذلك كانت فضائح رجال الدين و استغلالهم للدين قد بلغ أوجه، كل هذه الأسباب و غيرها كانت عاملا نفسيا قبل أن نركز على العامل العقلي و النتاج الأكاديمي البحثي، و إذا كان المسيري يرى أن هذا الحديث لم يعد محايدا بمجرد إبعاد الدين عن المعادلة، و لكن اختيار جون لوك لحل مشاكل الإنسان بالوسائل المادية لا تعني إلا أن العالم المادي بدوره لا يمكنه التدخل في شؤون الدين كون الدين متعلق بالروح و بسبب تنوع الظاهرة الدينية، فلو اعترف النظام العام بدور أساسي للدين في إدارة حياة الإنسان فإن السؤال الذي سيطرح نفسه و بقوة هو "ماذا عن الحل الإسلامي"؟ و أيضا "ماذا عن الحلول اليهودية و المسيحية"؟ و كل دين سيطرح سؤاله المشروع عن دوره في تنظيم حياة الفرد و المجتمع و إدارة النظام العام و ننتهي بكارثة حقيقية.

يقول المرحوم عبد الوهاب المسيري:

و الحديث عن "إصلاح حال الإنسان" ليس حديثا محايدا، كما قد يبدو لأول وهلة، فهو يفترض وجود نموذج متكامل و رؤية شاملة (للإنسان و الكون) و منظومة معرفية قيمية يمكن "إصلاح حال الإنسان" حسبها. و هنا يحق لنا أن نسأل: هل مثل هذه المنظومة "تضاف" إلى العلمانية أم أنها جزء لا يتجزأ منها؟ فإن كانت تضاف إليها فمن أي مصدر نستقيها؟ و هل الأمر متروك لكل إنسان أو مجتمع أن يختار مثل هذه المنظومة؟ و إن كان جزءا عضويا من العلمانية، أي النموذج الكامن وراء المصطلح، فهل حدد هوليوك السمات و الملامح الأساسية لهذا النموذج؟ أعتقد أن الإجابة عن مثل هذا السؤال الأخير بالنفي أو الإيجاب سيكون أمرا صعبا، فهوليوك لا يتصدى بصراحة و وضوح لقضية القيمة (هل هي قيم مادية)؟ أو قضية المعرفة (هل مصدرها الحواس فحسب)؟ و هو يتحدث عن سمات الإنسان دون تعريف للسمات الأساسية لما يشكل جوهر الإنسان الذي ستتم العملية الإصلاحية عليه و باسمه (هل هو إنسان طبيعي / مادي).." العلمانية تحت المجهر ص 13

يحاول المسيري طرح إشكالية يستطيع من خلالها نقض المنظومة الغربية العلمانية التي يرى أنها هي التي صنعت مصطلح "علمنة" و "علمانية" كما سنرى في كتابه حول العلمانية الشاملة و الجزئية، فالمشكلة هنا حسب رأيه تكمن في النقطتين الأساسيتين و هما "تعريف ماهية الإنسان" و "مصادر المعرفة" و من خلال هاتين النقطتين و بشكل نظري كلي ـ حيث أنه سيناقش تطور مفهوم العلمانية تاريخيا بمنهجية بعيدة عن التحقيق العلمي ـ سيحاول نقض العلمانية التي لا يرى إلا أنها مجرد "مفاهيم و قيم غربية" تصدّر إلينا على أنها "مفاهيم و قيم إنسانية" و يريد بالتالي إقامة "حداثة" و "تنوير" و "تطوير" منتج من ثقافتنا نحن "عربية إسلامية حسب المسيري"!! و هو ما نشك أن يتم دون الدخول مرة أخرى في المجال المعرفي الغربي الذي تجاوز الغرب و أصبح عالميا بالفعل، و المسيري نفسه يؤكد ضرورة بعض جوانب من العلمانية الجزئية كالفصل بين الدين و بعض جوانب إدارة الدولة "المصدر نفسه ص 16" و "العلمانية الشاملة و العلمانية الجزئية ج 1 ص 17 ـ 18 حيث يشير إلى وجود نوع من العلمانية في الإسلام" و لكن هذه العملية الجزئية أو التي تجتزيء الحقيقة غير فعالة إذ تصبح علمانية محدودة كهذه مجرد قناع لهيمنة فكرة دينية أو قومية.

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW