نظريا لا يبدو ان هناك اختلافا كبيرا بين الحزبين الكبيرين حول معظم ثوابت السياسة الخارجية الألمانية، كما تؤكد بنود اتفاق الائتلاف الذي تم التوقيع عليه اليوم، والذي هو في الأصل صيغة توفيقية بين وجهتي نظر الحزبين. لكن الاختلاف ليس في الصياغات النظرية التي جاءت عمومية إلى حد كبير، ولكن في تفسيرها وتطبيقها بشكل عملي. ففي الوقت الذي يؤكد فيه الحزب الاشتراكي الديمقراطي على استمرارية السياسة الخارجية التي كانت سائدة أثناء الحكومة السابقة، يعطي الخطاب السياسي للحزب المسيحي الديمقراطي إشارات مختلفة.

العلاقات عبر الاطلسي

يتفق الحزبان على أهمية إحياء العلاقة مع الولايات المتحدة بعد ان أصابها الفتور على خلفية رفض حكومة شرودر المشاركة في الحرب على العراق. غير ان كلاهما ينظر إلى عملية الأحياء هذه من زاويته الخاصة. صيغة الاتفاق التوفيقية رؤية مشتركة وعمومية تأتي من إيمان الحزبين بضرورة تعميق العلاقات مع الولايات المتحدة بما يخدم تعزيز موقع أوروبا ويخدم مصالح ألمانيا. ويرى وزير الخارجية القادم فرانك فالتر شتاينماير بأنه لا توجد حتى الآن خطة مشتركة حول الطريقة التي سيتم بها إحياء العلاقات عبر الأطلسي، غير أن هناك مقترحات بان يكون ذلك في إطار حلف شمال الأطلسي.

سياسة ألمانيا تجاه منطقة الشرق الأوسط

لا يبدو أن هناك تغيرات جوهرية في سياسة ألمانيا الخارجية تجاه المنطقة العربية، وبالذات فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. فمسؤولية ألمانيا الخاصة والنابعة من خلفيات تاريخية تجاه إسرائيل هي من المباديء الثابتة في سياستها الخارجية. ومن هذا المنطلق يأتي التأكيد مجددا على حق اسرئيل في الوجود وحق سكانها في العيش في حدود آمنه. كما يتم التأكيد على حق الشعب الفلسطيني بالعيش في دولة خاصة به جنبا إلى جنب مع إسرائيل. في هذا السياق تساهم ألمانيا مع الشركاء الآخرين في إيجاد حل سلمي على أساس "خارطة الطريق" وبما يحقق مصالح جميع الإطراف. وعلى صعيد آخر تعمل على تشجيع الديمقراطية والتحديث في العالم العربي.

الملف النووي الإيراني

تبدو بصمات الحزب الاشتراكي الديمقراطي وأولوية المصالح الألمانية واضحة في صياغة مستقبل السياسة الخارجية تجاه إيران وتحديدا ما يتعلق بملفها النووي. إذ تم التأكيد على أهمية الحل عن طريق المفاوضات ومواصلة سياسة الترغيب لإيران بهدف التوقيع على اتفاقية إضافية لمنع انتشار الأسلحة النووية مع التأكيد على حقها في استعمال التكنولوجيا للأغراض السلمية. بخلاف ذلك جاءت تصريحات مستشارة ألمانيا القادمة يوم أمس والتي وجهت من خلالها رسالة قوية اللهجة إلى إيران على خلفية تصريحات رئيسها حول إسرائيل، وهو الأمر الذي فاجأ المراقبين.

انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

كان الاتحاد المسيحي الديمقراطي يصر على منح تركيا صفة "الشراكة المميزة" بينما دعم الاشتراكي الديمقراطي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. لكن يبدو ان هناك صيغة توفيقية في هذا الموضوع بين الحزبين عكستها نصوص اتفاق الائتلاف التي نصت على علاقات متميزة مع تركيا. هذا التوافق لا يعني الكثير بالنسبة لتركيا التي لا تزال مقيًدة بالكثير من الشروط والمطالب حتى يتسنى لها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وتشير ميركل في هذا السياق الى ان على تركيا فهم رسالة مفادها رغبة المانيا في علاقات وطيده معها.

دور متزايد للجيش الألماني خارج الحدود

ا

تفاق الائتلاف بين الحزبين لم يغلق الطريق أمام مشاركة الجيش الألماني في مهام منع وقوع الصراعات والمساهمة مع الأسرة الدولية في حفظ السلام وتقديم المساعدة في إعادة البناء، غير ان ذلك يتوجب ان يكون في إطار تعزيز الجهود الدولية ضمن إطار الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي. وكان المبدأ السائد هو رفض ألمانيا عسكرة العلاقات الدولية وعدم إرسال الجنود الألمان الى الخارج للمشاركة في الصراعات الدولية، غير ان التطورات الدولية في السنوات الأخيرة دفعتها إلى المشاركة في حربي كوسوفو وأفغانستان، في حين أنها رفضت المشاركة في حرب العراق.

د. عبده جميل المخلافي